عيد الفطر 1425 هـ
1ـ هذا اليوم يوم شكر وذكر، وأكل وشرب وفطر، يحرم صومه لما في صومه من الإعراض عن ضيافة الله عز وجل ومخالفة أمره حيث شرع الإفطار فيه، فإنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى، فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو، هذا يوم التكبير: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر من كل قوة تظهر في هذا الوجود الله أكبر من طغيان الطاغين واستكبار المستكبرين، الله أكبر من كل من يطغيه المال أو السلطان الله أكبر من كل شيء. علمنا الإسلام التكبير في الأذان والإقامة والصلاة والولادة والذبيحة والجهاد والعيد نرفع بها أصواتنا.
2 ـ الخروج لصلاة العيد على هذا النمط المشهود فيه إظهار لشعار الإسلام، فصلاة العيد من أعلام الدين الظاهرة، لو تركها أهل بلد مع استكمال شروطها الظاهرة وجب على إمام المسلمين قتالهم. ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلاها في المسجد لغير عذر؛ لأن في أدائها خارج المسجد إظهاراً لهيبة المسلمين، وإعلاناً لشعار الإسلام، وتمكيناً للعدد الكبير من المسلمين من حضورها
3 ـ تذكروا من صلى معكم في مثل هذا اليوم من الأعوام الماضية من آبائكم وأقربائكم وإخوانكم المسلمين ممن رحلوا عن هذه الدنيا ولم يستصحبوا منها سوى ما قدموا من أعمال، وتركوا الدور والقصور الأموال، لم تمنعهم من الموت أموال ولا جنود ولا حصون، ولا ينفعهم عند الله مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا ما ترون في هذا اليوم من مظاهر الزينة، فإن الزينة الحقيقية هي زينة التقوى، قال تعالى ))يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير)) نظر بعض الصالحين إلى لباس الناس يوم العيد فقال: هل ترون إلا خرقاً تبلى، ولحماً يأكله الدود غداً، ورأى آخر أناساً يضحكون في يوم عيد الفطر فقال: إن كان هؤلاء تُقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يتقبل منهم فما هذا فعل الخائفين.
4 ـ تذكروا بمرور العيد وتكرره عليكم انقضاء أعماركم وانتهاء آثاركم وختم أعمالكم وحضور آجالكم وتزودوا بالتقوى للسفر البعيد الذي قال الله فيه ((وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد _ ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد _ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد)) وتذكروا باجتماعكم هذا، الاجتماع الأكبر على أرض المحشر ((وذلك يوم مشهود _ وما نؤخره إلا لأجل معدود _ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد))
5 ـ اتقوا الله واشكروه على نعمة الإسلام حيث هداكم إليه وجعلكم به خير أمة أخرجت للناس، فقوموا بواجباته، واعلموا أن الإسلام ليس بالتسمي والانتساب من غير التزام لأحكامه وقيام بواجباته وابتعاد عن مناقضاته ومنقصاته، إن للإسلام أركاناً وشرائع وسنناً، تعظيماً للخالق وإحساناً للمخلوق، فالمسلم من أدى الواجبات واجتنب المحرمات، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وصام رمضان وحج بيت الله الحرام وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فاحذروا أذية المسلمين بأي نوع من أنواع الأذى قال تعالى ((والذين يؤذون المسلمين والمسلمات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)) أيها المسلمون: غضوا من أبصاركم؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، يزرع الشهوة في القلب، ويجر إلى الفواحش، أيها المسلمون ((أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين _ وزنوا بالقسطاس المستقيم _ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين)) احذروا الغش في بيعكم وشرائكم وسائر أعمالكم، فإن الغش ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفجور في الخصومات والتساهل بالأيمان والشهادات، قال تعالى ((إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) واحذروا أخذ الرشوة وأكل الربا وأكل مال اليتيم فإنها من كبائر الذنوب، وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام فإنها سبب لسعة الرزق وبركة الأعمار، تواصلوا رحمكم الله بالتحف والهدايا وأنواع الإكرام وبالعطف واللطف ولين الكلام، فمن وصل رحمه أوصل له الخيرات وبسط له البركات، وليس الواصل بالمكافئ
6ـ إن التمسك بالدين يكفل لكم الحياة الطيبة في الدنيا حياة النصر والعز والرخاء والكرامة ((ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز _ الذين إن مكناهم في الأرض…)) وفي الآخرة ((فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)) من قام بهذا الدين ساد، وسعدت به البلاد والعباد، ومن ضيعه سقط في الذل والهوان والفساد ((ومن يهن الله فما له من مكرم))
7ـ إن يومكم هذا هو يوم الجوائز، وإن سعيكم لشتى، فمنكم من حظه القبول والغفران، ومنكم من حظه الخيبة والحرمان، منكم من عمله مبرور وسعيه مشكور وعيده عيد الفرح والسرور، قد حصلوا الحسنيين وفازوا بالفرحتين، وآخرون عيدهم عيد الخيبة والخسران والندامة ((فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى * ثم ذهب إلى أهله يتمطى))
8ـ إن الله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وإن الله يعطي الدنيا من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب.
9ـ صوموا ستة أيام من شوال وواظبوا على الطاعات بعد رمضان وبادروا إلى حج البيت الحرام وأروا الله من أنفسكم خيراً
10ـ في فجر الإسلام ارتد المرتدون ومنع الزكاة المانعون فقيَّض الله لهذا الدين أبا بكر صديق هذه الأمة فأقام للدين أركانه وانتصر الإسلام، وجاءت حروب التتار ودخلوا بغداد وحطموا الخلافة العباسية فجاء المظفر قطز فهزم التتار في عين جالوت حين صاح: وا إسلاماه واإسلاماه فأقبل المدبر وثبت المتردد وهجم المسلمون كالأسود الكاسرة، وجاء الصليبيون بقضهم وقضيضهم وثالوثهم وصليبهم فدخلوا أرض فلسطين حتى قيَّض الله للإسلام رجلاً هو صلاح الدين، ثم جاء الاستعمار الحديث فقطعت بلاد الإسلام بين أهل الصليب لكنها حُرِّرت باسم الإسلام.