- معنى الوسوسة: ما يلقيه الشيطان في القلب من الخطرات الرديئة وعمل الشر، وتطلق على الصوت الخفي وحديث النفس
- مصدرها: قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى )من الجنة والناس( يعني أن الوسواس نوعان: إنس وجن، فإن الوسوسة الإلقاء الخفي؛ لكن الإلقاء الإنسي بواسطة الأذن، والجني لا يحتاج إليها، ونظير اشتراكهما في الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني في قوله تعالى )وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا(
- تاريخها: بدأت مع أبينا آدم عليه السلام )فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما( )فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى(
- فالوسوسة من عمل الشيطان، ومما يبغضه الله ويمقته، وليست من الدين في شيء، بل الدين حرب عليها وبراء منها؛ ذلك أن الشيطان لنا عدوٌّ مبين، )إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ( فهو يريد أن يوقع الإنسان في كل عنت وعذاب، ويسبب له كل مشقة واضطراب؛ فأمله الأعظم ومنتهى مناه أن يدخل البشر جميعاً في الكفر الأكبر؛ فَيَصْلَوْا معه الجحيم، ويشاركوه في العذاب الأليم، والهوان المقيم، فيشفي بذلك غيظه، ويروي منهم غليله.
- مجالاتها: في العقيدة والطهارة والصلاة وسائر الأعمال
- في العقيدة روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء ناس من أصحاب النبي e فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال {وقد وجدتموه؟} قالوا: نعم، قال {ذاك صريح الإيمان} وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله} وقد هوّن السلف من شأن خواطر السوء هذه، وعدُّوها أمراً عادياً لا تستحق الوقوف عندها؛ فقد سأل أبو زحيل عبدَ الله بنَ عباس رضي الله عنه فقال: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله جل جلاله )فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فاسأل الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِك( فقال لي: إذا وجدت من نفسك شيئاً فقل )هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(. رواه أبو داود وسنده جيد
- في الطهارة تجد بعض الناس مسوساً في الوضوء والغسل وطهارة ثيابه وفراشه؛ حتى إن بعضهم ليمكث في الحمام الساعات الطوال في الاستبراء من البول والاستنجاء من الغائط وغسل ما يظنه قد تنجس من ثيابه، ويتشكك في كل مكان يجلس فيه أو يمشي عليه، ويعيد الوضوء مرات ومرات، ويظن أن ذلك من الورع والتقى، ولربما يلجأ إلى بعض أهل العلم ليسألهم واحداً تلو الآخر، فلا يزداد بجوابهم إلا تعاسة وشقاء؛ حيث يحار في عباراتهم ويتشكك في علمهم، وقد يصادف بعض طلبة العلم المتنطعين فلا يزيدونه إلا خبالاً، فعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يبولن أحدكم في مستحمه فإن عامة الوسواس منه} رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وفي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن أحدكم إذا كان في الصلاة جاءه الشيطان فأبس[1] به كما يأبس الرجل بدابته فإذا سكن له أضرط بين أليتيه ليفتنه عن صلاته، فإذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً لا يشك فيه}
- في الصلاة فترى الواحد من هؤلاء الموسوسين يعيد الصلاة مرات ومرات حيث وسوس له الشيطان مشككاً إياه في صحتها وعدد ركعاتها ومدى قبولها عند الله، وقد يؤدي بهم ذلك إلى إخراجها عن وقتها، بل ربما يبلغ الحال ببعضهم والعياذ بالله إلى ترك الصلاة تماماً؛ ليريح نفسه من عنت ما يجده من الشكوك والأوهام، وتلك غاية الشيطان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول له: اذكر كذا، واذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى} رواه الشيخان، وفي مسند أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه؛ فقرأ فالتبست عليه القراءة؛ فلما فرغ من صلاته قال {لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أُصبُعي هاتين، الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة}
- في العلاقات الزوجية في صحيح مسلم عن عائشة زوج النبي رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً؛ قالت: فغرت عليه؛ فجاء فرأى ما أصنع؛ فقال {ما لك يا عائشة أغرت؟} فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أقد جاءك شيطانك؟} قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال {نعم} قلت: ومع كل إنسان؟ قال {نعم} قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال {نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم}
- في العلاقات بين الناس عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول {إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم} رواه مسلم
- في الصد عن فعل الخيرات في سنن النسائي عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد؟ فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد، قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك كان حقاً على الله جل جلاله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله جل جلاله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة}
- في إلقاء الظن السيئ في قلب المؤمن تجاه أخيه في الصحيحين عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة. ثم قامت تنقلب. فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم {على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي} فقالا: سبحان الله يا رسول الله!! وكبُر عليهما؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً}
- في التحريض على المنكرات؛ في سنن الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن للشيطان لمة[2] بابن آدم وللملك لمة؛ فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق؛ فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله؛ فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ثم قرأ )الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء( فالشيطان ينشر بين الناس الخمور والمسكرات والمخدرات ويسميها بغير أسمائها؛ فيعرضها على أنها مشروبات روحية تنعش الروح وتنشطها وتغذيها، كما يسمي لهم الفجور والتهتك والخلاعة وقلة الحياء والاختلاط والفاحشة بأنها تحرر وتقدم وفنون وأمور شخصية خاصة لا يجوز لأحد أن يتدخل فيها، ويسمي لهم الربا التي هي من أكبر الكبائر والتي أعلن الله الحرب على مقترفيها والمشاركين فيها يسميها فائدة، ويسمي التطاول على الذات الإلهية والتشكيك بأصول الدين ومسلَّمات الاعتقاد وثوابته حرية فكر، وهكذا.
[1] أبست به تأبيساً أي ذللته وحقرته وروعته
[2] المرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء، والمراد بها الهمة التي تقع من القلب من فعل الخير والشر والعزم عليه