1/ قولهم: أن في السودان ناساً يدينون بغير الإسلام وفي تطبيق الشريعة تضييق عليهم!! والجواب متى كان وجود الأقلية مانعاً للأغلبية من تطبيق ما تؤمن به من قيم ومبادئ، ثم هذه الدول الكبرى التي تتغنى بالحرية والديمقراطية هل تجعل للمسلمين فيها قانوناً خاصاً بهم أم أنهم يخضعون لقانون الأغلبية؟ ومتى كان تطبيق الإسلام ضاراً بغير المسلمين؟ ماذا يضير غير المسلم من تحريم الربا والخمور والبغاء والفجور؟ هل يستطيع زاعم أن يزعم أن ديناً نزل من السماء يبيح شيئا من ذلك؟ اللهم لا، لكنه منطق الاستبداد الأرعن الذي يريد فرض ديكتاتورية الأقلية على الأغلبية.
2/ قولهم: إن في تطبيق العلمانية علاجاً للأوضاع ومنعاً للتعصب، وهذه مغالطة يكذبها الواقع، بل المسلمون هم الأكثر تضررا من تطبيق هذا المبدأ الفاسد، وماذا جنى المسلمون من تطبيق العلمانية في بلادهم؟ هل كان ثمة استقرار سياسي أو نمو اقتصادي أو رخاء اجتماعي؟ اللهم لا هذا ولا ذاك. بل هو حصاد الهشيم منذ أن خرج المستعمر تاركاً الأمر لوكلائه وأوليائه.
3/ قولهم: إن العلمانية تحكم سائر بلاد المسلمين!! وقد علمنا أن شريعة الله تعالى حاكمة على أفعال المكلفين، وليست أفعال المكلفين حجة على شرع الله عز وجل، ثم إن العلمانية ما حكمت المسلمين لأنهم قد اختاروها بل فرضت عليهم فرضاً عن طريق الانقلابات العسكرية ووكلاء الاستعمار وعملاء المنظمات الغربية وسماسرة الغزو الأجنبي.
4/ قولهم: إن الدين لله والوطن للجميع!! نقول لهم: ماذا لو كان العكس فكان المسلمون هم الأقلية، أكنتم تقبلون منهم أن يطلبوا من الأكثرية أن تتنازل عما تؤمن به إرضاء لهم؟ إنه لا يقبل شرعاً ولا عرفاً بل ولا ديمقراطياً ـ وهم أكثر الناس تشدقاً بالدعوة إليهاـ أن تتخلى الأغلبية عن هويتها ومقدساتها وحضارتها طلباً لمرضاة الأقلية، لا سيما إذا كانت هذه المقدسات لا مساس لها بالحقوق الأساسية المشروعة لهذه الأقليات. ثم لماذا يتخلى القوم عن علمانيتهم القاضية بأن القانون الحاكم يجب أن يكون نابعاً مما ترتضيه الأغلبية؟ إن في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وهي دول ديمقراطية بغير خلاف بيننا وبينكم أحزاباً شيوعية، لكن أين هي أدبياتها في سياسات الدولة الأمريكية؟ لماذا يخضع الحزب الشيوعي الأمريكي للتعايش مع اقتصاديات السوق الحر الأمريكي ضارباً برؤاه الاشتراكية عُرض الحائط؟ ولماذا يخضع الحزب الشيوعي للأيدلوجية الرأسمالية في الدول التي يشكل فيها أقلية ويرفض الخضوع للأيدلوجية الإسلامية في الدول التي تطالب الأغلبية فيها بتطبيق الإسلام ويرى ذلك مخالفاً لاحترام التنوع؟
5/ قولهم: نحن متدينون نصلي ونصوم ومع ذلك نؤمن بالعلمانية!! جوابه أن الإسلام كل لا يتجزأ، ومن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماماً في صلاته وصيامه لا بد أن يرضى بذلك كله في شأنه كله – في معاملاته وأخلاقه وقانونه ونظامه – حتى يكون مسلما صحيح الإسلام.
6/ قولهم: إن في تطبيق العلمانية منعاً لاستغلال الدين في السياسة!! وهي شبهة يكذبها واقع الدول التي يدينون بالولاء لها؛ فهذه بريطانيا تنص على أن الملكة هي راعية الكنيسة، وأن الكنيسة الإنجيلية هي الكنيسة الرسمية للدولة، ولا بد أن يكون رأس الدولة من المسيحيين البروتستانت، وهذه دول كثيرة من دول أوروبا تجد فيها أحزابا تحمل اسم (الحزب الديمقراطي المسيحي)
7/ قولهم: إن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تستوعب ملايين القضايا والمشاكل الإنسانية المعقدة، أو أن تقدم حلولاً جاهزة لكل ما يستجد على مسرح الحياة. والجواب: أن هذا التصور قائم على أساس أن الدين ثابت لا يتغير وأن الحياة في تغيُّر دائم، وأن الحكم بالإسلام من شأنه إلغاء كل اجتهادات البشر وتجاربهم، وإبطال كل عرف واجتهاد لم يرد من القرآن والسنة، وهذا تصور قد حكم الإسلام بفساده فقد شرع الله تعالى للناس قواعد عامة للأمور التي حرمها الله وأمرنا باجتنابها، وأرشدنا أن ما سكت الله عنه فلم يبينه فهو مباح، لنا أن نجتهد فيه في حدود هذه القواعد العامة أي بما لا يحل حراما. قال الله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سكت عن أمور رحمة بنا غير نسيان، وقال صلى الله عليه وسلم (أنتم أعلم بشئون دنياكم) فأمور المعاملات في جوانبها المختلفة من مدنية وجنائية ودستورية منها ما هو ثابت محكم ومنها ما هو متجدد مرن، فالأسس والقواعد الكلية التي تشكل الإطار العام تتسم بالثبات والإحكام، وهي تلك التي جاءت بها الأدلة القطعية ثبوتاً ودلالة، ولا مجال فيها لتعدد الأفهام وتفاوت الاجتهادات، والفروع الجزئية والتفاصيل المتعلقة بالكيفيات والإجراءات ونحوها تتسم في أغلبها بالمرونة والتجدد، ويكفينا قول الله عز وجل (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) إن المشكلة لا تكمن في وفاء الشريعة بحاجات الإنسان ومصالحه الحقيقة ولكنها تكمن في كبحها لجماح الأهواء ووقوف أحكامها عقبة في وجه دعاة العربدة والتحلل، إن أهل الفجور يتهمون الشريعة بالجمود لامحالة؛ لأنها لا تساير ما في نفوسهم من الشهوات والأهواء. فلا تبيح لهم الخمر ولا الرقص المختلط ولا الردة ولا التبعية لكفار الأرض ولا ترويج بضاعة المستشرقين باسم الفكر الإسلامي ولا تزييف التاريخ باسم حرية البحث، هذه هي المشكلة حقاً.
الخطبة الثانية
قد كان ما علمتم خلال هذا الأسبوع من افتتاح دوري كرة القدم النسائي، باحتفاء من السفارات الغربية وعلى رأسها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يؤكد أن هذه الحكومة ما جاءت لحل مشاكل الناس التي خرجوا من أجلها ثائرين محتجين، وإنما هي حكومة ملهاة ومأساة، حكومة تريد أن تشغل الناس بغير شاغل، تارة بدعوة اليهود إلى العودة، وتارة بالدعوة إلى تنحية الشريعة وإباحة الخمر، وتارة بتغيير شعار التلفاز، وتارة بمهاجمة المذاهب الفقهية الأربعة، وهكذا.
لكن أين الوعود التي بذلوها من أجل تغيير واقع الناس المعيشي؟ أين خططهم وبرامجهم؟ ماذا صنعوا من أجل أن ينهوا الصراعات التي تدور رحاها في هذه البلاد، ومن آخرها تلك المؤامرة التي تدار لإشعال شرق السودان تمهيداً لما بعده؟ لا شيء
وها هنا أيها المسلمون عباد الله أبين أحكاماً تتعلق بممارسة الرياضة، وهذه الأحكام لست معنياً ببيانها لتلك التي اختاروها وزيرة للرياضة – وبئس الاختيار – فهذه لا تؤمن بهذه الأحكام التي نؤمن بها، بل هي تابعة لرجل باطني مرتد مغرور زعم أنه صاحب الرسالة الثانية، وأنكر ما علم بالضرورة من دين الإسلام من الصلاة ذات الحركات المعلومة، والزكاة ذات المقادير المعروفة، وادعى لنفسه ما حمل العلماء في الداخل والخارج على الحكم عليه بالزندقة، حتى قتله الله ردة سنة 1984، وإنما أبين تلك الأحكام لجمهور المسلمين ممن رضوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماماً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا:
أولاً: إن الإسلام يحث على تقوية الأجساد وبنائها البناء الحسن؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير) ويكون ذلك بالرياضات النافعة والمسابقات وغيرها من الوسائل الخالية من المخالفات الشرعية؛ خاصة إذا قصد بذلك التهيؤ للجهاد في سبيل الله عز وجل
ثانياً: قد علمنا يقينا أن النبي عليه الصلاة والسلام حث على الرياضة النافعة وباشرها مع أصحابه؛ فسابق بين الخيل المضمرة والخيل التي لم تضمر، وسابق بين سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ورجل من الأنصار، وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد العزى وصرعه، كما في سنن أبي داود
ثالثاً: لا مانع من باب ممارسة الرياضة ترفيهاً عن النفس وترويحاً لها؛ مثلما سابق صلى الله عليه وسلم عائشة مرتين فسبقته مرة وسبقها مرة وقال لها: هذه بتلك.
رابعاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف) شامل للرجل والمرأة، وعليه فلا حرج على المسلمة في ممارسة الرياضة التي تُصح بدنها وتحفظ عافيتها وتدفع بها عن نفسها الأمراض التي يجلبها الخلود إلى الراحة والدعة
خامساً: ممارسة المرأة للرياضة مقيدة بالضوابط الشرعية في ألا تشتمل على محرم من كشف عورة أمام أجنبي أو اختلاط بأجانب أو تشبُّه بالرجال، وكذلك يجب على المرأة أن تجتنب الرياضة التي تخرجها عن طبيعتها الأنثوية وما تقتضيه من نعومة، كرياضة كمال الأجسام مثلاً، ولتعلم المرأة أن قانون الشرع قضى بأنه {ليس الذكر كالأنثى} والخروج على هذا القانون مضر بالرجل والمرأة معاً، إذا علمنا هذا فإن كرة القدم ليست من الرياضات المناسبة للمرأة لما يحدث فيها من عنف وإصابات
سادساً: هذا التحريم ليس خاصاً بالمرأة، بل كل رياضة يترتب عليها ضرر وأذى لإنسان أو حيوان فهي ممنوعة كتحريش الديكة على بعضها، ودفع المواشي إلى التناطح، ومصارعة الثيران والمصارعة الحرة والملاكمة ونحوها حرام، لما تحدثه من أضرار في حياة الإنسان أو الحيوان، فإن لم يكن في الملاكمة أو المصارعة ضرر بأحد الطرفين كانت مباحة، وكذلك تباح إن كان فيها تعويد الإنسان على القوة والقتال والدفاع عن النفس. هـ.
سابعاً: على المسلم أن يتخير من الرياضة ما كان أنفع لبدنه وأصح لجسده؛ وفي الحديث: كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة. رواه الطبراني، وصححه الألباني. وفي الحديث: علموا غلمانكم العوم. رواه أحمد، وحسنه الأرناؤوط.