خطب الجمعة

حقوق الإنسان في الإسلام

خطبة يوم الجمعة 4/12/1436 الموافق 18/9/2015

1- في مثل هذه الأيام المباركة خرج رسول الله صلى الله عليه وسـلم من المدينة حاجاً، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ؛ فخرج صلوات ربي وسلامه عليه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة مكبِّراً مهلاً بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ»

2- إن نبينا عليه الصلاة والسلام قد قرر في هذه الكلمات الموجزة حقوق الإنسان التي تشمل كل آدمي، دون تفريق بين لون ولون، ولا بين جنس وجنس، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، وإن أكرمهم عند الله أتقاهم، وغير خاف أيها المسلمون أن موضوع حقوق الإنسان قد غدا سبيلاً مضموناً يستعمله الغرب المنتصر لإخضاع الدول سياسياً واقتصادياً؛ حتى إن الدول التي تدان بانتهاكات لحقوق الإنسان ـ وفق المعايير الغربية ـ تتعرض لأنواع من الحصار ـ اقتصادية وعسكرية وسياسية، تستمد شرعيتها ـ عالمياً ـ من قرارات تصدر عن المؤسسات والهيئات الدولية، التي لم يكن للمسلمين دور في تكوينها، بل كانت أغلب بلاد المسلمين ـ عند تكوين تلك الهيئات ـ خاضعة للاستعمار الغربي على اختلاف أنواعه، ولا بأس في سبيل تحقيق هذه الهيمنة الغربية والاستعلاء الأبيض أن يستعينوا ببعض النخب الوطنية ـ التي ليست هي فوق مستوى الشبهات، والتي تنادي ليلاً ونهاراً بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ويحاولون أن يصوروا للناس أن حقوق الإنسان ـ على النهج الغربي ـ هي السبيل الأوحد للتخلص من التخلف والتبعية!! وقد علم الناس أن هؤلاء كانوا إلى عهد قريب من سدنة الفكر الشيوعي الذي لا يعترف بالآخر، ولا يعرف سبيلاً للتعامل معه إلا الإقصاء والبتر، وأحياناً السحل والقتل.

3- إن الذي يميز حقوق الإنسان في ديننا جملة أمور لا بد من التنبيه عليها:

أولها: أن مصدر هذه الحقوق مبنيٌّ على أن السيادة والحاكمية لله عز وجل؛ قال سبحانه {إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ} وقال عز وجل {أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ} فينظر المشروع الإسلامي للحقوق بحسب النظرة الإلهية لهذا المخلوق، ومدى ما يصلحه، كما قال تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}

ثانيها: الثبوت؛ فلا تتغير بتغيُّر الزمان وتبدل الظروف والأحوال. وتتّضح هذه الميزة في تعريف العلماء للحق حين عرّفوه بقولهم: «هو الحقّ الثابت الذي لا يجوز إنكاره»

ثالثها: مراعاة انطلاق الحقوق من مقام الإحسان؛ فالحقوق في الإسلام تنبع من المقام الذي يكون فيه العبد تحت مخافة الله عز وجل، وهو مقام الإحسان الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وفي حديث أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً من خلفي (اعلم أبا مسعود) فلم أفهم الصوت من الغضب؛ فلما دنا مني إذا هو رسول الله يقول (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود) فألقيت السوط من يدي؛ فقال (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام) فقلت: يا رسول الله، لا أضرب مملوكاً بعده، وقلت: هو حر لوجه الله تعالى. فقال عليه الصلاة والسلام (أما لو لم تفعل للفحتك النار) رواه مسلم

رابعها: الانسجام والتكامل بين حقوق الإنسان وطبيعة هذا الدين، فالإسلام لم يترك الحقوق مجردة، بل جعلها في جوّ وإطار الأحكام الشرعية، وفي منظور المقاصد الشرعية، وقرنها بآدابها وأخلاقها، وجعل الإخلال بتلك الآداب إخلالاً بهذه الحقوق، وربطها في النهاية بالدين، واعتبر مصدرها إلهياً، فكان بناء الحقوق في الإسلام بناءً متكاملاً ينسجم مع الطبيعة الربانية لهذا الدين

خامسها: تنبثق حقوق الإنسان في الإسلام من أنّ سيادة المجتمع الإنساني فرع عن سيادة أفراده، وليس العكس، كالحال في النظم الوضعية، قال تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} وفي تفسير هذه الآية روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ:

  • الْمَعْنَى مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامَ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهُ بِأَنْ شَدَّ عَضُدَهُ وَنَصَرَهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.
  • وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْنَى مَنْ قَتَلَ نَفْسًا وَاحِدَةً وَانْتَهَكَ حُرْمَتَهَا فَهُوَ مِثْلُ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ تَرَكَ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَصَانَ حُرْمَتَهَا وَاسْتَحْيَاهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ فَهُوَ كَمَنْ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.
  • وَعَنْهُ أَيْضًا. الْمَعْنَى فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا عِنْدَ الْمَقْتُولِ، وَمَنْ أَحْيَاهَا وَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَةٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا عِنْدَ الْمُسْتَنْقَذِ.
  • وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ النَّفْسَ الْمُؤْمِنَةَ مُتَعَمِّدًا جَعَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ جَهَنَّمَ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا، يَقُولُ: لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ فَقَدْ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ.
  • وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فَيَلْزَمُهُ مِنَ الْقَوَدِ وَالْقِصَاصِ مَا يَلْزَمُ مَنْ قَتْلَ النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ: وَمَنْ أَحْيَاهَا أَيْ مَنْ عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ لَهُ قَتْلُهُ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ أَيْضًا، أَيْ هُوَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْمَقْدِرَةِ.
  • وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ خُصَمَاؤُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ وَتَرَ الْجَمِيعَ، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، أَيْ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ شُكْرُهُ.
  • وَقِيلَ: جُعِلَ إِثْمُ قَاتِلِ الْوَاحِدِ إِثْمَ قَاتِلِ الْجَمِيعِ، وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يُرِيدُ. وَقِيلَ: كَانَ هَذَا مُخْتَصًّا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالتَّشْبِيهُ عَلَى مَا قِيلَ وَاقِعٌ كُلُّهُ، وَالْمُنْتَهِكُ فِي وَاحِدٍ مَلْحُوظٌ بِعَيْنِ مُنْتَهِكِ الْجَمِيعِ، وَمِثَالُهُ رَجُلَانِ حَلَفَا عَلَى شَجَرَتَيْنِ أَلَا يَطْعَمَا مِنْ ثَمَرِهِمَا شَيْئًا، فَطَعِمَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً مِنْ ثَمَرِ شَجَرَتِهِ، وَطَعِمَ الْآخَرُ ثَمَرَ شَجَرَتِهِ كُلِّهَا، فَقَدِ اسْتَوَيَا فِي الْحِنْثِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ وَاحِدًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ الْجَمِيعَ، لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الشَّرْعَ

سادسها: إضافة إلى السبق الزمني لحقوق الإنسان في الإسلام على غيره؛ فإنّ هذه الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان لم تتحقق بعد صراعات فكرية أو ثورات ومطالبات كما هو الشأن في تاريخ حقوق الإنسان في النظم الديمقراطية وأسباب نشأتها، كالحال في فرنسا وبريطانيا … وإنما استقرّت مبادؤها وأحكامها وحياً من عند الله عز وجل دون سابق حديث عنها أو تطلّع إليها، أو كفاح في سبيلها

سابعها: أنها واقعية ومرتبطة بالحياة، وتلمس حاجة الإنسان؛ بخلاف الحقوق في التشريعات الأجنبية فإنها منصبغة بالصبغة الفلسفية

4- بعض ما انفردت به الشريعة الإسلامية من حقوق الإنسان:

أولاً: حقه في الحياة؛ فلا يجوز الاعتداء على حياته لا من قبل نفسه ولا من آخرين، ولا نجد في القرآن تشديداً في جريمة كما هو التشديد في جريمة القتل {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل} وليس هذا قاصراً على المسلم وحده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم “ألا مَنْ ظلمَ مُعاهداً، أو انتقصه، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طِيبِ نَفْسٍ فأنا حجيجه يوم القيامة” رواه أبو داود

ثانياً: حقه في الكرامة الإنسانية، فهو أكرم مخلوق على الله؛ يقول سبحانه {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} وقام النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جنازة؛ فلما قيل له: إنها ليهودي!! قال “أليست نفساً” رواه البخاري ومسلم

ثالثاً: حقه في حرية الاعتقاد، فلم يحفظ التاريخ أن المسلمين قد أكرهوا أحداً على الدخول في دينهم أو على الخروج من دينه، والنص القرآني في ذلك {لا إكراه في الدين}

رابعاً: حقه في الحرية، سواء في ذلك حرية التنقل والسفر، أو حرية العمل والتكسب، أو حرية الفكر والإبداع، والمبدأ الإسلامي الذي أرساه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”

خامساً: حقه في أن يعيش حياة آمنة لا يخضع فيها لتعذيب أو إهانة، ففي الحديث “إن الله ليعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا” رواه مسلم

سادساً: حقه في أن يحافظ على براءته؛ فلا يُعتدى على الطفل ولا الشيخ الكبير ولا المرأة في حال نشوب الصراعات، وفي ذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم لقادة الجيوش “اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا}[1]

سابعاً: حق الإنسانية في عدم إتلاف الزروع وتخريب المباني المدنية أثناء النزاعات؛ ففي وصية أبي بكر رضي الله عنه لأسامة حين بعثه إلى الشام {ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة” رواه مسلم

ثامناً: حقه في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال سبحانه {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}

تاسعاً: حقه في التعليم والصحة، وفي ذلك النصوص المتكاثرة الآمرة بالعناية بالتعليم في حال الصغر والكبر معاً، والعناية بصحة الفرد وصحة البيئة وتشريع نظام الحجر الصحي وألا يورد ممرض على مصح

عاشراً: حقه في الاختلاف، ففي القرآن الكريم بيان تلك السنة الإلهية {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} وفي السنة أحداث كثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينكر على الناس اختلافاتهم إلا إذا خالفت الشرع وباينت الدين

5- إن الخمول الشنيع الذي ران علينا في القرون الأخيرة جعل تراثنا العظيم نهباً للآخرين، ثم تُمحى من فوقه كلُّ علامة، وتُوضع عليه علامات المُلاّك الجدد، ثم يقال: إن العرب ما قدّموا للعالم خيراً قطّ، وإن الإسلام وأهله عالةٌ على الأولين والآخرين، {ألا لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ}

6- إنَّ في طليعة الحقوق التي يجب على الغرب أن يعترف بها حقاً أساسياً هو الحقّ في الاختلاف معه، أعني حقّ الشعوب الأخرى، ولا سيما المستضعفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً – أي: المتخلفة عن ركب آلته المتقدّمة – في أنْ تكونَ لها عقيدتها ولغتها وثقافتها ومختلف مقوّمات هويتها الذاتية والكيانية، ثم يأتي بعد ذلك حقها في التقدم الذي بلغه العصر في شتى المجالات، والذي يضع الغرب نفسه الراعي والمتعهد وصاحب الامتياز لحقوق الإنسان!! يضع عراقيلَ حتى لا تدرك هذه الشعوب شأواً مناسباً منه، وَيذُودُونَها بسوْط العولمة أو الأَمْرَكةِ حتى تبقى رهينة تبعيّةٍ مقيتةٍ يتحكمون في صيرورتها، ويجردونها من أدنى الحقوق وأبسطها، معاشاً وتعليماً وعلاجاً وأمناً.

7- إن ما يلمسه المتابع لقضية الصراع مع الصهاينة يجد العجب العجاب؛ فالحقوق كلها للصهاينة، ودفاع الشعب الفلسطيني الأعزل بالحجارة والبنادق أمام الصواريخ والقنابل والطائرات الحربية أصبح ذلك في نظر عميان رعاة السلام وأصحاب المبادرات المشبوهة أصبح عنفاً وإرهاباً!! فماذا يفعل شعب مغلوب على أمره، اعتدي عليه في مصادرة أرضه، ومحاربته في وسائل عيشه، ومحاصرته بكل الوسائل غير الشرعية؛ إن لم يدافع عن كرامته بكل ما يستطيع؟

أين هؤلاء من تلك الأعمال الهمجية والانتهاكات المتوالية لحقوق الإنسان المسلم سواء في فلسطين أو الشيشان أو كشمير أو الفلبين أو بورما؟ وأين أولئك المراقبون لمعاناة المسلمين من القتل والتشريد والتدمير لمقدرات بلدانهم مما تنشره وسائل الإعلام ليل نهار؟

[1] رواه مسلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى