خطب الجمعة

خطبة يوم عيد الفطر لعام 1440

خطبة يوم عيد الفطر لعام 1440

1/ هذا اليوم يوم شكر وذكر، وأكل وشرب وفطر، هذا يوم الخير والبر، هذا يوم الجوائز، هذا يوم القبول، هذا يوم الفرح والسرور (للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بلقائه) لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى) فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو، هذا يوم التكبير: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر من كل قوة تظهر في هذا الوجود الله أكبر من طغيان الطاغين، الله أكبر من  استكبار المستكبرين، الله أكبر من بطش الجبارين، الله أكبر من المال والبنين، الله أكبر من كل من يطغيه المال أو السلطان الله أكبر من كل شيء. رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنودا، الله أكبر شعارنا معشر أهل الإسلام في الأذان والإقامة والصلاة، الله أكبر حين يولد لنا مولود، الله أكبر حين نصلي على الميت، الله أكبر حين نجاهد، الله أكبر حين نفرح، الله أكبر حين نذبح، الله أكبر نرفع بها أصواتنا؛ فلا كبير إلا الله

أيها المسلمون: عيدنا عيد التكبير والتهليل، عيد الدعاء والرجاء، لا عيد المبتدعة والمشركين، ولا عيد اللاهين اللاعبين، ولا عيد العابثين الفارغين، بل الفرحون بهذا العيد هم {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين}

2/ أيها المسلمون: تذكروا بمرور العيد وتكرره عليكم انقضاء أعماركم وانتهاء آثاركم وختم أعمالكم وحضور آجالكم، وتزودوا بالتقوى للسفر البعيد الذي قال الله فيه {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد _ ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد _  وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} وتذكَّروا باجتماعكم هذا، الاجتماع الأكبر على أرض المحشر {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود _ وما نؤخره إلا لأجل معدود _ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} { يوم يقوم الناس لرب العالمين} {إذا بعثر ما في القبور @ وحصل ما في الصدور} {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} يوم تنشر الدواوين وتوضع الموازين.

3/ أيها المسلمون: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}

أيها المسلمون: (غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم) {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}

أيها المسلمون: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين} احذروا الغش في أقوالكم وأفعالكم ومعاملاتكم؛ فالمسلم من أدى الواجبات واجتنب المحرمات، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وصام رمضان وحج بيت الله الحرام، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فاحذروا أذية المسلمين بأي نوع من أنواع الأذى قال تعالى ((والذين يؤذون المسلمين والمسلمات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)) احذروا الغش في بيعكم وشرائكم وسائر أعمالكم، فإن الغش ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفجور في الخصومات والتساهل بالأيمان والشهادات، قال تعالى ((إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) واحذروا أخذ الرشوة وأكل الربا وأكل مال اليتيم فإنها من كبائر الذنوب، وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام فإنها سبب لسعة الرزق وبركة الأعمار، تواصلوا رحمكم الله بالتحف والهدايا وأنواع الإكرام وبالعطف واللطف ولين الكلام، فمن وصل رحمه أوصل له الخيرات وبسط له البركات، وليس الواصل بالمكافئ

4/ أيها المسلمون: ليكن أملكم في الله عظيماً؛ فدينكم خير الأديان، وشريعتكم أكمل الشرائع، ونبيكم سيد النبيين، وإمام المرسلين، دينكم هو أعظم الأديان انتشاراً، وكتابكم هو كلمة الله الأخيرة للبشر، لا تيأسوا من روح الله، ولا يهولنكم ما عليه أعداء الله من الاستئساد على المسلمين وفض بيضتهم فعما قليل ليصبحن نادمين، {والله من ورائهم محيط}، تذكروا كيف ارتد المرتدون، وكيف منع الزكاة المانعون، تذكروا حروب التتر والصليبيين؛ كيف قيَّض الله للإسلام رجالاً حملوا رايته وحموا رسالته؟ وما أشبه الليلة بالبارحة، والحمد لله رب العالمين

5/ إن تغييراً قد حصل في بلادنا؛ حيث استبدل بالحاكم غيره، بعد ثورة سلمية انحاز لها الجيش فحقن الدماء وكفَّ الشر وحال دون الفساد في الأرض، وأن يقتل الناس بعضهم بعضا، وقد رفع المشاركون في تلك الثورة شعارات السلمية والعدالة والحرية، ولا بد في هذا المقام من أن يقال: إن هذه شعارات هي من صلب ديننا وأصل ملتنا وقد مضى بيان هذا تفصيلا، وإن الواجب أن يتكاتف الجميع من أجل تحقيقها

أيها المسلمون: إن نعمة الأمن من أعظم نعم الله على العباد؛ وقد امتن الله على عباده بهذه النعمة في كتابه فقال {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا} إن هذه النعمة العظيمة التي ميز الله بها بلادنا من بين بلاد كثيرة يريد بعض الناس الإخلال بها؛ حيث نرى في أيامنا هذه فتياناً وشباباً يغلقون الطرق ويضعون الحجارة في طريق السابلة والسيارات، ويشعلون الحرائق، ويعسِّرون على الناس معايشهم؛ وإني سائلكم أيها المسلمون: هل هذه سلمية؟ هل إغلاق الطرق عدالة؟ هل من الحرية أن يجبر الناس على الرجوع إلى بيوتهم؟ ولماذا كل هذا؟ سلوا أنفسكم، هل من أجل حفنة من الناس منوا الشباب الأماني، وصوروا لهم ما تشتهيه أنفسهم، هؤلاء أرادوا أن يستأثروا بالحكم ويفوزوا بكل شيء ويتحكموا في البلاد والعباد، فلما لم يجدوا بغيتهم ركب أكثرهم الطائرات وعادوا من حيث أتوا، ثم بعد ذلك يريدونها فتتة لا تبقي ولا تذر؛ إن هؤلاء يريدون الانتقام من الشعب والجيش معاً، لا يريدون لهذه البلاد أمناً ولا إيماناً ولا سلاماً ولا إسلاماً، فقد طلبوا من الجيش بالأمس القريب أن يتدخل لحسم الأمر وعزل الحاكم؛ فلما فعل بدأوا يستخفون به ويسخرون منه، ويهتفون ضد قادته، ولما لم يعطهم بغيتهم صاروا يحرِّضون (شرفاء الجيش) كما أسموهم أن ينقلبوا ثانية، ألا إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، ألا إن الأمن مسئولية الجميع، ولا بد أن يضطلع الناس – أعني كبارهم وعقلاءهم – بهذه المهمة العظيمة، ولا بد من النهي عن هذا المنكر بشتى الطرق، والأخذ على يد السفهاء لئلا يتمادى بهم الأمر إلى أن نندم جميعا {فستذكرون ما أقول لكم} إنني أدعو عرفاء الناس وكبراءهم وفضلاءهم إلى تشكيل لجان مجتمعية تحفظ الأمن في الأحياء وتأخذ على أيدي السفهاء وتمنع الفساد في الأرض؛ فإن الله لا يحب المفسدين، لجان تميط الأذى عن الطريق وتمنع استغلال الصغار في تلك الأعمال التي لا يقرها عرف ولا دين، وحسبكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منع الصلاة في قارعة الطريق، ونهى عن التخلي في أماكن الظل وموارد الماء وقارعة الطريق

6/ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وكبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا

أيها المسلمون عباد الله: هذا يوم التسامح والتصافح والتصالح؛ حتى يكون فرحكم أفراحاً وعيدكم أعيادا؛ فيا فوز من عفا وأصلح، ويا سعادة من أراد وجه الله عز وجل بذلك؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه؛ فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: (رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي!! فقال الله تبارك وتعالى للطالب: فكيف بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري) قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: (إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم؛ فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن!! قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه!! قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك!! قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين) وإني بادئ بنفسي أيها المسلمون؛ فإن ناساً كثيرين قد تعدَّوا عليَّ فيما مضى من الأيام، فنشروا عني أكاذيب وترهات، وأطلقوا أباطيل  وشائعات، وقد سبَّب لي ذلك كثيراً من الأذى الذي أحتسبه عند الله تعالى في موازين الحسنات، وجاءني بعضهم يطلب العفو، وإني قائل في هذا المقام: أشهد الله وملائكته وحملة عرشه وأشهدكم معشر المسلمين أني قد عفوت عن كل من أساء إليَّ من المسلمين والمسلمات؛ عملاً بقول نبينا صلى الله عليه وسلم (ما ظلم عبد مظلمة فعفا إلا زاده الله بها عزا) وهذا العفو خاصٌّ لأهل الإسلام، أما الملاحدة أعداء الدين دعاة الباطل أهل الضلال وأصحاب الشمال، ممن نسجوا تلك الأكاذيب وروجوها وجمعوها وفرقوها – كصنيع سلفهم عبد الله بن أبي بن سلول – فإني قائل لهم: نحن لكم إن شاء الله بالمرصاد! سنعري باطلكم، ونكشف زيفكم، ونجلي صارمنا لنبيد خضراءكم، ولن نخلي بينكم وبين شبابنا لتضلوهم عن سواء السبيل، فأنتم الظلاميون حقاً والرجعيون صدقا، يا من تدعون إلى مذاهب باطلة – من شيوعية وبعثية وناصرية – مذاهب قد لفظها أهلها وكفر بها من أحدثوها، لن أعفو لكم بل موعدنا عرصات القيامة

إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غداً عند الإله من الملوم

7/ أيها المسلمون عباد الله: افرحوا بعيدكم، واشكروا نعمة ربكم، وتقربوا إلى الله تعالى بالتوسعة على عيالكم، وصلة أرحاكم، وإدخال السرور على جيرانكم، وأمِّلوا في الله خيرا

يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ أبشر بخير ٍ فإن الفارج الله

اليأس يقطع أحيانا بصاحبه … لا تيأسن فإن الصانع الله

الله يُحدث بعد العسر ميسرةً لا تجزعنَّ فإن المانع الله

إذا ابتليت فثق بالله وارض به … إن الذي يكشف البلوى هو الله

إذا قضى الله فاستسلم لقدرته … فما ترى حيلة فيما قضى الله

والله مالك غير الله من أحدٍ فحسبك الله في كلٍ لك الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى