خطب الجمعة

الموقف إزاء المنافقين

خطبة الجمعة يوم 26/1/1429 الموافق 23/1/2009

  1. أما بعد: فقد انجلى غبار معركة العزة في غزة إلى حين، ووضعت الحرب أوزارها، بعدما ساق الله خيراً كثيراً؛ حيث أظهر المجاهدون ضروباً من الشجاعة والفداء والوفاء بعهد الله عز وجل وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم، وتبارى نساء فلسطين وأطفالها ـ فضلاً عن رجالها ـ في الصبر والمصابرة والمرابطة واحتساب الأجر عند الله تعالى، )ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً( ورجع اليهود وحلفاؤهم بخزيهم يجرُّون أذيال الخيبة والهزيمة، بعدما كان شيطانهم يعدهم ويمنيهم بأنهم سيغيِّرون الوضع في غزة، وسيقضون على المقاومة، وسيسكتون صواريخ القسام؛ وسيحققون الأمن لليهود في دولتهم التي أقاموها وأرضهم التي اغتصبوها؛ فلم يتحقق لهم شيء مما أرادوا؛ بعدما واجهوا جحافل أبطال المجاهدين الذين أبوا أن يعطوا الدنية في دينهم، وأعادوا للأذهان قول ربنا سبحانه وتعالى )الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم + الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل + فانقلبوا بنعمة الله من فضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم + إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين + ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم+ إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم + ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين(
  2. إن اليهود قد اعتادوا على حروب خاطفة يجنون ثمارها بعد ساعات معدودات؛ لأنهم كانوا يواجهون جنوداً لا يذكرون الله إلا قليلاً، ولا يعرفون للجهاد معنى ولا للطهر سبيلا، كان اليهود يواجهون جيوشاً شعارها الوطنية الضيقة، ودثارها القومية الجاهلية، ومنهاجها العنصرية المنتنة، وكانت تلك الجيوش خلال حربها مع اليهود سرعان ما ينفرط عقدها ويختل نظامها، وتولي الأدبار مدبرة تاركة سلاحها وعتادها، وكان أفرادها يلقون بأيديهم مستسلمين )مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء( أما هؤلاء المجاهدون في غزة ـ بارك الله جهودهم وكثر سوادهم ـ فقد أفلحوا في أن يظهروا للعالم كله حقد اليهود وإجرامهم وصلفهم، وأنهم مصاصو الدماء الساعون بالفساد في الأرض، وأثبتوا ـ جزاهم الله خيرا بجهادهم وثباتهم ـ أن الشرعية الدولية خرافة، وأن العدالة العالمية وحقوق الإنسان أكذوبة، وأن المجتمع الدولي ليس إلا مجموعة من المنافقين الانتهازيين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، حتى قد بلغ النفاق بمن نصبوه مدَّعياً لمحكمة الجنايات الدولية أن يُسأل من قبل بعض الصحفيين: لم لا توجه اتهاماً للصهاينة بارتكاب جرائم حرب؟ فكان جوابه بكل صفاقة وصلف وقلة حياء: إن هذه الجرائم ليست من اختصاص المحكمة؛ ثم إن إسرائيل ليست من الدول الموقعة على نظام المحكمة!! هكذا أيها المتشدقون بالعدالة الدولية آن لكم أن تفهموا ماذا يراد لكم؟ وماذا يراد منكم؟
  3. أيها المسلمون: إن معركتنا مع اليهود لم تنقض بعد، بل هي مستمرة إلى أن يعود الحق إلى أهله، ويرجع اليهود كما كانوا وكما قضت عليهم إرادة الله )ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون( )وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب( إن استمرار هذه المعركة يحتم علينا أن نربي أجيالاً من أمتنا على بغض هؤلاء اليهود في الله تعالى، وأن نلقنهم أن اليهود هم أعداء النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأعداء كل مؤمن، وأن نبين كذلك أن المنافقين أشد خطراً من اليهود
  4. حذّر القرآن الكريم من النفاق وصفات المنافقين في آيات كثيرة، فكان الحديث عن النفاق والمنافقين في القرآن في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية، حتى قال ابن القيم رحمه الله (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم)
  5. وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من النفاق والمنافقين، وحذّر وأنذر من سلوك المنافقين، وحذر من الوقوع في شُعَب النفاق في أحاديث كثيرة؛ فعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً {إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان} قال المناوي في التفسير: كل منافق عليم اللسان أي عالم للعلم، منطلق اللسان به، لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة، مغرٍ للناس بشقاشقه وتفصحه وتقعُّره في الكلام. وقال المناوي أيضاً: أي: كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها، وأبهة يتعزز بها، يدعو الناس إلى الله، ويفرّ هو منه.ا.هــــ
  6. وكان سلفنا الصالح رحمهم الله مع عمق إيمانهم وكمال علمهم يخافون النفاق أيما خوف، فقد أخرج البخاري تعليقاً أن ابن أبي مليكة رحمه الله قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. قال الحافظ ابن حجر: والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلِّهم: عائشة وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، وأبو هريرة … فهؤلاء ممن سمع منهم، وقد أدرك بالسن جماعة أجلّ من هؤلاء كعليّ، وسعد بن أبي وقاص، وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم… وكان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا فرغ من التشهد في الصلاة يتعوذ بالله من النفاق، ويكثر التعوذ منه، فقال له أحدهم: وما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ فقال: دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيُخلع منه. وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق. وسئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق؟ قال: ومن يأمن على نفسه النفاق؟
  7. سهولة الانخداع بهم؛ فالمنافقون أصحاب تذبذب وتقلب، وأرباب خداع وتلبيس، فيتكلمون بمعسول الكلام، وفصيح الخطاب، ويظهرون للناس في هيئة حسنة، ومظهر جذاب، فربما انخدع لهم الفئام من المسلمين، فمالوا إليهم وأصغوا إلى قولهم وتدليسهم، قال تعالى )وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ( وقال )وَإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ( إن هذا التلون والتذبذب يجعل خطرهم كبيراً، وشرهم مستطيراً، حيث يخفون كفرهم وضلالهم، ويتظاهرون بالإيمان والاهتداء
  8. أما عن الموقف والواجب تجاه المنافقين فيتمثل في جملة أمور، منها:
  • النهي عن موالاتهم والركون إليهم، كما قال تعالى )يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَاًلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ + هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(
  • زجرهم ووعظهم؛ لقوله تعالى )أُوْلَئِكَ الَذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً(
  • عدم المجادلة أو الدفاع عنهم، حيث قال تعالى )إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً + وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً + وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً(
  • جهادهم والغلظة عليهم؛ لقوله تعالى )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَاًوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ(
  • تحقيرهم وعدم تسويدهم؛ فعن بريدة بن الحصيب مرفوعاً {لا تقولوا للمنافق (سيّد)، فإنه إنّ يك سيداً فقد أسخطتم ربكم جل جلاله}
  • عدم الصلاة عليهم، امتثالاً لقوله تعالى )وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ(

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى