خطب الجمعة

حماية الجناب النبوي

خطبة يوم الجمعة 27/3/1426 الموافق 6/5/2005

1ـ أول واجبات الدولة المسلمة حراسة الدين وحفظه؛ فمن أجل ذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وما شرع الله الجهاد إلا من أجل الدين، قال تعالى )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله( وقال النبي صلى الله عليه وسلم {من بدَّلَ دينه فاقتلوه} رواه البخاري، ومن حفظ الدين أن يمنع وليُّ الأمر من أراد الطعن في الدين ومن يثير الشبهات حوله ليفتن ضعاف الإيمان وجهلة المسلمين. يقول ابن تيمية رحمه الله: فأما الغش والتدليس في الديانات، فمثل البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الأقوال والأفعال، مثل إظهار المكاء والتصدية في مساجد المسلمين، ومثل سب جمهور الصحابة وجمهور المسلمين أو سب أئمة المسلمين ومشايخهم وولاة أمورهم المشهورين عند عموم الأمة بالخير، ومثل التكذيب بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تلقاها أهل العلم بالقبول، ومثل رواية الأحاديث الموضوعة المفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومثل الغلو في الدين بأن ينزل البشر منزلة الإله، ومثل تجويز الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثل الإلحاد في أسماء الله وآياته، وتحريف الكلم عن مواضعه، والتكذيب بقدر الله، ومعارضة أمره ونهيه بقضائه وقدره،  ومثل إظهار الخزعبلات السحرية والشعوذة الطبيعية وغيرها التي يضاهي بها ما للأنبياء والأولياء من المعجزات والكرامات، ليصد بها عن سبيل الله، أو يظن بها الخير فيمن ليس من أهله، وهذا الباب واسع يطول وصفه، فمن ظهر منه شيء من هذه المنكرات وجب منعه من ذلك وعقوبته عليها إذا لم يتب حتى قدر عليه، بحسب ما جاءت به الشريعة من قتل أو جلد أو غير ذلك” أ.هـ

 ومن هذا الباب ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عقوبته صبيغاً التميمي حين أكثر من السؤال عن مشكل القرآن. ففي تفسير القرطبي 17/29 وتفسير ابن كثير 4/204: بلغ عمر أن رجلاً يسأل عن مشكل القرآن، فقال عمر: اللهم أمكني منه. فدخل الرجل على عمر يوماً وهو لابس ثياباً وعمامة، وعمر يقرأ القرآن، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ثم قال: ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب، وابلغوا به حيه، ثم ليقم خطيباً فليقل: إن صبيغاً طلب العلم فأخطأه. قال ابن كثير: رواه البزار والحافظ ابن عساكر، وزاد: أن عمر ضربه مائة وجعله في بيت، فلما برأ دعا به فضربه مائة أخرى، وحمله على قتب وكتب إلى أبي موسى الأشعري: امنع الناس من مجالسته، فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئاً، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: ما إخاله إلا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس.

2ـ إن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم طعن في الرسالة، وذمه ذم للدين، قد أجمع على ذلك أهل العلم رحمهم الله تعالى. قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقتل، وممن قال بذلك مالك بن أنس والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي. قال القاضي عياض رحمه الله: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق t ولا تقبل توبته عند هؤلاء، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلمين، لكنهم قالوا: هي ردة. إلى أن قال: ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره. انظر الشفا في التعريف بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم 2/21534ـ

3ـ  من الشواهد التاريخية في قتل من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه ما لا يحيط به الحصر، ومن ذلك:

  • عن الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه {أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذمتها} رواه أبو داود
  •  وعن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المعول فجعله في بطنها، واتكأ عليه فقتلها، فلما أصبح ذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المعول فوضعته في بطنها، واتكأت عليه حتى قتلتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا اشهدوا أن دمها هدر} رواه أبو داود والنسائي
  • روى الشيخان من حديث مالك عن الزهري عن أنس رضي الله عنه: أن عبد الله بن خطل بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى له فغضب عليه غضبة فقتله، ثم ارتد مشركاً، وكان له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلهذا أهدر دمه ودم قينتيه قتل هو متعلق بأستار الكعبة، اشترك في قتله أبو برزة الأسلمي وسعيد بن حريث المخزومي. وانظر البداية والنهاية 4/296
  • أفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا صلى الله عليه وسلم فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين وصلب منكَّساً ثم أنزل وأحرق بالنار، وحكى بعض المؤرخين أنه لما رفعت خشبته وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلة فكان آية للجميع وكبَّر الناس، وجاء كلب فولغ في دمه.

4ـ من فتاوى سلف الأمة وأهل العلم في ذلك مما تواتر نقله عنهم:

  • روى ابن وهب عن مالك: من قال: إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وسخ أراد به عيبه قُتِلَ
  • أفتى أبو الحسن القابسي فيمن قال: الجمال يتيم أبي طالب بالقتل
  • أفتى أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجلٍ سمع قوماً يتذاكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية، فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟ هي في صفة هذا المار في خَلْقَه ولحيته. قال: ولا تُقبل له توبة وقد كذب لعنه الله وليس يخرج من قلب سليم الإيمان.

5ـ سنة الله جارية في موالاة المنافقين بعضهم بعضاً كما قال سبحانه )المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون( فلا يستغرب تضامنهم في مثل هذه البائقة القبيحة التي اقترفها صاحب جريدة النفاق في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم )قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر(، لكن بعض الناس قد لُبِّسَ عليه ببعض الشبهات، ومن ذلك أنهم يقولون:

  • إن ناقل الكفر ليس بكافر. والجواب: أن هذه ليست على إطلاقها، فمن نقل الكفر في معرض المناظرة وبيان الحق دون تلبيس على الناس ودون ترويج له وكان قادراً على دحض الشبهات وإبطال المفتريات فذاك، وإلا فمن نقل الكفر الذي لا يعرفه الناس ونشره على عامتهم وقد كان خافياً عنهم، وأعاد نشر صورة الكتاب الوقح مرة بعد أخرى ـ بمناسبة وغير مناسبة ـ ثم هو لا يستطيع الرد على أهله فذاك هو الملبِّس المخلِّط الدخيل.
  • إن صاحب جريدة النفاق قد ردَّ في الأيام التالية لنشره تلك المقالة الخبيثة. والجواب: أنه بردوده تلك قد زاد الطينة بلة كما تقول العرب إذ لم يزد على اجترار تلك الوقاحات وتكرارها، ثم إن ردوده لا ترقى لمستوى تلك الشبهات، وحقيقة الأمر أنه ما ردَّ منها شيئاً.
  • إنما الأعمال بالنيات ولعل نية الرجل حسنة. والجواب: أن حسن الظن بالمسلم مطلوب وحمل حاله على السلامة واجب ما أمكن، وذلك في حق من لم يُعلم عنه سوء، أما من تتابع شرُّه وعلم زيغه فأكثر من ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بغير ما ينبغي من التوقير والإجلال وأثار الشبهات المرة تلو الأخرى عنهم حتى بلغ شره إلى السيد الجليل عثمان بن عفان، ودافع عمن تناول الشيخين أبا بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم فواجب علينا أن نظن به ظن السوء. في تفسير قوله تعالى )اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم( قال القرطبي رحمه الله تعالى: والذي يميِّز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً واجب الاجتناب؛ وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم؛ بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. الجامع لأحكام القرآن 16/332

6ـ إنني أوجه الخطاب إلى من ولاهم الله الأمر بأن يحموا الجناب النبوي وأن يعلموا علم اليقين أن اختلاق الأعذار للرجل لن يغني عنهم من الله شيئاً ولن يحميهم من غضب الله إذا حلَّ، وأن المسلمين الذين طعنوا في دينهم وثلموا في شرف نبيهم صلى الله عليه وسلم يتطلعون إلى إنفاذ حكم الله فيمن أتى هذا الجرم الفظيع حتى تهدأ ثائرتهم وتطمئن قلوبهم، وحتى يعلم كل منافق ودجال أن أمر الله نافذ وأن الجناب النبوي حرم مقدس، لا يقبل المسلمون به مساساً. إن الشريعة التي نتغنى بتطبيقها هي الآن في موضع اختبار صعب هل دعوانا في تطبيقها صحيحة أم أنه أمر يعوزه الدليل؟ أن المسلمين الذين آلمهم ما كان ليرجون أن يكون الدستور المرتجى يحفظ للدين حرماته وحدوده ويحمي مقدسات المسلمين حسية ومعنوية، ولا بد أن يسن من القوانين ما يحمي القيم والأخلاق لئلا يتذرع كل مريض قلب بحرية الرأي من أجل أن يطعن في دين المسلمين ويمس مقدساتهم.

وعار والله أيما عار على مجلس الصحافة والمطبوعات حين يصدر قراراً يوقف فيه صحيفة النفاق عن النشر أياماً ثلاثة فقط، وقد أوقفها خمسة أيام حين سبَّ الشخص نفسه أحد السياسيين قبل سنوات، بأقل مما سب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوقفت صحيفته أياماً خمسة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!! هل عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أهون من عرض بعض ساستنا؟ لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

7ـ وقد سأل بعض الناس عما نشر في صحف الأمس من اعتذار قيل إن المتهم بنشر سب النبي صلى الله عليه وسلم قد كتبه، فأقول: إن هذا المنشور في الصحف لا يعد توبة بل فيه من المراوغة والكذب والحيلة ما فيه، إذ يقول: إن كان فيما نشر إساءة فإنني أتوب، فهو إلى يومنا هذا يكابر ويعاند ولا يعترف بالإساءة التي فعل ولا البهتان الذي أتى، ثم إننا نقول: إن سب النبي صلى الله عليه وسلم والإساءة إليه وانتقاصه وعيبه ردة مغلظة وهي عند أكثر العلماء لا يؤثر في وجوب الحد فيها توبة؛ لأن الحق قد تعلق بمخلوق وهو النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير موجود الآن بين ظهرانينا ـ فداه أبي وأمي ـ وإلحاق العيب به عيب للأمة كلها، فمن تاب وكان صادقاً في توبته نفعته توبته عند الله، أما حد الدنيا فلا يسقط. وإنني أقول لمن يروجون مثل هذا الكلام: لو أن فلاناً من الناس سب أمك وأباك وقذف عرضهما بأبشع عبارة وأشنع أسلوب إلى أن رفعت أمره للقضاء ثم عاند وكابر، فلما أحيط به وأتاه الله من حيث لم يحتسب ووجد نفسه في مواجهة أمة من الناس قال: أنا تائب!! أكان ذلك مسقطاً للحد عنه؟ اللهم لا. فإن حد القذف حق لله فما بالكم إذا كان المقذوف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه وأباه؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى