خطب الجمعة

التزود بالدعاء

خطبة يوم الجمعة 1/3/1438 الموافق 1/12/2016

 

1- المسلم في أمس الحاجة إلى الدعاء، وأنه لا يستغني عن ذلك في حياته بجميع تفاصيلها وجزئياتها، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال حاكياً عن ربه جل وعلا في الحديث القدسي : “يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم” فالله عز وجل جعل أبوابه للسالكين مفتوحة، والجميع مفتقر إلى الله ليسلك مسالك الهداية والتوفيق والرشاد، قال الشيخ: “و الله لن يصل العباد إلى شيء إلا بإذن الله، فكيف يوصَل إليه بدونه؟!”

2- كلنا مخطئون، غير أن رحمة الله عظيمة، وعفوه واسع، ويدل على ذلك قصة آدم وحواء عليهما السلام، لما وسوس لهما الشيطان وأخرجهما من الجنة، فالتجئا إلى الله تعالى، و كان الاعتراف بالخطأ هو أول منازل الدعاء، و بهذا يعلِّمنا القرآن الكريم كيف ندعو إذا أخطأنا، قال تعالى: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين، فدلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، و ناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين، قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}، و كما دعا آدم ربه، دعاه الخليل إبراهيم عليه السلام حين قال: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} فكانت هذه من دعوات قدوة الصالحين وإمام الموحدين، فالخير كل الخير ـ يضيف المحاضر ـ فيما يختاره ربنا لنا، وما علينا إلا أن نطرق باب الدعاء مع الصدق والإيمان.

3- وكذلك الرزق باعتباره مجالاً من المجالات التي يدعو العبد ربه أن يبسط له فيها، فحاجتنا إلى الرزق حاجة ملحة، وبئس الضجيع الفقر، علما أن مفتاح الرزق هو الصلاة، قال تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} إن المسلم مطالب أن يسأل الله حتى الملح لعجينه وذلك لافتقارنا جميعاً إلى عون الله وتوفيقه، مع الأخذ بالأسباب واتباع الغدو والضرب في الأرض.

4- والرغبة في الذرية أمر فطري، فإن المسلم يدعو الله أن يرزقه الذرية، وأن يصلحها له، قال تعالى: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيما} وساق الشيخ قصة زكريا عليه السلام الذي سأل الله تعالى الولد الصالح وهو في سن متأخرة، فاستجاب الله دعائه وأكرمه بيحيى عليه السلام ، قال تعالى عن نبيه زكريا: {إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} وفي هذه الآيات الكريمات بيان للأدب الذي ينبغي أن يتحلى به المسلم وهو يدعو الله تعالى، فهذا زكريا عليه السلام يقر بنعم الله السابقة عليه، و يدعوه أن كما أنعم عليه فيما سبق أن ينعم عليه فيما لحق.

5- أيضا يحتاج المسلم أن يدعو الله في حال الضيق والشدة وأن يرجوه رفع الهم والغم، وسرد الشيخ قصة ذي النون عليه السلام الذي قال الله تعالى عنه: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا، فظن أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}

6- كما يحتاج المؤمن أن يدعو الله تعالى ليحفظه من الشياطين، فالشيطان وصفه رب العزة بأنه {عدو مبين} ومن الأدعية القرآنية التي ينبغي أن يحرص عليها العبد أن يتلو قول الله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} والمعنى أعوذ بك رب أن يحضر الشياطين في أي مشهد من مشاهد حياتي، فيتغلبون عليّ بالوساوس، ويعتبر الموت أعظم المشاهد التي يدعو الإنسان فيها ربه أن يثبته ويحفظه حتى يموت على الإيمان والتوحيد، فالمؤمن يعلم أن الموت حق، لكن على أي حال نموت؟ هذا ما يؤرق الصالحين ولذلك ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين}

7- ومن نعم الله التي ينبغي للمؤمن أن يدعو الله تعالى أن يكرمه بها نعمة الرفقة الصالحة، قال تعالى: {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي، و أن أعمل صالحا ترضاه، و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين”  والصالحون ـ كما قال الشيخ المغامسي ـ ركب سائر إلى الله، و كلما كان الإنسان معهم فهو في خير عميم.

8- وأخيرا يدعو الإنسان ربه أن يرزقه الجنة، وأن يجعله من أهلها، وهذا ديدنُ الأنبياء والصالحين، قال تعالى عن إبراهيم الخليل : {واجعلني من ورثة جنة النعيم} فدخول الجنة إنما يكون بفضل من الله تعالى وكرم منه جل وعلا، والجميع يسألونه الجنة قال تعالى {كان على ربك وعداً مسؤولا} أي يسأله عباده، و المؤمنون لما يدخلون الجنة يحمدون الله أن استجاب دعائهم وجعلهم من أهلها، قال تعالى : {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ، وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} و الأعظم من ذلك كله هو النظر إلى وجه الله الكريم قال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى