1ـ ما هو الإفساد في الأرض؟ قال الكفويّ: الإفساد هو جعل الشّيء فاسداً خارجاً عمّا ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعاً به، وهو في الحقيقة: إخراج الشّيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح
2ـ من معاني كلمة «الفساد» في القرآن الكريم:
- المعصية. ومنه قوله تعالى في {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}
- الخراب، ومنه قوله تعالى في {إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها}
- السّحر، ومنه قوله تعالى في {ِإنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}
قال ابن القيّم رحمه اللّه في قوله تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها} قال أكثر المفسّرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدّعاء إلى غير طاعة اللّه، بعد إصلاح اللّه لها ببعث الرّسل، وبيان الشّريعة، والدّعاء إلى طاعة اللّه، فإنّ عبادة غير اللّه والدّعوة إلى غيره والشّرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به ومخالفة أمره، فالشّرك والدّعوة إلى غير اللّه وإقامة معبود غيره، ومطاع متّبع غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلّا بأن يكون اللّه وحده هو المعبود المطاع، والدّعوة له لا لغيره، والطّاعة والاتّباع لرسوله ليس إلّا، وغيره إنّما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم. فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة. ومن تدبّر أحوال العالم وجد كلّ صلاح في الأرض فسببه توحيد اللّه وعبادته وطاعة رسوله، وكلّ شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله، والدّعوة إلى غير اللّه ورسوله.
3ـ في القرآن الكريم آيات تتحدث عن الفساد والمفسدين
- صفة للكفار {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ. وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ} قيل: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك، وعن ابن عباس، أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم
- صفة للمنافقين {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ} عن نوف وهو البكالي وكان ممن يقرأ الكتب، قال: إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزَّل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصبر، يلبسون للناس مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله تعالى: فعليّ يجترئون وبي يغترون، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران، قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}
- صفة للسحرة الدجالين {فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}
- نهى الله عنه {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
- وهي أساس دعوة شعيب عليه السلام {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} وهكذا نبي الله صالح عليه السلام قال لقومه {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}
- هم موعودون بمزيد عذاب؛ {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ}
- هم بغيضون إلى الله تعالى؛ {وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
- صفة للأمم المتمردة على الله تعالى؛ {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً} {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
- صفة للجبابرة المستكبرين؛ {وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ}
4ـ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الإفساد وأهله
- عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها. فإنّه من أعمر عمرى فهي للّذي أعمرها. حيّا وميّتا. ولعقبه»
- عن جبير بن نفير، وكثير بن مرّة، وعمرو بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم»
- عن عمرو بن عوف رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحيّة إلى جحرها، وليعقلنّ الدّين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إنّ الدّين بدأ غريبا، ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الّذين يصلحون ما أفسد النّاس من بعدي من سنّتي».
- عن معاوية رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم»
- عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه اللّه، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه، وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض فإنّه لم يرجع بالكفاف”
- عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «من خبّب زوجة امرىء أو مملوكه فليس منّا»
- عن جابر رضي اللّه عنه أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه هل لك في حصن حصين ومنعة؟ (قال حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للّذي ذخر اللّه للأنصار. فلمّا هاجر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة. فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهمّ وليديه فاغفر»
- عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ من أشراط السّاعة: الفحش، والتّفحّش، وسوء الجوار، وقطع الأرحام، وأن يؤتمن الخائن، ويخوّن الأمين، ومثل المؤمن كمثل النّحلة أكلت طيّبا، ووضعت طيّبا، ألا إنّ أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، ألا إنّ حوضي طوله كعرضه، أبيض من اللّبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد النّجوم، من أقداح الذّهب والفضّة، من شرب منه شربة لم يظمأ آخر ما عليها أبدا»
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «صنفان من أهل النّار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة. لا يدخلن الجنّة، ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»
- عن أنس رضي اللّه عنه قال: قدم رهط من عكل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا في الصّفّة، فاجتووا المدينة فقالوا: يا رسول اللّه أبغنا رسلا فقال: «ما أجد لكم إلّا أن تلحقوا بإبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتّى صحّوا وسمنوا، وقتلوا الرّاعي، واستاقوا الذّود، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الصّريخ، فبعث الطّلب في آثارهم، فما ترجّل النّهار حتّى أتي بهم، فأمر بمسامير فأحميت فكحّلهم وقطّع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم، ثمّ ألقوا في الحرّة يستسقون، فما سقوا حتّى ماتوا». قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا وحاربوا اللّه ورسوله.
5ـ من الفساد في الأرض: الشرك بالله عز وجل، النفاق، ممارسة السحر، ادعاء علم الغيب، الصد عن سبيل الله، الحرابة، التبرج والسفور، الغزو لغير وجه الله، إفساد المرأة على زوجها، اتباع عورات الناس، الانتحار
- محال أن يكون الدعاة إلى الله تعالى مفسدين في الأرض بل جدير بهذه التهمة من اتهمهم {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} وقد قال فرعون لقومه {ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}