خطب الجمعة

خطبة بيرمنغهام

خطبة يوم الجمعة 24/5/1434 الموافق 5/4/2013

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا، وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون، وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، أما بعد.

فأنتم في يوم عظيم من أيام الله؛ لكم فيه من الأجر والثواب ما لا يقدره إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير” فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا؛ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ” رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه

أيها المسلمون: قد جمعكم الله في هذه البلاد بعد أن خرجتم إليها مهاجرين، وقد اختلفت نياتكم وتباينت مقاصدكم وتفاوت سعيكم؛ {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} فمنكم من خرج لطلب علم نافع، ومنكم من خرج يسعى على رزق حلال بعدما ضاقت به السبل في بلاده، ومنكم من جاء يطلب عيشاً كريماً لا يحني فيه رأسا ولا يمد فيه يداً، ولا يلجأ فيه إلى سبل ملتوية، وقد قال الشافعي رحمه الله:

تغرب عن الأوطان في طلب العلا  وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد

فإن قيل في الأسفار ذل وغربة وقطع فيافي وارتكاب الشدائد

فموت الفتى خير له من حياته بدار هوان بين واش وحاسد

أيها المسلمون عباد الله: أنتم في هذه البلاد لا تمثلون أنفسكم، ولا بلادكم التي منها جئتم، بل تمثلون الدين الذي تعتنقون، والنبي الذي تحبون، أنتم في هذه البلاد مسلمون، فإياكم وما يشينكم، أو يدنس أعراضكم أو يسوِّد وجوهكم، حذار حذار أن يؤتى الإسلام من قبلك أيها المسلم، بأن تكون سبباً في أن يقال: المسلمون كاذبون، أو المسلمون خونة، أو المسلمون آكلو حرام، قبل أن تمارس فعلاً أو تدمن سلوكا تذكر أيها المسلم أنك قد تكون باباً لهداية الناس وولوجهم في دين الله أفواجا، أو قد تكون سبباً لفتنة الناس وصدهم عن سبيل الله.

أيها المسلمون: كلنا يشتهي أن يكون عيشه قارا، ورزقه دارا، كلنا يحب سعة الرزق ورغد العيش، كلنا يرجو أن يغنيه الله من فضله؛ فما هي الأسباب الجالبة لسعة الرزق؟

الأسباب هي: الاستغفار وتقوى الله والإنفاق في سبيل الله وصلة الرحم والمتابعة بين الحج والعمرة والتوكل على الله حق التوكل؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه “من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه” في صحيح ابن حبان عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم “ما من ذنب أجدر أن يعجل الله العقوبة لصاحبه في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب، وإن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم؛ حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا”

أيها المسلمون: أنفقوا على زوجاتكم وعيالكم طيبة بذلك نفوسكم، وأنت تثقون بالخلف من الله؛ ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها “أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله” وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك” وفي مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى”

يا مسلم لا تطلب من زوجتك درهماً ولا دينارا، ولا تكلفها من ذلك شيئا؛ فإن النفقة عليك واجبة، وأنت فيها مأجور، يا مسلم تذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وما كانوا عليه من الضيق والفاقة، ومع ذلك كانوا بقسمة الله راضين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى