- فإن الله تعالى خلق الإنسان في هذه الدنيا ليكابد ألمها ويعاني كربها؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، وليعلم الله من يخافه بالغيب، فيتقلب الإنسان فيها بين غنى وفقر وصحة وسقم وعسر ويسر وشدة ورخاء، ومتى ما وقع في كرب فإن الشريعة تحثنا ـ معشر المسلمين ـ على السعي في كشف الكرب
- التفريج: كشف الهم وإذهاب الغم ورفع الضرر، والكربات: جمع كربة مأخوذة من الشدة والقوة، والكرب هو الغم الشديد، وجمعه كروب، قال ابن حجر: الكرب هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه
- تفريج الكربات: رفع الضر وإذهاب ما يدهم الإنسان ويأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه
- امتن الله على عباه بتفريج كرباتهم وإذهاب همومهم وغمومهم
- ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له ونجيناه وأهله من الكرب العظيم
- ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ~ ونجيناه وأهله من الكرب العظيم
- ولقد مننا على موسى وهارون ~ ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ~ ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ~ وآتيناهما الكتاب المستبين ~ وهديناهما الصراط المستقيم ~ وتركنا عليهما في الآخرين ~ سلام على موسى وهارون ~ إنا كذلك نجزي المحسنين
- وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ~ فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننج المؤمنين
- إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غماً بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ~ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم
4ـ قد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تفريج الكربات والسعي في ذلك:
- عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أن أبا قتادة طلب غريماً له فتوارى عنه، ثم وجده؛ فقال: إني معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر، أو يضع عنه} رواه مسلم
- عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر يقول {يا حي يا قيوم؛ برحمتك أستغيث} رواه الترمذي
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة} رواه الشيخان
- عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كربته؛ فليفرج عن معسر} رواه أحمد
5ـ المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في تفريج الكربات
- وصفت السيدة خديجة النبي صلى الله عليه وسلم {كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق} رواه البخاري
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: توفي أبي وعليه دين، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه؛ فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء؛ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك؛ فقال {إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم } فجاء ومعه أبو بكر وعمر، فجلس عليه ودعا بالبركة ثم قال {ادع غرماءك فأوفهم} فما تركت أحداً له على أبي دين إلا قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقاً سبعة عجوة وستة لون، أو ستة عجوة وسبعة لون، فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فذكرت له ذلك؛ فضحك فقال {ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما} فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع أن سيكون ذلك.
- عن عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب؛ فقلت: يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت، فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار؛ فلما رآني قال: يا حبشي، قلت: يا لباه، فتجهمني وقال لي قولاً غليظاً، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربع، فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس…
6- خاتمة: إنه لا يكاد يسلم من الحاجة إلى الناس أحد، وقد قال بعض الحكماء لابنه: يا بني لقد ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافية، ولقد ذقت المرارات كلها فلم أجد أمر من الحاجة إلى الناس، ونقلت الحديد والصخر فلم أجد أثقل من الدين، ورأيت الأغنياء فلم أجد أغنى من القناعة، وعاداني الأعداء فلم أجد أعدى من نفسي إذا جهلت.
7- قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ربما تكون نائماً فتقرع أبواب السماء عشرات الدعوات لك من فقير أغنيته، أو جائع أطعمته، أو حزين أسعدته، أو عابر ابتسمت له، أو مكروب نفست عنه، فلا تستهن بفعل الخير أبداً