خطب الجمعة

خذوا حذركم

خطبة يوم الجمعة 19/6/1433 الموافق 11/5/2012

1ـ فإن الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين بالحذر واليقظة وألا يأمنوا عدوهم، بل هم دائماً مستعدون للقائه؛  متأهبون لنزاله؛ لا يغفلون ولا ينامون؛ ولا يغرهم انتصار أحرزوه أو انكسار بالكفار أنزلوه؛ فقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} وقال سبحانه {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} وقال جل من قائل {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} وقال مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام {وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}

2ـ قد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ حذره من عدوه، ومن تتبع سيرته عرف ذلك من حاله صلوات ربي وسلامه عليه؛ فقد كان يبعث بالعيون يأتونه بخبر العدو؛ وكان من أصحابه الذين أوكلت لهم تلك المهام طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وسهل بن الحنظليّة؛ وكان لا يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها؛ إلا غزوة تبوك فقد كانت في حر شديد وسفر بعيد وعدو كثير؛ فجلا للمسلمين الأمر ليتأهبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريد.

3ـ لقي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون عدوهم يوم بدر فنصرهم الله عليهم، وقتل صناديد الكفر من أمثال شيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة والنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وأبي جهل بن هشام وأمية بن خلف، وأُسر سبعون من سراتهم؛ فهل أخلد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى الراحة وذهلوا عن عدوهم؟ اللهم لا. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ثم نهض بنفسه صلوات الله وسلامه عليه بعد فراغه بسبعة أيام إلى غزو بني سليم، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة، وقيل: ابن أم مكتوم، فبلغ ماء يقال له: الكدر؛ فأقام عليه ثلاثاً ثم انصرف ولم يلقَ كيداً.

ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السَّويق في ذي الحجة، فكان أبو سفيان حين رجع إلى مكة ورجع فلُّ قريش من بدر نذر ألا يمس ماء من جنابة حتى يغزو محمداً صلى الله عليه وسلم؛ فخرج في مائتي راكب من قريش ليبرَّ بيمينه، حتى أتى العريض في طرف المدينة؛ فحرق أصواراً من النخل، وقتل رجلاً من الأنصار وحليفاً له وجدهما في حرث لهما، ثم كرَّ راجعاً، ثم نفر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في إثره؛ واستعمل على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كركرة الكدر وفاته أبو سفيان والمشركون، وقد طرحوا سويقاً كثيراً من أزوادهم يتخففون بذلك فأخذه المسلمون، فسميت غزوة السويق، وكان ذلك بعد بدر بشهرين وأيام.

وأقام صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقية ذي الحجة ثم غزا نجداً يريد غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فأقام بنجد صفراً كله ثم انصرف ولم يلق حربا، وهي غزوة ذي أمر.

ثم غزا في ربيع الأول يريد قريشاً، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم؛ فبلغ بحران – معدناً بالحجاز – ولم يلق حرباً؛ فأقام هناك ربيعاً الأول وجمادى الأولى من السنة الثالثة ثم انصرف إلى المدينة، ثم أجلى يهود بني قينقاع.

وكان من أعماله المباركة في تلك السنة قتل كعب بن الأشرف عدو الله ورسوله؛ وكان ذلك على يد محمد بن مسلمة وأبي نائلة وعباد بن بشر وأبو عبس بن جبر والحارث بن أوس؛ يقول عباد رضي الله عنه:

صَرَخْت بِهِ فَلَمْ يَجْفِل لِصَوْتِي … وَأَوْفَى طَالِعًا مِنْ فَوْقِ قَصْرِ

فَعُدْت فَقَالَ مَنْ هَذَا الْمُنَادِي … فَقُلْت أَخُوك عَبّادُ بْنُ بِشْرِ

فَقَالَ مُحَمّدٌ أَسْرِعْ إلَيْنَا … فَقَدْ جِئْنَا لِتَشْكُرَنَا وَتَقْرِي

وَتَرْفِدَنَا فَقَدْ جِئْنَا سِغَابًا … بِنِصْفِ الْوَسْقِ مِنْ حَبّ وَتَمْرٍ

وَهَذِي دِرْعُنَا رَهْنًا فَخُذْهَا … لِشَهْرٍ إنْ وَفّى أَوْ نِصْفِ شَهْرِ

فَقَالَ مَعَاشِرٌ سَغِبُوا وَجَاعُوا … لَقَدْ عَدِمُوا الْغِنَى مِنْ غَيْرِ فَقْرِ

وَأَقْبَلَ نَحْوَنَا يَهْوِي سَرِيعًا … وَقَالَ لَنَا لَقَدْ جِئْتُمْ لِأَمْرِ

وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ حِدَادٌ … مُجَرّبَةٌ بِهَا الْكُفّارُ نَفْرِي

فَعَانَقَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْمُرَادِي… بِهِ الْكَفّانِ كَاللّيْثِ الْهِزَبْرِ

وَشَدّ بِسَيْفِهِ صَلْتًا عَلَيْهِ … فَقَطّرَهُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ

وَمَرّ بِرَأْسِهِ نَفَرٌ كِرَامٌ … هُمُ نَاهُوك مِنْ صِدْقٍ وَبِرّ

وَكَانَ اللّهُ سَادِسَنَا فَأُبْنَا … بِأَفْضَلِ نِعْمَةٍ وَأَعَزّ نَصْرِ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى