1/ أيها المسلمون عباد الله: عندما يصل رمضان إلى نهايته يكون قد أوصل العظة إلى القلوب، فهذا الشهر الذي هو قطعة من أعمارنا، سينتهي العمر كله كما انتهى، وعندها سيفرح أقوام ويندم آخرون، أما الفرحون فهم الذين تناديهم الملائكة عند الموت {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون} وأما الخاسر الشقي فذاك الذي ينادي {رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} {رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين* ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون* قال اخسئوا فيها ولا تكلمون} {ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم فيه ما يتذكر من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}
إن واجباً على كل منا أن يعمل لتلك الساعة، ويسأل نفسه ترى أي الرجلين أكون؟ هل أكون فرحاً متهللاً مسرورا مستبشرا نضر الوجه كحال من قال {وعجلت إليك رب لترضى}؟ هل أكون من أهل الوجوه المسفرة الضاحكة المستبشرة؟ من أهل الوجوه الناضرة التي إلى ربها ناظرة، أم أكون من أهل الوجوه التي عليها غبرة ترهقها قترة، ممن قال الله فيهم {ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة} تلك الساعة التي ينزل به فيها ملك الموت
2/ من علامات حسن الخاتمة:
- من ختم كلامه بشهادة التوحيد .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منْ كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنَّة» قال عثمان بن عفان رضي الله عنه (لقِّنوا الميت لا إله إلا الله، فإنه ما من عبد يُخْتَم له بها عند موته إلا كانت زاده إلى الجنَّة!)
- الموت على عمل صالح يُخْتَم له به .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتمَ له بها دخل الجنَّة، ومَنْ صام يوماً ابتغاء وجه الله خُتمَ له به دخل الجنة، ومَن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتمَ له بها دخل الجنة»
- من مات شهيدًا في القتال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للشَّهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُجارُ من عذاب القبر، ويأمَن من الفزع الأكبر، ويُحلَّى حُلَّة الإيمان، ويُزوَّج من الحور العين، ويشفَعُ في سبعين إنسانًا من أقاربه».
- الموت ليلة الجمعة أو نهارها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلاَّ وقاه الله فتنة القبر».
- الموت برشح الجبين، جاء عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: أنه كان بخراسان فعاد أخاً له وهو مريض فوجده بالموت، وإذا هو يعرق جبينه فقال: الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «موتُ المؤمن بعرق الجبين!»
- الموت بالطاعون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطاعون شهادة لكل مسلم».
- الموت بأحد هذه الأسباب: داء البطن والغَرق والهَدْم وذات الجنب والحريق وصاحب السّل والمرأة تموت في نفاسها .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيدٌ، والغَرق شهيدٌ، وصاحب ذات الجنب شهيدٌ، والمبطون شهيدٌ، وصاحب الحَريق شهيدٌ، والذي يموت تحت الهَدْم شهيدٌ، والمرأة تموتُ بجُمْع شهيدٌ». وفي رواية للطبراني في الأوسط: «والسّل شهادة».
- الموت دون المال أو النَّفس أو العرض والدين .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيدٌ». قال ابن التِّين رحمه الله: (هذه كلها ميتات فيها شدة، تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم، وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء!)
- ثناء الناس على الميت .. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مُر بجنازة فأثني عليها خيراً فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «وجَبَتْ وجَبَتْ وجَبَتْ» ومر بجنازة فأثني عليها شراً فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» قال عمر: فدىً لك أبي وأمي؛ مُرَّ بجنازة فأثني عليها خير فقلتَ: وجبت وجبت وجبت؟! ومُر بجنازة فأثني عليها شر فقلتَ: وجبت وجبت وجبت؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة! ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار! أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض».
3/ إنما الأعمال بالخواتيم؛ فلا ييأس عاص من رحمة الله، {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} ولا يغتر مطيع بطاعته {إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم. فخرج النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار»
- وروى ابن سيد الناس قصة الراعي الأسود، عندما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر، وكان من قصته أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله، اعرض عليَّ الإسلام، فعرضه عليه، فأسلم، فقال: يا رسول الله إني كنت أجيراً لصاحب هذا الغنم وهي أمانة عندي فكيف أصنع بها؟ ! قال: «اضرب في وجهها فإنَّها سترجع إلى ربها! ». فقام الأسود فأخذ حفنة من الحصباء فرمى بها في وجوهها وقال: ارجعي إلى صاحبك فوالله لا أصحبك! وخرجت مجتمعة كأن سائقاً يسوقها! حتى دخلت الحصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله، فأُتِي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع خلفه وسجي بشملة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه! فقالوا: يا رسول الله لم أعرضتَّ عنه؟! قال: «إن معه الآن زوجتيه من الحور العين ينفضان التراب عن وجهه ويقولان: تَرَّبَ الله وجه من ترَّب وجهك! وقتل من قتلك!».
- وهذا أبو هريرة رضي الله عنه كان يقول: حدِّثوني عن رجل دخل الجنَّة لم يصل قط؟ ! فلم يعرفه أحد! فقال: (أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت) وكان من قصته أنه كان رافضاً للإسلام! فلمَّا كان يوم أُحُد بَدَا له في الإسلام فأسلم وأخذ سيفه فقاتل حتى أثبتته الجراحة! وبينما رجال من بني عبد الأشهل يبحثون عن قتلاهم إذا هم بأصيرم فعجبوا لذلك وسألوه: ما جاء بك؟ ! أَحَدبٌ على قومك؟ أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثم لم يلبث أن مات! فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه لمن أهل الجنَّة!»
4/ من أصحاب الخواتيم الحسنة
- لما نزل الموت بالربيع بن خثيم رحمه الله بكت ابنته .. فقال لها: يا بنية لا تبكي ولكن قولي: يا بشرى اليوم لقى أبي الخير! إنه تلميذ ابن مسعود رضي الله عنه وهو الذي قال فيه ابن مسعود: (لو رآك النبي صلى الله عليه وسلم لأحبَّك!)
- وهذا أبو حازم رحمه الله لما أدركته الوفاة قال: ما أسينا على شيء من الدنيا إلا على ذكر الله! وإن كان هذا الليل والنهار لا يأتيان على شيء إلا أخلقاه! وفي الموت راحة للمؤمنين ثم قرأ: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ}
- ولما نزل الموت بثابت البناني رحمه الله يحكي ابنه أنه ذهب يلقنه، فقال له ثابت: يا بني، خلِّ عنِّي؛ فإنِّي في وِرْدي السَّابع! قال ابنه: كأنه يقرأ ونفسه تخرج!
- وهذا العلاء بن زياد العدوي رحمه الله لما حضرته الوفاة بكى! فقيل له: ما يبكيك؟! قال: كنت والله أحب أن أستقبل الموت بالتوبة. قيل: فافعل رحمك الله. فدعا بطهور فتطهَّر، ثم دعا بثوب له جديد فلبسه ثم استقبل القبلة، فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك! ثم اضطجع فمات!
- وقال بعضهم: دخلنا على أبي بكر النهشلي رحمه الله وهو في الموت وهي يومئ – أي يصلي – فقال له ابن السماك: على هذه الحال؟! فقال: أبادر طيَّ الصحيفة!
5/ أخي: أين ذهب قلبك المذكِّر؟! أين ذهب الفؤاد النَّاهي؟! أين شردت النَّفس الآبقة؟ أخي: أمالَك في أهل الخواتيم السِّيئة عبرة ومتَّعظ؟! أخي: ماذا قدَّمتَ من الأعمال الصالحة حتى تكون من أهل الخواتم الحسنة؟! أخي: لا تنس أنك سترقد تلك الرَّقدة التي لن تقوم منها إلا محمولاً على أعناق الرجال إلى تلك الحفرة المظلمة (القبر!) وقد دخل عبد العزيز بن أبي روَّاد على المغيرة بن الحكم في مرضه الذي مات فيه، فقال له: أوصني. فقال: (اعمل لهذا المضجع!).
أخي المسلم: التوبة الصادقة أول الطريق إلى الخاتمة الحسنة فماذا عملت فيها؟ !
أخي: لا تقولنَّ سأتوب غدًا أو بعد غدٍ! فالموت أسرع من غدٍ ومن بعد غدٍ! فإذا نزل والأعمال صالحة .. كانت الخاتمة الحسنة .. وإذا نزل والأعمال سيئة! كانت الخاتمة السيئة! ! قال الحسن البصري رحمه الله: لما هبط إبليس قال: بعزَّتك لا أفارق بابن آدم ما دام الروح في جسده! قال الله تعالى: (وعزَّتي لا أحجب التوبة عن ابن آدم ما لم تغرغر نفسه!) أخي: يا حسرة من خرج من الدنيا يغبر توبة! ويا بُؤس من لم يقدم توبة نصوحًا بين يدي يومه ذاك!
6/ من اسباب سوء الخاتمة التي يجب الحذر منها:
- فساد الاعتقاد، فإن من فسدت عقيدته ظهر عليه أثر ذلك أحوج ما يكون إلى العون والتثبيت من الله تعالى.
- الإقبال على الدنيا والتعلق بها.
- العدول عن الاستقامة والإعراض عن الخير والهدى.
- الإصرار على المعاصي وإلفها، فإن الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته وأحبه وتعلق به يعود ذكره إليه عند الموت، ويردده حال الاحتضار في كثير من الأحيان.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال تعالى: وكان الشيطان للإنسان خذولاً
وسوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقداً، وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على ا لكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة”.
فَدَعِ الصِّبا فلقَد عَدَاكَ زَمانُهُ | وازهد فَعُمْرُكَ مَرَّ مِنْهُ الأَطْيَبُ | ||
ذَهَبَ الشَّبابُ فما لهُ مِنْ عَوْدَةٍ | وأتى الْمَشيبُ فَأَينَ مِنْهُ الْمَهرَبُ | ||
دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ كان في زَمنِ الصِّبا | واذْكُرْ ذُنُوبَكَ وابْكِهَا يا مُذْنِبُ | ||
واذكر مُناقَشَةَ الْحِسابِ فإنَّهُ | لا بُدَّ يُحْصَى ما جَنَيْتَ ويُكْتَبُ | ||
لم يَنْسَهُ الْمَلَكانِ حينَ نَسِيْتَهُ | بَل أَثْبَتاهُ وأَنتَ لاهٍ تَلْعَبُ | ||
والرُّوحُ فيكَ وَدِيعةٌ أُودِعْتَها | سَتَرُدَّها بالرُّغْمِ منكَ وتُسْلَبُ | ||
وغُرورُ دُنْيَاكَ التي تَسْعَى لها | دارٌ حَقيقَتُها مَتاعٌ يَذْهَبُ | ||
والليلُ فاعْلَمْ والنَّهارُ كِلاهُما | أَنْفاسُنا بهما تُعَدُّ وتُحْسَبُ | ||
وجميعُ ما خَلَّفْتَهُ وجَمعتَهُ | حقاً يَقيناً بعدَ مَوتِكَ يُنْهَبُ | ||
تبَّاً لدارٍ لا يَدُومُ نَعِيمُها | ومَشِيدُهَا عمَّا قَليلٍ يَخْرَبُ |