- فإن الله تعالى قد أقام الكون على أساس من العدل، فالبعدل قامت السماوات والأرض، وبالعدل كان الشرع والدين، وبالعدل سيكون الحساب والجزاء، قال الله تعالى )والسماء رفعها ووضع الميزان ^ ألا تطغوا في الميزان ^ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان(
- وقد نفى الله الظلم عن نفسه )وما ربك بظلام للعبيد( )ولا يظلم ربك أحدا( )إن الله لا يظلم مثقال ذرة( )ما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين( )وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (وما الله يريد ظلماً للعباد(وما الله يريد ظلماً للعالمين(وقد حرَّم سبحانه الظلم على نفسه وحرمه على العباد؛ فما من ظالم إلا وهو متعد لحدود الله، وما من ظالم إلا وسيجد عاقبة ظلمه إن في الدنيا أو الآخرة
- أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وفي المثل {من استرعى الذئب فقد ظلم} وقيل: الظلم التصرف فيما لا يملك التصرف فيه، ويقال في مجاوزة الحق، ويقال في الكثير والقليل
- قال بعضهم: الظلم ثلاثة، الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق )إن الشرك لظلم عظيم()ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين( الثاني: ظلم بينه وبين الناس، )وجزاء سيئة سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين()إنما السبيل على الذين يظلمون الناس( الثالث: ظلم بينه وبين نفسه )فمنهم ظالم لنفسه()قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي( فالدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وديوان لا يعبأ الله به
- أنواع الظلمة ثلاثة: الظالم الأعظم، وهو الذي لا يدخل تحت شريعة الله جل جلاله، والظالم الأوسط، وهو الذي لا يلتزم حكم السلطان فيما وضعه من أنظمة لتيسير حياة الناس فيما لا يتعارض مع الشرع، والظالم الأصغر، وهو الذي يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس ولا يعطيهم منفعة
- الظلم حرام باتفاق المسلمين، وقد عده الإمام الذهبي الكبيرة السادسة والعشرين
- الآيات الواردة في الظلم تتابعت في القرآن مبينة أن من الظلم الشرك والكفر بالله عز وجل وافتراء الكذب عليه سبحانه وتعالى ومن الظلم ارتكاب المعاصي والاعتداء على الناس، وربنا جل جلاله نزه نفسه عن الظلم في كثير من آيات القرآن
- الأحاديث الواردة في ذم الظلم ببيان أنه ظلمات يوم القيامة وأن دعوة المظلوم مستجابة، آمرة بالأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم، وكان إذا خرج من بيته استعاذ بالله من أن يظلم أو يظلم «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» «دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» «إذا رأيتم أمتي تهاب أن تقول للظالم: إنك أنت ظالم فقد تودع منهم» «من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين» «قال لكعب بن عجرة أعاذك اللّه من إمارة السّفهاء. قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يردون عليّ الحوض، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليّ الحوض، يا كعب بن عجرة، الصّيام جنّة والصّدقة تطفئ الخطيئة، والصّلاة قربان أو قال برهان، يا كعب ابن عجرة: النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها» «إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم تلا {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وكان من دعائه إذا خرج من بيته «اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليَّ»
- من صور الظلم التي تخفى على كثير من الناس:
- أكل مال اليتيم {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا}
- المماطلة بحق على الإنسان مع القدرة على الوفاء «مطل الغني ظلم»
- وظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة
- ظلم الأجير بعدم إعطاء الأجرة «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة»
- إن ناساً يحسبون أنهم إذا خدعوا القاضي والحاكم فقد حلَّ لهم أن يأخذوا ما ليس لهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام {من قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار}
- الظلم حرام كذلك إذا كان من الحاكم تجاه الرعية، بل هو أبغض الخلق إلى الله تعالى
- ومن الظلم الحيف في الوصية؛ في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيّته فيختم له بشرّ عمله. فيدخل النّار. وإن الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنة فيعدل في وصيّته فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنّة». قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إلى قوله عَذابٌ مُهِينٌ}
- ومن الظلم التفرقة بين الأولاد بغير سبب موجب «أشهد على هذا غيري؛ فإني لا أشهد على جور»
- ومن الظلم أن يقضي القاضي بين الناس بغير علم أو يقضي بينهم بغير حق؛ «القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة، واثنان في النّار، فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النّار ورجل قضى للنّاس على جهل فهو في النّار»
- ومن الظلم الميل إلى إحدى الزوجات وتضييع حقوق الأخريات «من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»
- ومن الظلم تعذيب الناس في الدنيا، والتعدي على حرماتهم «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا»
أما والله إن الظلم شؤم وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غداً عند الإله من الملوم
لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدرا … فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه … يدعو عليك وعين اللّه لم تنم
يا أيّها الظّالم في فعله … فالظّلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتّى متى … تسلو المصيبات وتنسى النّقم
