1/ الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا وقدوتنا وأسوتنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه.
2/ قد مضى معنا أن فتنة الدجال هي أعظم فتنة منذ خلق الله آدم وإلى أن تقوم الساعة، وأن خروجه من أشراط الساعة الكبرى كما في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه، وقد قال سبحانه {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها} والأشراط جمع شرط وهي العلامة، وبعض الناس حين يسمع مثل هذه الأخبار قد ينعى على قائليها بأن المسلمين يذبَّحون ويقتَّلون وهؤلاء مشغولون بالغيبيات!! وبعضهم يقول: إن في ذلك قعوداً عن الجهاد!! وبعضهم يقول: إن في ذلك فراراً من الواقع المرِّ الذي يعيشه المسلمون!! والجواب أن يقال: إن الخطأ لا يبرره الخطأ ولا يعالجه الخطأ، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك العلامات ليزداد الذين آمنوا إيمانا، حين يرون تلك العلامات تقع وفق ما أخبر، ولأن ذلك من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين، ولأن النفس البشرية مجبولة على حب معرفة ما كان وما يكون، ومن أجل أن يعرف الناس كيف يتعاملون مع الفتن إذا وقعت؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من يَنْتَضِل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة، فَيُرقِّق بعضها بعضاً، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه، هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء الآخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر ” رواه مسلم
3/ ومن هذه التوجيهات التي كان لها أثر كبير في توجيه المسلمين إلى الحق تبشيره عثمان رضي الله عنه بالجنة على بلوى تصيبه، وإخباره بأن عماراً تقتله الفئة الباغية، وأمره أبا ذر بأن يعتزل الفتنة، وألا يقاتل ولو قتل. ويمكن أن يستفاد هذا المعنى من حديث حذيفة حيث كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه، بينما أصحابه كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، ومن هذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عن أخذ شيء من جبل الذهب الذي ينحسر عنه الفرات في آخر الزمان، وإخباره عن حقيقة الدجال، وبيان ما يأتي به من الشبهات، وغير ذلك من الكائنات التي يبصر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بالتصرف الأمثل حيالها.
وقد تمر بالمسلمين وقائع في مقبل الأيام تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، ولو ترك المسلمون إلى اجتهادهم – فإنهم يقد يختلفون، وقد لا يهتدون إلى الصواب، بل قد يكون بيان الحكم الشرعي في تلك الأحداث واجباً لا بدَّ منه، وعدم البيان يكون نقصاً تنزه الشريعة عنه. فمن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الدجال يمكن في الأرض أربعين يوماً، يوم من أيامه كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وبقية أيامه كأيامنا، وقد سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن تلك الأيام الطويلة أتكفي في الواحد منها صلاة يوم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا، اقدروا له قدره” ولو وكل العباد إلى اجتهادهم لاقتصروا على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غير هذه الأيام. وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن عيسى بعد نزوله لا يقبل الجزية من اليهود والنصارى، ولا يقبل منهم إلا الإيمان، وهذا البيان من الرسول صلى الله عليه وسلم ضروري، لأن عيسى يحكم بهذا الشرع، وهذا الشرع فيه قبول الجزية ممن بذلها إلى حين نزول عيسى ابن مريم وحين ذاك توضع الجزية، ويقتل كل من رفض الإيمان، ولو بذل الجزية.
4/ وقد وردت أحاديث كثيرة عدد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم جملة من أشراط الساعة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى:
- تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة
- وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله
- وحتى يقبض العلم
- وتكثر الزلازل
- ويتقارب الزمان
- وتظهر الفتن
- ويكثر الهرج، وهو القتل
- وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يُهِمَّ رَبَّ المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به
- وحتى يتطاول الناس في البنيان
- وحتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه
- وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين (لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)
- وفي صحيح البخاري عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: “أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة أدم، فقال: اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتى، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطَى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً”
- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أشراط الساعة الفُحش، والتَّقَحُش، وقطعية الرحم، وتخوين الأمين، وائتمان الخائن” رواه البزار، ورواه الطبراني في الأوسط عن أنس، ورواه أحمد والبزار عن ابن عمرو. وعن عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد، لا يصلي فيه ركعتين، وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف” رواه الطبراني. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد” رواه أبو داود، وأحمد في مسنده، والدارمي، وابن خزيمة.
5/ قد مضى معنا أن عدو الله هذا يدعي الربوبية، مع كونه معيباً في صفاته البشرية، وأنه يلبس على الناس ببعض من خوارق العادات، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يتقي المسلم تلك الفتنة العظيمة؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين لنا أن الوقاية من الدجال إنما تكون:
أولاً: بالاعتصام بالله عز وجل والالتجاء إليه؛ وذلك بالاستعاذة منه ختام كل صلاة
ثانياً: بقراءة فواتح سورة الكهف، وحفظ عشر آيات من آخرها
ثالثاً: بالنأي عنه والابتعاد عن فتنته؛ فلا يجوز للمسلم أن يأتيه وإن كان واثقاً من نفسه، فإن معه من الشبهات ما يزلزل الإيمان، ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات” فإن اضطر المؤمن إلى مواجهته، فعليه أن يقوم بالأمر، ويصدع بالحق، ويحسن الحجاج، ففي الحديث: “إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم”
رابعاً: اللجوء إلى أحد الحرمين الشريفين مكة أو المدينة، فإن الدجال محرم عليه دخولها.