1- فلقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين؛
فوالله ما خلق الإله ولا برى بشراً يرى كمحمد بين الورى
يا سيد العقلاء يا خير الورى يا من أتيت إلى الحياة مبشرا
وبعثت بالقرآن فينا هاديا وطلعت في الأكوان بدراً نيرا
صلى عليك الله يا علم الهدى وجزاك في الجنات أجراً خيرا
فكان رسول الله صلى الله علـيه وسلم يتلو عليهم آيات الله بالليل والنهار ويعلمهم الحكمة، وبلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الله تعالى أكمل بلاغ وأتمه وأحسنه، وحرص على تعليم أصحابه وتفهيمهم دلائل الكتاب والسنة، ولقد تتابع اهتمام السلف الصالح بحفظ السنة ونقلها على الوجه الصحيح منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا العصر، حتى إنّ الصحابة رضي الله عنهم لاستشعارهم أهـمية هذا الأمر العظيم، نقلوا لنا كل كبير وصغير من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، مما يحتاجه الناس في دينهم، سواء أكان ذلك في حال إقامته أو سفره، في سلمه أو حربه، في رضاه أو غضبه، حتى في خاصته مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، بل وفي شأنه كله، ولهذا قال: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: تركَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء، إلا وهو يذكر لنا منه علماً، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بقي شيء يقرب من الجنة، ويباعد من النار، إلا وقد بُيِّن لكم)، وهذا مصداق قوله: (تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).
وعلى الرغم من تتابع القرون، وتعاقب الأجيال، وعلى الرغم من كثرة الزنادقة والمفسدين، إلا أن الله تعالى حفظ سنة نبيه من التبديل والتحريف، وبذل أئمة الإسلام جهوداً عظيمة جداً في حفظها ورعايتها، ووقفوا سداً منيعاً في وجوه الزنادقة والعابثين قديماً وحديثاً، وهذه منّة جليلة على هذه الأمة، نحمد الله تعالى عليها حمداً كثيراً.
أيها المسلمون عباد الله: إن المشككين في السنة الطاعنين في حجيتها يركزون هجومهم على أئمة السنة المتأخرين من أمثال الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري والإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري رحمهما الله ورضي عنهما، ظانين أن تدوين السنة وحفظها قد بدأ مع هؤلاء الأئمة الأعلام جزاهم الله خيرا، غافلين عن أن السنة محفوظة من عهد رسول الله صلى الله علـيه وسلم وأصحابه رضي الله عنه، ولا أجد لهؤلاء مثلاً إلا كإنسان سمع أهل اللغة يقولون: الكلام اسم وفعل وحرف؛ أو يقولون: الفاعل مرفوع والمفعول منصوب؛ فيظن أنهم قد أتوا بجديد، وما يدري المسكين أن العرب مذ خلقهم الله قد تكلموا بذلك، لكن علماء اللغة لما غلبت على الألسنة العجمة قعَّدوا تلك القواعد من أجل أن يصح نطق اللسان بكلام العرب، وهكذا علماء الحديث ما زادوا على أن وضعوا قواعد يميز بها كلام رسول الله صلى الله علـيه وسلم ويعرف صحيحه من سقيمه، أما حفظ السنة فالعهد به قديم وأول من قام بذلك صاحب السنة صلى الله علـيه وسلم وصحابته الكرام، وقد علم الكاتبون في تاريخ العلوم أن الآخر يبني على ما قام به الأول، وهاهنا نسوق أمثلة من جهود الأولين في حفظ السنة.
أولاً: في عهد رسول الله صلى الله علـيه وسلم
إن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ أصحابه على حفظ السنة ونقلها: فقال: (بلِّغوا عني ولو آية)، وكان يقول في مناسبات عدة: (وليبلِّغ الشاهد الغائب). وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً أشدّ الحرص على أن يُنقل كلامه نقلاً صحيحاً دقيقاً، ويتبيّن ذلك في الأمور التالية:
أ- ترغيبه في حفظ السنة ونقلها: رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ السنة، ودعا لنَقَلَةِ الحديث بالنضارة والبهاء، فقال: (نضّر الله امرأ سمع منّا حديثاً، فحفظه حتى يبلغه غيره، فرُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه). وكان يقول لأصحابه: (احفظوهنّ وأخبروا بهن مَنْ وراءكم). وقال لمالك بن الحويرث وأصحابه رضي الله عنهم: (لو رجعتم إلى بلادكم فعلّمتموهم). وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله علـيه وسلم: (مَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌ أَوْ حَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، ينبغي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»
ب- دعاؤه لأصحابه بالفهم والحفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لبعض أصحابه بالفقه والفهم، فهو يقول عن ابن عباس رضي الله عنهما: (اللهم فقِّهه في الدين)، وكان يدعو لبعض أصحابه بالحفظ والضبط، فها هو ذا يقول لأصحابه يوماً: (من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي، ثم يقبضه إليه، لم ينس شيئاً سمع مني أبداً)، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ففعلتُ، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه.
ج – تكراره الحديث حتى يُفهم عنه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنّه كان إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثاً، حتى تُفهم عنه).
د- مراجعته لمحفوظات بعض أصحابه: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أخذت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، واجعلهن من آخر كلامك، فإن متَّ من ليلتك متَّ وأنت على الفطرة). قال: فردّدتهن لأستذكرهن، فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال: (قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت).
هـ – تحذيره الشديد من الكذب عليه: حذر النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً شديداً من الكذب عليه، فقال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، وقال: (من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين). وهذا التحذير إنما هو لمن جاء بعد الصحابة رضي الله عنهم، إذ إن الصحابة عدول بتعديل الله تعالى لهم، (فلا يعرف من الصحابة من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان فيهم من له ذنوب، لكن هذا الباب ممّا عصمهم الله فيه من تعمد الكذب على نبيهم).
و – إذنه للصحابة بكتابة الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أصحابه عن كتابة السنة، خشية أن تختلط بالقرآن، أو أن يشتغل الناس بها دون القرآن، فلما أمن ذلك أذن لأصحابه بكتابة السنة زيادة في الضبط والإتقان، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، فقال: (اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق). وفي عام الفتح خطب خطبة في مكة، فجاء رجل من أهل اليمن، فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله علـيه وسلم: (اكتبوا لأبي فلان). ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على هذا، ويقول: (قيّدوا العلم بالكتاب).
ثانياً: في عهد الصحابة رضي الله عنهم
أ – كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ حديثه، وكانوا أخلص الناس في طلب العلم وفهمه، فكانوا يتناوبون الجلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة، وكنّا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك).
ب – الرحلة في طلب الحديث: كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على طلب الحديث، ويبذلون في ذلك جهداً عظيماً، حتى قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه). وقد رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه مسيرة شهر، إلى عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه في حديث واحد. وعن عطاء: أن أبا أيوب رحل إلى عقبة بن عامر فلما قدم مصر، أخبروا عقبة فخرج إليه، قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ستر مؤمناً على خزية ستر الله عليه يوم القيامة)، قال: فأتى أبا أيوب راحلته فركبها، وانصرف إلى المدينة، وما حلّ رحله.
ج – توقي الصحابة وورعهم في روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان الصحابة رضي الله عنهم يتورعون أشد التورع في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عمرو بن ميمون رحمه الله تعالى قال: كنت آتي ابن مسعود كل خميس، فإذا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتفخت أوداجه، ثم قال: (أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريب ذلك، أو شبيه ذلك، أو كما قال). وعن السائب بن يزيد رحمه الله قال: (صحبت عبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والمقداد بن الأسود، فلم أسمع أحداً منهم يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أني سمعت طلحة بن عبيد الله يتحدث عن يوم أحد). وعن أبي إدريس: أن أبا الدرداء كان يحدِّث بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ منه قال: هذا أو نحو هذا، أو شكله). وعن حبيب بن عبيد الرجي قال: (إن كان أبو أمامة ليحدثنا الحديث كالرجل الذي عليه أن يؤدي ما سمع).
د – دقة الصحابة رضي الله عنهم في الرواية: كان الصحابة رضي الله عنهم يتحرون الدقة في روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتورعون في ذلك أشد التورع؛ فها هو ذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يسمع عبيد بن عمير يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين)، فقال ابن عمر: ويلكم، لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين). ولهذا قال محمد بن علي: (كان ابن عمر إذا سمع الحديث لم يزد فيه، ولم ينقص منه، ولم يجاوزه، ولم يقصِّر عنه). وكان الأعمش يقول: (كان هذا العلم عند أقوام كان أحدهم لأن يخرّ من السماء أحب إليه من أن يزيد فيه واواً أو ألفاً أو دالاً).
ومن كان من الصحابة يروي بالمعنى، فإنه يتحرى الدقة في ذلك، فعن عروة ابن الزبير قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: يا بني يبلغني أنك تكتب عني الحديث، ثم تعود فتكتبه، فقلت لها: أسمعه منك على شيء، ثم أعود فأسمعه على غيره، فقالت: هل تسمع في المعنى خلافاً؟ قلت: لا، قالت: لا بأس بذلك.
ه – تثبت الصحابة رضي الله عنهم في سماع الحديث: إن للرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم شأناً عظيماً جدّاً، ولذا كان أصحابه يتثبتون عند السماع، ويتأكدون من صحة النقل، ونقل عنهم في ذلك أمثلة كثيرة، أذكر منها:
أ- تثبت أبي بكر الصديق رضي الله عنه: جاءت الجَدّة إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله عن ميراثها، فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء، ولا علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذ لها أبو بكر. ولهذا قال الذهبي في ترجمة أبي بكر الصديق: (وكان أول من احتاط في قبول الأخبار).
ب- تثبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا في مجلس عند أبي بن كعب، فأتى أبو موسى الأشعري مغضباً، حتى وقف فقال: أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع؟ قال أبيّ: وما ذاك؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب ثلاث مرات، فلم يؤذن لي، فرجعت، ثم جئته اليوم فدخلت عليه، فأخبرته أني جئت بالأمس فسلَّمت ثلاثاً، ثم انصرفت، قال: قد سمعناك، ونحن حينئذ على شغل، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك، قال: استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك، أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، فقام أبو سعيد فقال: كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: خفي عليّ هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ألهاني عنه الصفق بالأسواق) وزاد مالك في الموطأ: أن عمر قال لأبي موسى: (أما إني لم تهمك، ولكني أردت ألاّ يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ج- تثبت عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها: عن عروة بن الزبير قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي، بلغني أن عبد الله بن عمرو مارّ بنا إلى الحج فالقه فسائله، فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً، قال: فلقيته، فسألته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة: فكان فيما ذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا ينزع العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء، فيرفع العلم معهم، ويبقى في الناس رؤساء جهال يفتونهم بغير علم، فيضلون ويضلون)، قال عروة: فلما حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك وأنكرته، قالت: أَحَدَّثكَ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟! قال عروة: حتى إذا كان قابل: قالت له: إن ابن عمرو قد قدم، فالقه ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فسألته، فذكره لي نحو ما حدثني به في مرته الأولى. قال عروة: فلما أخبرتها بذلك، قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص شيئاً، وفي رواية للبخاري أنها قالت: والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو.
د- تثبت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدِّث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس! ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أُحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع! فقال ابن عباس: (إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف).