- فإن الله عز وجل قد خلق لك اللسان أيها المسلم وامتن عليك بهذه النعمة العظيمة فقال سبحانه ]ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين( خلقها لك لتستعملها في طاعة الله وتستعين بها على ذكره وتبليغ أمره والنهي عما يكره جل جلاله ، ما خلق الله لك اللسان لتخوض به في الباطل، ولا لتستطيل به في أعراض الناس، ولا لتستعمله في حرب الله ورسوله، فمن فعل ذلك فقد بدل الله نعمة الله كفرا. هذا وإن من أعظم المعاصي التي وقع فيها ناس كثيرون استعمال الناس ألسنتهم في قول الزور وشهادة الزور والنطق بالباطل؛ فما هو الزور؟ وما هي شهادة الزور؟
- الزور الميل عن الحق، الزور كل باطل زور وزخرف، ومنه قوله تعالى ]تزاور عن كهفهم( ومدينة زوراء أي مائلة.
- من أنواع الزور التي تحرمها شريعة الإسلام:
- من أعظم الزور الشرك بالله؛ وذلك باتخاذ ند لله جل جلاله وصرف شيء من العبادة له، قال القرطبي رحمه الله تعالى: والزور أيضاً كل شيء يتخذ رباً ويُعبَد من دون الله؛ سُمِّيَ زوراً لأنه أُميل عن الحق. تفسير القرطبي 7/55 وقد قرن الله جل جلاله بين الشرك والزور حين قال ]فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور(
- ومن الزور أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم؛ قال سبحانه ]وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلماً وزوراً( وقال سبحانه ]وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا( ]وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون( ]وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئاً إدا(
- ومن الزور شهود أعياد المشركين ومجالس الباطل واللهو والغناء؛ قال أهل التفسير في قوله تعالى ]والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما( من الشهادة أو من المشاهدة، وقد اختلف في الزور على أقوال منها: الشرك ـ قاله الضحاك وابن زيد ـ والغناء ـ قاله مجاهد ـ والكذب ـ قاله ابن جريج ـ وأعياد المشركين ـ عن مجاهد أيضا ـ ومجالس الباطل ـ قاله قتادة، وقيل غير ذلك
- ومن الزور أن يكذب الإنسان في كلامه؛ ليجعل من الباطل حقاً ومن الخيال حقيقة؛ خاصة إذا كان الكذب على الله جل جلاله بتحليل ما حرم أو تحريم ما أحل ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون( أو كذباً على النبي صلى الله عليه وسلم بتقويله ما لم يقله، وقد قال عليه الصلاة والسلام {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}
- شهادة الزور، وهي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال، وقد حرمها الله U في كتابه بقوله I ]والذين لا يشهدون الزور( وشدد النبي صلى الله عليه وسلم في أمرها؛ كما في حديث أبي بكرة t {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين ـ وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت} متفق عليه، قال ابن حجر رحمه الله في قوله {وكان متكئاً فجلس} بأنه صلى الله عليه وسلم اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً، ويفيد ذلك تأكيد تحريم الزور وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرها؛ فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعاً، بل لكون مفسدة لزور متعدية إلى غير الشاهد، بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالباً.ا.هــ وفي حديث أبي هريرة t {من شهد على مسلم شهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار} رواه أحمد، عن أيمن بن خزيم الأسدي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال {أيها الناس، عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله} ثم قرأ صلى الله عليه وسلم ]فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور( قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: إن شاهد الزور قد ارتكب عظائم: أحدها الكذب والافتراء، وثانيها أنه ظلم الذي شهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله وعرضه وروحه أحياناً، وثالثها أنه ظلم الذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته فوجبت له النار، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم {من قضيت له من مال أخيه بغير حق فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار}، رابعها أنه أباح ما حرم الله تعالى، وعصمه من المال والدم والعرض.ا.هــ وكان عمر بن الخطاب t يجلد شاهد الزور أربعين، ويسخِّم وجهه، ويحلق رأسه، ويطوف به في السوق. قال أكثر أهل العلم: ولا تقبل له شهادة أبدا. تفسير القرطبي 13/80
- ومن الزور أن يتشبع الإنسان بما لم يعط، فيدعي ما ليس له من علم أو مال أو جاه أو رئاسة، فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله أقول: إن زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور}
- ومن الزور أن يظاهر الرجل من امرأته فيشبهها ببعض محارمه؛ قال سبحانه ]الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزورا وإن الله لعفو غفور(
- ومن الزور أن تتصنع المرأة الجمال ـ لا لزوجها ولا إحساناً للتبعل له، بل للتلبيس والتدليس على غيره ـ فعن سعيد بن المسيَّب رحمه الله تعالى قال: قدم معاوية لمدينة فخطبنا وأخرج كبة من شعر؛ فقال: ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور.
- ومن الزور أن يفتري أحد الزوجين على صاحبه عند وقوع الخلاف بينهما؛ فيقول الزوج في امرأته ما ليس فيها، وينسب إليها من المعايب والمثالب ما يعلم يقيناً أنها منه براء، وكذلك تصنع الزوجة حين تسلب زوجها فضائله وتقول فيه ما ليس فيه