كيف ينال العبد رحمة ربه؟ عرفنا ربنا بطرق ننال بها رحمته، ومن ذلك:
أولاً: الإيمان والهجرة والجهاد )إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم( فاحرص أيها الموفق على أن تزداد إيماناً في هذا الشهر المبارك بكثرة الجلوس في حلق الذكر ومجالس العلم والتفكر في نعم الله وآلائه، والنظر في آيات كتابه، والدعاء لإخوانك المجاهدين في كل مكان
ثانياً: الاستماع إلى القرآن الكريم {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} ففي قراءته وتلاوته يزداد الإيمان، ويدل على ذلك قول الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} وكذلك تدبره ففيه أعظم النفع لزيادة الإيمان، قال ابن القيم رحمه الله: قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وفهم، وأنفع للقلب وأدعى لحصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن. ا.هــــ
ثالثاً: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة رسول الله صلى الله علـيه وسلم {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}
رابعاً: الاستغفار )لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون( أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار )واستغفر الله إن كان غفوراً رحيما( )فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات( )فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا( وكذلك الأنبياء عليهم السلام؛ فهذا داود عليه السلام يقول الله عنه )وظن داود أنما فتناه فاستغفر به وخر راكعاً وأناب( وكذلك سليمان عليه السلام يقول الله عنه )ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب( وهكذا موسى عليه السلام يقول )رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له( وكذلك كل نبي دعا قومه إلى الاستغفار؛ فهذا نبي الله هود عليه السلام يقول لقومه )ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين( ونبي الله صالح عليه السلام يقول لقومه )يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب( ونبي الله شعيب عليه السلام يقول لقومه )ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ! واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود( وكذلك الصالحون من عباد الله دأبهم الاستغفار؛ فهم يقولون )ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار( ويقولون )ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين( ويقولون )أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين( ويقولون )إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين(
وقد وعد ربنا جل جلاله بقبول الاستغفار إذا استوفى شروطه، ولو كان من أعظم الذنوب وهي الشرك بالله عز وجل فقال سبحانه )قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف( وقال سبحانه )كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين ! أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ! خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ! إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم(
والاستغفار سبب لكل خير في الدنيا والآخرة؛ فهو مانع من نزول العذاب )وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون( )وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا( وهو سبب لاستجلاب الرحمة والإمداد بالأموال والبنين )فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ! يرسل السماء عليكم مدرارا ! ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا( وفي الحديث القدسي {يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} ويقول النبي r {من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب}
علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن يختم أحدنا يومه بالاستغفار وذلك إذا أوى إلى فراشه، وعند حدوث الذنب كما في حديث علي رضي الله عنه قال: كنت رجلاً إذا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله بما شاء أن ينفعني؛ وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر؛ ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ )والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم( وأمرنا بالاستغفار إذا كسفت الشمس، وأمرنا بالاستغفار إذا أمسكت السماء مطرها، وكان يستغفر عليه الصلاة والسلام لمن مات من أصحابه {استغفروا لصاحبكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل} {اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين} {من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ـ ثلاثاً ـ غفر له وإن كان فرَّ من الزحف}
خامساً: رحمة خلق الله عز وجل {إنما يرحم الله من عباده الرحماء} إن واجباً على المسلم أن يرحم الله خلق الله جميعاً، من الإنس وغيرهم؛ وأولى الناس بالرحمة منه أهل بيته؛ فيشبعهم ويكسوهم ويسكنهم، ويقودهم إلى الجنة ويعرفهم سبلها وأبوابها؛ بل يرحم الحيوان البهيم؛ ففي الصحيحين يحكي النبي صلى الله عليه وسلم خبر الرجل الذي سقى كلباً فشكر الله له فغفر له، وخبر البغي من بغايا بني إسرائيل التي سقت كلباً فغفر لها به، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما خبر المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض
سادساً: الإحسان )إن رحمة الله قريب من المحسنين( وفي ذلك جملة من النصوص:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله e قال {بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه، حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ} متفقٌ عليه. وفي روايةٍ للبخاري: فشكر الله له، فغفر له، فأدخله الجنة. وفي روايةٍ لهما: {بينما كلبٌ يُطيف بركيةٍ قد كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به، فسقته فغفر لها به} الموق: الخف. ويطيف: يدور حول ركيةٍ وهي البئر.
2- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين رواه مسلم. وفي رواية: مر رجلٌ بغصن شجرةٍ على ظهر طريقٍ فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة. وفي رواية لهما: بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ وجد غصن شوكٍ على الطريق، فأخره فشكر الله له، فغفر له.
3- عن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول {ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمانٌ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فمن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ} متفقٌ عليه.
4- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {على كل مسلمٍ صدقةٌ، قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقةٌ} متفقٌ عليه.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول إلى كل البشر، لكن عنايته الخاصة كانت للمساكين، يقف معهم، يرحمهم، يرفع من شأنهم، يعلمهم، يعيش مأساتهم وظمأهم وجوعهم ودموعهم، وقد أنزل الله عليه في القرآن )ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه( وكان يقول {إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم} وصحَّ عنه أنه كان يدعو فيقول {اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين} وكان يزور عجائز المدينة، ويجيب دعوة من دعاه، ويدني رأسه لمن استوقفه
الإيمان والهجرة والجهاد، إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول صلى الله علـيه وسلم، الاستماع إلى القرآن الكريم، الاستغفار، رحمة خلق الله، الإحسان إلى الناس