خطب الجمعة

دعاوى وبينات

خطبة يوم الجمعة 8/3/1438 الموافق 9/12/2016

1- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.

2- فما عرفت الدنيا ولن تعرف أصدق لهجة ولا ألين عريكة ولا أكرم نفساً ولا أصلح بالا، ولا أكمل إسلاماً ولا أتم إيماناً ولا أوسع علما ولا أشجع قلباً ولا أكثر عبادة، ولا أزهد ولا أعبد ولا أحكم ولا أحلم من محمد رسول الله صلى الله علـيه وسلم؛ فبه أقام الله الحجة على العباد، وبه فتح الله أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفا، وبه هدى الله الناس من الضلالة ونجاهم من الجهالة وبصرهم من العمى وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وبه عرف الناس الحلال من الحرام والطيب من الخبيث والهدى من الضلال. فقد كانت بعثته أعظم منة من الله على العباد {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}

3- وما عرفت الدنيا ولن تعرف ناساً كانوا أكمل محبة وأصدق اتباعاً من أصحاب محمد صلى الله علـيه وسلم ورضي الله عنهم؛ فهم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا، ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النازلات وأجملوا، أولئك الصحب الكرام الذين أطاعوا رسول الله صلى الله علـيه وسلم فيما أمر، وصدقوه فيما أخبر، واجتنبوا ما نهى عنه وزجر، ولم يعبدوا الله تعالى إلا بما شرع؛ فحققوا محبته اعتقاداً وقولاً وعملا؛ وقدموها على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ حتى قال عمر للعباس “إسلامك يوم أسلمت أحبُّ إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ وما ذاك إلا لأن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسـلم” وقال علي رضي الله عنه “كان رسول الله صلى الله عليه وسـلم أحبَّ إلينا من أموالنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ” وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه “ما كان أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسـلم ولا أجلَّ في عينيَّ منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت”  فكانوا كما وصفهم الله عز وجل {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

4- ولم تكن محبتهم لنبيهم صلى الله علـيه وسلم كلاماً لا تصدقه الفعال، لا والله وهم الذين قرؤوا قول ربهم {لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} بل كانت أقوالاً صدقتها الفعال؛ فهذا الصديق يوم الهجرة ماذا صنع رضي الله عنه، وهذا الفاروق عمر ماذا صنع يوم وفاة رسول الله صلى الله علـيه وسلم، ولسان حاله يقول:

لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول

وأضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل

فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل

وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الناس أو كادت تسيل

نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول

ويهدينا فلا تخشى ضلالا علينا والرسول لنا دليل

أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ذاك السبيل

فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول

وهذا عثمان ماذا صنع يوم جيش العسرة، وهذا عليٌّ رضي الله عنه ماذا صنع يوم الخندق ويوم خيبر؟ وهذا أبو أيوب الأنصاري، وهذه المرأة يوم أحد، وهذا طلحة بن عبيد الله، وهذا أبو سفيان بن الحارث رضي الله عنه، هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه

5- إن من علامات محبته صلى الله عليه وسـلم الإكثار من ذكره والشوق إلى لقائه، ومن محبته الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: {إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} كما أن من متابعته صلى الله عليه وسلم التمسك بسنته والحذر من الابتداع في دين الله،  ومحبة من أحبهم من المهاجرين والأنصار، وعداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبهم، والشفقة على أمته والسعي في مصالحها ودفع المضار عنها؛ كما كان عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوفا رحيما.

6- فيا من تدعي محبة النبي صلى الله علـيه وسلم: لا بد لك من بينة تثبت بها صدق دعواك؛ أين أنت من صلاة الصبح؟ أين أنت من إتقان العمل؟ أين أنت من حفظ لسانك عن أعراض المسلمين؟ أين أنت من كف يدك عن دماء المسلمين؟ أين أنت من اجتناب الغش في معاملة الناس؟ أين أنت من تربية لولدك؟ أين أنت من العدل مع نفسك ومع الناس؟ أين أنت من الإحسان في المعاملة؟ أين أنت من صدق المعاملة مع الله ومع الناس؟

إن عبداً يسترعيه الله رعية يغشهم ويعدهم ويمنيهم وما يعدهم إلا غرورا ليس صادقا في محبته للنبي صلى الله علـيه وسلم

وإن عبداً يصبح ويمسي وهو يدبر للناس المكائد ويحيك المؤامرات من أجل أن يأكل مال هذا وينتهك عرض هذا ليس محبا للنبي صلى الله علـيه وسلم

وإن أمة تكشف ما أمر الله بستره وتسلط لسانها على أعراض المؤمنين والمؤمنات وتعصي زوجها ولا تتقي الله في أولادها ليست محبة للنبي صلى الله علـيه وسلم

تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى