خطب الجمعة

إن الحكم إلا لله

خطبة يوم الجمعة 25/1/1432 الموافق 31/2010

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له كان ولم يزل بعباده خبيراً بصيرا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق هادياً ومبشرا ونذيرا

1ـ الشريعة الإسلامية نقصد بها مجموع الأحكام التي تؤخذ من الكتاب والسنة والاجتهاد، كما في حديث معاذ رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وهذه الأحكام منها ما هو قطعي لا يتغير باختلاف الزمان والمكان، ومنها أحكام وضعت لها مبادئ وقواعد كلية تصلح لكل زمان ومكان، ثم ترك استنباط الأحكام الجزئية لمجتهدي الأمة، وهذه القواعد الكلية مشتملة على أسرار التشريع، وبها تضبط الفروع وتعرف أحكامها، مثل: الضرورات تبيح المحظورات ـ الضرورة تقدر بقدرها ـ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ـ المشقة تجلب التيسير ـ العادة محكمة ـ الضرر يزال ـ الضرر لا يزال بالضرر

2ـ ليس الإسلام دعوة إصلاحية تبتعد عن ميدان الحكم وتزهد في الإفادة منه لترسيخ مبادئها؛ إن الثورة الفرنسية قامت على ثلاثة مبادئ؛ لكنها لم تنفذ أغراضها بالتبشير والدعاية، بل عمدت إلى إسقاط الحكومة القائمة واستولت على زمام السلطة وباشرت تنفيذ مبادئها، والثورة الحمراء التي قامت في روسيا على مبادئ كارل ماركس لم يخامر أصحابها قط أنها يمكن أن تعيش بعيداً عن مراسيم السلطة، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته هادياً ومبشراً ونذيرا، وانتهى قاضياً وحاكماً وقائداً للجيوش، ودولة الإسلام لا بد أن تكون حاضنة لمبادئ الدين حارسة لها

3ـ إن ناساً ينادون بتنحية الحكم الإسلامي عن الحياة، وهؤلاء تحركهم أيدي الصليبيين وأحلام اليهود وعداوة الملحدين؛ إنهم يريدون خداعنا بأن أوروبا قد نحت الدين عن حياتها، وصار حكامها محايدين في قضايا الدين!! وهذا محض هراء فما زال الدين هو المحرك لعداوات الأوروبيين تجاه الإسلام، وملكة إنجلترا تلقب رسمياً بأنها حامية المسيحية!! والبند الأول في برنامج حزب المحافظين إقامة حضارة مسيحية، وأحزاب حاكمة أو معارضة في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا تحمل اسم: الحزب الديمقراطي المسيحي، وفي بلجيكا: الحزب الاشتراكي المسيحي!! والحروب الصليبية التي شنت قديماً وحديثاً ألم تكن باسم المسيحية؟

4ـ إن التشريعات الجنائية ليست إلا فرعاً من الشريعة الإسلامية، وما كانت إلا لحفظ الأمن وحراسة الفضيلة ورعاية الحقوق، ومن تشريعات الإسلام كذلك المحافظة على المال العام، وإقامة الحكم الراشد الذي لا استبداد ولا فرعونية فيه، وبسط العدل وإقامة القسط والسعي في الأرض بالصلاح والإصلاح، وتوطيد حقوق الإنسان من حرية وإخاء ومساواة

5ـ إن صراعاً قد تفجر في أوروبا بين الدين والدولة كانت نهايته تنحية الدين عن شئون الحكم؛ وسبب ذلك أن الديانة النصرانية محرفة ليس هي الوحي الذي نزل على عيسى u، وهي متضمنة لدعاوى لا يقبلها العقل ولا المنطق، وليس فيها نظام للحياة في الحكم أو المال أو الاجتماع، والنصراني الذي يدعو إلى العلمانية لا يشعر أنه فقد شيئاً من دينه حين يتحاكم إلى العلمانية، لكن بعد ذلك تصالحت الكنيسة مع الدولة وأصبح رجالها ملوكاً غير متوجين، وصارت العلاقة بين رجال الدولة ورجال الكنيسة قائمة على ود مكين وثقة مطلقة وتحالف ظاهر. إن الذين ينادون عندنا بفصل الدين عن الدولة عليهم أن يعلموا بأن السادة الذين يقلدونهم قد غيروا آراءهم، وعليهم كذلك أن يتغيروا معهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى