1/ روسيا وأوكرانيا كلاهما كفار عدو للإسلام والمسلمين؛ وتاريخ روسيا أسود في مجال الاعتداءات والاحتلالات والمجازر الهمجية للعديد من البلدان الإسلامية؛ فروسيا هي الأصل الأول في جرائم روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي الشيوعي الذي كان يضم 15 جمهورية؛ منها ست جمهوريات شكل المسلمون أغلب سكانها، ولقد استولى السوفييت على مساحة 4,538,600 كيلومتر مربع من البلاد الإسلامية أو ذات الأغلبية المسلمة مثل:
أذربيجان – أوزبكستان – طاجيكستان – تركمانستان – كازاخستان – قيرغيزستان – داغستان – الشيشان – القرم – تتاريا – بشكيريا…
وقد تأثر تعداد المسلمين سلبًا في تلك البلاد لعدة أسباب منها: كثرة من أعدموا في العهد الشيوعي، وتهجير المسلمين بصورة إجبارية أو فرارًا من الاضطهاد المهين..
2/ اتبع الروس سياسة تجزئة وحدة المسلمين وتفتيتهم إلى قوميات، ودعموا قيام الشعوبية وقضوا على كتابة لغتهم بحروف عربية لكي تقضي على صلتهم بالتراث الإسلامي، ثم اتبعوا نظام التهجير من المناطق الإسلامية حتى يضعفوا من شأن الأغلبية المسلمة، ويحولوهم إلى أقلية في عقر دارهم. وما زالت القوات الروسية الفاجرة تعبث يمينًا وشمالًا في بلاد المسلمين، وما زالت مجازرهم في سوريا إلى وقتنا هذا تملأ السمع والبصر..
2/ وأما أوكرانيا -ومثلها روسيا- فتأييدها لليهود في جرائمهم في غزة وعموم فلسطين، واتهامهم للمقاومة الإسلامية بفلسطين بالإرهاب، وسن القوانين العنصرية -كمنع الحجاب والتضييق على المساجد-، وسيرها في ركب أمريكا والغرب في العداء للإسلام معروف للجميع.
3/ وهكذا نرى اشتراك روسيا وأوكرانيا في محاربة الإسلام، ومع ذلك نقول: إنهما لا يستويان؛ فروسيا أظهر وأكثر بكثير في الحقد والعداء، وجرائمها أكبر ضررًا..
فموقفنا تجاه حربهما لا بد أن ينبع من درجة الضرر والمعاداة؛ فالأكثر ضررًا أكثر بغضًا ونتمنى له زوالًا وهزيمة وخسرانًا أسرع وأتم..
وقد قص الله تعالى علينا كيف أن أكبر قوتين كافرتين في العهد النبوي عندما كانت رحى الحرب دائرة بينهما واشتدت معاركهما كان يرقبهما عن بعد فريقان؛ فريق مسلم وفريق كافر، وكلاهما يتمنى غلبة طرف من الطرفين؛ أما المسلمون فيتمنون غلبة الروم لكونهم أهل كتاب، وأما مشركو قريش فيتمنون غلبة الفرس لأنهم وثنيون -مثلهم-..
قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
وعن أبي سعيد رضي الله عنـه قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت ﴿الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ إلى قوله: ﴿يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قال: يفرح المؤمنون بظهور الروم على فارس. [رواه الترمذي (2935) وغيره، وصححه الألباني].
وفي حديث نيار بن مكرم الأسلمي رضي الله عنـه قال: …وأسلم عند ذلك ناس كثير. [رواه الترمذي (3194) وغيره، وحسنه الألباني].
4/ موقف المسلم من هذه الحرب:
إن حرب روسيا وحلفائها، وأوكرانيا وداعميها، ليست بعيدة عن المسلمين؛ وأقل ما يمكن أن نجنيه هو انشغال الكفار -وخصوصًا الروس- عن إيذاء المسلمين..
وكذلك فإن فرحنا بخسائر الروس أكبر من فرحنا بخسائر أوكرانيا، وذلك لعدة أسباب؛ منها:
- تاريخ الروس قديمًا وحديثًا أشد عداء للمسلمين من أوكرانيا -كما ذكرنا-.
- الروس يسعون لإحياء الاتحاد السوفيتي الشيوعي الأشد حقدًا على الإسلام، وقد شوهدت أعلامه مرفوعة على بعض الدبابات المقتحمة لأوكرانيا.
- الروس يؤسسون لحلف جديد مع الصين التي تضطهد المسلمين الإيجور وغيرهم، وتكن للمسلمين بغضًا عظيمًا.
- الروس خطر كبير على المسلمين في سوريا وكثير من البلاد الإسلامية.
- الجماعات الروسية الإرهابية مثل جماعة فاغنر وهي منظمة روسية عسكرية غير رسمية ضخمة -أو وكالة خاصة للتعاقد العسكري الخفي- تتولى الاغتيالات والصراعات والتدابير الإجرامية غير الرسمية والمعاونة لطواغيت الحكام في الكثير من البلاد الإسلامية مثل: سوريا وليبيا لدعم بشار وحفتر، والحرس الثوري الإيراني والحوثيين، وطواغيت بعض الدول الإفريقية ذات الأغلبية الإسلامية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وغيرها..
- روسيا تهدد باستخدام السلاح النووي، كما صرح بذلك بوتن ووزارة الدفاع الروسية مؤكدين وضع جميع القوات النووية الاستراتيجية في حالة تأهب قتالي مع تعزيزات في مواقع مختارة وسيشمل ذلك القاذفات الاستراتيجية والغواصات النووية، وكل ذلك -إن حدث- سيطال المسلمين منه ضرر كبير..
- العقوبات الغربية والعالمية على الروس لا تشكل كبير ضرر عليهم، وقد احتاطوا لها قبل الغزو بكثير.. ورغم ذلك فقد حذر رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو -حليف روسيا- من أن العقوبات الغربية على روسيا قد تدفع الأخيرة إلى حرب عالمية ثالثة، والحرب العالمية لن تدع المسلمين سالمين من شرها..
وأما أوكرانيا فقد اكتفى حلف الناتو وأمريكا بمدها ببعض الأسلحة، وفرض عقوبات على روسيا غير كافية ولا رادعة..
ولنا أن نفرح بانهزام أوكرانيا -أيضًا- لأن انكسارها انكسار لحلف الناتو الذي تقوده أمريكا، فانهزام الفريقين في هذه الحرب -بمعنى ألا يكون أحد منتصرًا فيها- يصب في مصلحة الإسلام والمسلمين.
5/ وليس لنا أن نقاتل مع أحد الطرفين، وهذا الحكم يشمل المسلمين داخل روسيا وأوكرانيا وخارجهما للأسباب التالية:
- أن كلا الرايتين جاهلية، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «من قتل تحت راية عمِّية، يدعو عصبية، أو ينصر عصبية، فقتلة جاهلية» رواه مسلم. وعن أبي موسى رضي الله عنـه، قال: جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» رواه البخاري. فالقتال هنا مفسدة ظاهرة، وكون المسلم قد يحقق منه مصلحة شرعية هو أمر مظنون، فلا يجوز للمسلم أن يخاطر بنفسه في أمر مظنون… وأما الاستدلال بحلف الفضول أو المطيبين فهو حلف على نصرة المظلوم، وذلك في المظلوم الصريح، والقضايا الواضحة، كما أنه ليس فيه ما يدل على أن النصرة تصل إلى درجة القتال، أما مسألتنا فحقيقتها صراع على النفوذ بين قوتين عُظْميين ظالمتين، والأمر فيها معقد جدًّا.
- إن هذا من الموالاة المحرمة التي تؤدي إلى تقوية الكفار؛ لأنه في نهاية المطاف يصب في مصلحة القوتين العُظْميين؛ حلف وارسو بقيادة روسيا، أو حلف الناتو بقيادة أمريكا، وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾
- إنه سيؤدي إلى قتل مسلمين من كلا الطرفين -غالبًا- بأيدينا وبفعلنا، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ ٨٤ ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ٨٥ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ﴾. قال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير -أو عكرمة- عن ابن عباس: ﴿ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ﴾ الآية، قال: “أنَّبهم الله من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم، فكانوا فريقين: طائفة منهم بنو قينقاع وإنهم حلفاء الخزرج، والنضير وقريظة وإنهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كلُّ واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنة ولا نارًا، ولا بعثًا ولا قيامة، ولا كتابًا، ولا حلالًا ولا حرامًا، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقًا لما في التوراة، وأخذًا به؛ بعضهم من بعض، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى ذكره حيث أنَّبهم بذلك: ﴿أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖ﴾ أي: يفاديه بحكم التوراة، ويقتله، وفي حكم التوراة ألا يفعل، ولا يُخرَج من داره، ولا يُظاهَر عليه من يشرك بالله، ويعبد الأوثان من دونه، ابتغاء عرض الدنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج -فيما بلغني- نزلت هذه القصة”. [ابن كثير (1/319)، وابن أبي حاتم، وإسنادها إلى ابن عباس حسن]. وروى الطبري بسند صحيح عن مجاهد يقول: “إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك”. وقال صـلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» رواه البخاري ومسلم.
- إن هذا الفعل مخالف لسنة النبي صـلَّى الله عليه وسلَّم وسنة الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتباعها، ومخالف لجمهور العلماء وأئمة الدين في القرون المفضلة وما بعدها؛ فإنَّه لم يُعرف أنَّ المسلمين كانوا يقاتلون المشركين مع المشركين، ويكون الأمر فيه ظاهرًا للمشركين..
وفي المدونة: قلت: أرأيت لو أن قومًا من المسلمين أسارى في بلاد الشرك، أو تجارًا استعان بهم صاحب تلك البلاد على قوم من المشركين ناوأوه من أهل مملكته، أو من غير أهل مملكته، أترى أن يقاتلوا معه أم لا؟ قال: سمعت مالكًا يقول في الأسارى يكونون في بلاد المشركين فيستعين بهم الملك على أن يقاتلوا معه عدوه ويجاء بهم إلى بلاد المسلمين؟ قال: قال مالك: لا أرى أن يقاتلوا على هذا ولا يحل لهم أن يسفكوا دماءهم على مثل ذلك، قال مالك: وإنما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك، فأما أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر ويسفكوا دماءهم في ذلك، فهذا مما لا ينبغي ولا ينبغي لمسلم أن يسفك دمه على هذا. [المدونة (1/518)]
وقال سحنون: ولو استعانوا بهم المشركون على قتال عدو لهم لم ينبغ أن يعينوهم، إلا أن يغير عليهم بعض أهل الشرك ويسبوهم فيخاف المسلمون على أنفسهم من ذلك، فلا بأس أن يقاتلوا حينئذ مع الذين هم معهم. ثم قال: وقاله كله ابن الماجشون وأصبغ. [النوادر والزيادات (14/551)].
قال محمَّد بن الحسن: وإن كان حكم أهل الشرك هو الغالب فلا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا مع أهل الشرك إلا أن يخافوا على أنفسهم فيدفعون عنها. [السير الصغير (249).
قال ابن تيمية عمن يقاتل مع التتر ضد كافرين آخرين: لا يقاتل معهم غير مكره إلا فاسق، أو مبتدع، أو زنديق. [مجموع الفتاوى (28/552)].
فظاهر من النصوص المتقدمة أنه لا يقاتل مع الكفار كفارًا آخرين يكون الظهور فيه للكافرين إلا في حالة الضرورة، كحالة الإكراه أو خوف المسلمين على أنفسهم ونسائهم من صيال الكفار عليهم، فهنا لهم دفع الصائل، وهذا الحكم ينطبق على المدنيين والعسكريين، فالمدنيون من استطاع منهم الهجرة أو الانتقال إلى مكان آمن فليفعل، وأما العسكريون فمن قدر منهم على الاحتيال أو الهرب فليفعل، فإن أُكره وأُجبر على القتال ولم يستطع الفرار فلينوِ أنه يقاتل الكفار، فإن علم أن الذين سيقابلهم مسلمين فلا يجوز قتالهم بحال، ولو أدَّى ذلك إلى قتله؛ لأن عصمة دمه ليست بأولى من عصمة دمائهم، وكلاهما خرج في معركة مع الكفار. والله أعلم.