1/ للساعة أشراط ذكر ربنا جل جلالـه بعضها في كتابه وثبت كثير منها في سنة نبينا صلى الله عليه وسـلم؛ هذه الأشراط التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث وفي أحاديث أخرى كثيرة قسمها أهل العلم إلى قسمين: علامات صغرى، وعلامات كبرى.
والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم وقع، وقسم لم يقع بعد. والذي وقع قد يكون مضى وانقضى، وقد يكون ظهوره ليس مرة واحدة، بل يبدو شيئاً فشيئاً، وقد يتكرر وقوعه وحصوله، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي.
2/ علامات الساعة التي وقعت، نعني بها العلامات التي وقعت وانقضت ولن يتكرر وقوعها، وهي كثيرة وسنذكر بعضاً منها.
أولها: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته؛ فمن أشراط الساعة بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته، ففي الحديث عند البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا، الوسطى والتي تلي الإبهام. وقال: بعثت أنا والساعة كهاتين” وفي صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بعثت أنا والساعة كهاتين، كفضل إحداهما على الأخرى، وضم السبابة والوسطى”
ثانيها: انشقاق القمر؛ حيث اتفق العلماء على أن القمر قد انشق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن انشقاقه إحدى المعجزات الباهرات، وقد صرح القرآن بهذا في قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ – وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} قال النووي: “قال القاضي: انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم، مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين لمخالفي الملة، وذلك لما أعمى الله قلبه، ولا إنكار للعقل فيها، لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكورّه في آخر أمره..”
وقد ساق ابن كثير الأحاديث الواردة في انشقاق القمر في تفسير سورة القمر، وهي أحاديث صحيحة كثيرة، وقد ساقها مسلم في صحيحه، ومنها حديث أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين، ومنها حديث عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اشهدوا، اشهدوا” وفي رواية أخرى عنه، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل، وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اشهدوا”
ثالثها: نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة، حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى” وهذه الآية العظيمة التي أخبر الصادق المصدوق بوقوعها في مقبل الزمان وقعت على الصورة التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان خروجها في سنة (654) للهجرة النبوية. وقد تحدث العلامة المؤرخ ابن كثير في أحداث سنة (654) عن هذه النار فقال: فيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه، وقد بسط القول في ذلك الشيخ الإمام العلامة الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسي في كتابه ((الذيل وشرحه))، واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق من الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة، وكيفية خروجها وأمرها.
رابعها: توقف الجزيَة والخراج؛ حيث كانت الجزية التي يدفعها أهل الذمة في الدولة الإسلامية، والخراج الذي يدفعه من يستغل الأراضي التي فتحت في الدولة الإسلامية من أهم مصادر بيت مال المسلمين، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ذلك سيتوقف، وسيفقد المسلمون بسبب ذلك مورداً إسلامياً مهماً، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم “، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه” والقفيز والمد والإردب مكاييل لأهل ذلك الزمان في تلك البلاد، وبعضها لا يزال معروفاً إلى أيامنا، والدرهم والدينار أسماء للعملات المعروفة في ذلك الوقت، ومنع تلك البلاد للمذكورات في الحديث بسبب استيلاء الكفار على تلك الديار في بعض الأزمنة، فقد استولى الروم، ثم التتار على كثير من البلاد الإسلامية، وفي عصرنا احتل الكفار ديار الإسلام، وأذهبوا دولة الخلافة الإسلامية، وأبعدوا الشريعة الإسلامية عن الحكم. قال النووي في تعليقه على الحديث: “الأشهر في معناه أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان، فيمنعون حصول ذلك للمسلمين، وقد روى مسلم هذا بعد ذاك بورقات عن جابر رضي الله عنه قال: “يوشك أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذاك”، وذكر في منع الروم ذلك بالشام مثله، وهذا قد وجد في زماننا في العراق، وهو الآن موجود، وقيل: لأنهم يرتدون آخر الزمان، فيمنعون ما لديهم من الزكاة وغيرها، وقيل: معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان، فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج، وغير ذلك”، وكل هذه التعليلات لسبب منع تلك الإيرادات لخزينة الدولة الإسلامية التي ذكرها النووي وجدت، علاوة على انهيار الدولة الإسلامية التي كانت تقيم اقتصادها على الشريعة الإسلامية فإلى الله المشتكى
3/ العَلامَات التي وقعت، وهي مستمرة، أو وقعت مَرة وَيمكن أن يتكرّر وقوعَها، ومن ذلك:
أولاً: الفتوحَات والحروب؛ أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وقد سار حملة هذا الدين مشرِّقين، ومغرِّبين يفتحون البلاد وينشرون الإسلام، وقد هزموا الدول الكبرى في ذلك الزمان، وأزالوها من الوجود، ولم يزَلْ هذا دأب المسلمين على مَرِّ العصور، وسيبقى إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر الصحابة بما سيكون من الفتوحات والانتصارات التي سيجريها الله على أيديهم أو على أيدي من بعدهم، قال لهم ذلك في الوقت الذي كانوا فيه مستضعفين في مكة، أو محاصرين في المدينة يعيشون في خوف مستمر من اجتياح الأعداء، فقد روى لنا البخاري عن خباب بن الأرت قال: “شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون”
لقد كان الأمن منعدماً في الجزيرة العربية، وكان القانون السائد فيها شريعة الغاب، وقد كثر في الأحاديث الإخبار باستتباب الأمن في الجزيرة بسبب ظهور الإسلام فيها، كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإسلام سيتعدى حدود الجزيرة العربية، وأنه سيعصف بالدول الكبرى في ذلك الوقت، مثل ملك كسرى وقيصر، ففي صحيح مسلم عن نافع بن عتبة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله” وروى البخاري عن عَدِيّ بن حاتم، قال: “بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: فإن طالت بكَ حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي، فأين دُعَّار طيِّء الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كنوز بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه، وليس بينه وبينه ترجمان، يترجم له، فيقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم. قال عدي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة” قال عدي: “فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، يخرج ملء كفه” وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن المسلمين سيزيلون ملك كسرى وقيصر، وسينفقون كنوزهما في سبيل الله، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله” وفي صحيح مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض” وقد وقع الأمر كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ ملك هذه الأمة بمقدار ما جمع له من الأرض، وكان معظم امتداد ملك هذه الأمة في جهتي الشرق والغرب، وأما في جهة الشمال والجنوب فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب.
ثانياً: خروج الدجّالين أدعيَاء النبوَّة؛ حيث أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج في هذه الأمة دجالون يدَّعون النبوة، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن عددهم قريب من ثلاثين، وحددهم في بعض الأحاديث بسبعة وعشرين، والمراد بأدعياء النبوة هؤلاء الذين يثيرون فتنة ويتبعهم الناس، ويغترون بباطلهم، أما الذين ادعوها ولم يأبه الناس لهم فكثير. ففي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله” وفي صحيح مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي” وفي مسند أحمد، ومشكل الآثار للطحاوي، ومعجم الطبراني الكبير والأوسط بإسناد صحيح عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “في أمتي كذابون، ودجالون سبعة وعشرون، منهم أربعة نسوة، وإني خاتم النبيين، لا نبي بعدي”
وقد خرج من هؤلاء عدد كبير في الماضي، ففي عهد الصحابة خرج مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح الكاهنة، وفي عصر التابعين خرج المختار الثقفي مدعياً النبوة، ومنذ أكثر من قرن قام حسين بن علي ابن الميرزا عباس في إيران مدعياً النبوة، ولقب ببهاء الله وأتباعه البهائية، وآخر من سمعنا عنه دعوى النبوة محمود محمد طه السوداني الذي أضل كثيراً من الناس بكتاباته ومقالاته، وقد أعدم في طليعة هذا العام، أعدمته حكومة السودان بسبب ضلاله وكفره وردته، فلعنة الله على الظالمين. إلا أن الدجال الكبير هو ذلك الذي يخرج آخر الزمان، وينزل الله عيسى ابن مريم للقضاء على فتنته.
الخطبة الثانية
قد تواترت الأنباء من دولة الجنوب بأن مئات الآلاف من الناس يواجهون شبح الموت جوعا، بعد أن انقطعت بهم السبل وتفرقوا أيدي سبأ، بسبب من نزق حكامهم وسوء تصرفاتهم؛ حيث تتابعت بينهم الحروب وأفنى بعضهم بعضاً بسبب الصراع على السلطة والحكم، بعد أن أغروا عامة شعبهم بالانفصال وكانوا يعدونهم ويمنونهم بالعيش الرغيد والآمال العذاب؛ فلم يجنوا سوى الخراب والدمار وسفك الدماء وإزهاق الأنفس.
أيها المسلمون: قد نزح من الجنوب إلى دول الجوار نحو من خمسة ملايين، وقدم إلى هذا البلد المضياف العدد الكبير، ولا شك أن مد يد العون إليهم من شيم المسلمين وخصال المؤمنين رغم الثارات والمرارات، بعد أن أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسـلم أن في كل كبد رطبة أجرا، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين؛ وقد قال الله عز وجل {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا}