خطب الجمعة

طلب حمدوك فرض الوصاية الأممية

خطبة يوم الجمعة 19/6/1441 الموافق 14/2/2020

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. أما بعد

  • فإن أهل الإسلام في هذه البلاد قد فجعوا ثانية – بعد فجيعتهم الأولى بزيارة رئيس المجلس السيادي لأوغندا ولقائه رئيس وزراء الصهاينة – بفاجعة هي أشد وأنكى، وذلك حين سُرِّب خطابٌ موجه من رئيس الوزراء يطلب فيه إلى الأمين العام للأمم المتحدة إخضاع السودان للوصاية الدولية؛ وذلك بإرسال بعثة سياسية يكون من مهامها الإشراف على مراقبة تنفيذ الوثيقة الدستورية وإصلاح المنظومة العدلية ووضع دستور للبلاد، وإتمام العملية السلمية.. الخ ما ورد في ذلك الخطاب الذي يشكل سابقة لا مثيل لها؛ حيث يطلب رئيس وزراء حكومة انتقالية في بلد مستقلة وضع بلده تحت الوصاية الدولية بطوعه واختياره، ولا حول ولا قوة إلا بالله
  • أيها المسلمون عباد الله: إن الله تعالى يقول في كتابه الكريم {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} ويقول جل من قائل {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} فما هي هيئة الأمم المتحدة؟ وماذا يترتب على دخولها إلى هذه البلاد؟ وهل يسوغ لرئيس الوزراء أن يتصرف مثل هذا التصرف دون استشارة لأحد وكأن البلاد ميراث خاص به؟
  • إن هيئة الأمم المتحدة قد تعدى شرها إلى المسلمين في كل مكان، وصارت أداة بأيدي اليهود والصليبيين لإذلال المسلمين والإساءة إليهم والاعتداء على حقوقهم، ثم إن كثيراً من ضعاف العقول يؤمِّلون فيها خيراً وينتظرون منها براً وقسطاً، ولنتأمل بعض الحقائق عن تلك الهيئة المشئومة.
  • جاء في ديباجة ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي تلخص أبرز مبادئها وأهدافها “نحن شعوب الأمم المتحدة قد قطعنا على أنفسنا عهداً أن نجنِّب الأجيال القادمة ويلات الحرب، وأن نعمل على إيجاد تعاون اقتصادي واجتماعي بين دول العالم، بأسلوب يرتفع بمستويات الحياة الكريمة للجميع، ويحفظ السلم للجميع، ويفضّ المنازعات بالوسائل السلمية”
  • والسؤال الذي يطرح نفسه أيها المسلمون: أين هي الأمم المتحدة من هذا العهد الذي قطعته على نفسها؟ وأين الدول الكبرى التي شكَّلت هذه المنظمة؛ لتقود بها العالم بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، التي كبَّدت البشرية أكثر من عشرين مليوناً من القتلى؟ إنه بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، وتحديداً من عام 1945م إلى 1989م نشبت 138حرباً نتج عنها خسائر بشرية قدرت بنحو 23 مليون نسمة، واستهلكت في الفترة من سنة 1970م وحتى 1989م أسلحة تقليدية قدرت بنحو 388 مليار دولار، والأمم المتحدة تقف عاجزة أحياناً ومتعاجزة أحياناً أخرى في مواجهة الخراب الدولي، الذي استخدم فيه الفيتو نحو 79 مرة في مجلس الأمن
  • ثم أين العهد الذي قطعته على نفسها بأن تعمل على إيجاد تعاون اقتصادي واجتماعي بين دول العالم؟ إن الأمم الضعيفة تشكل أربعة أخماس سكان الأرض تقريباً، ولكنها تستهلك خمس الاستهلاك العالمي تقريباً، أما خمس سكان العالم من دول الشمال، فإنه يحوز أربعة أخماس الإنتاج والاستهلاك العالمي!
  • إن هذه الهيئة قد نظمت العلاقة داخلها بين أطراف رأس المال الدولي المنتصرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الأطراف هي التي حق النقض (الفيتو) التي تتميز بها حكومات الاحتكارات الدولية الرئيسية أما الدول الأخرى أو الحكومات الأخرى في الأمم غير المتحدة، فهي محكومة بعلاقات دولية ظالمة ومحكمة، حيث لا تستطيع تغيير أوضاعها البائسة إلا برضاً من المنظومة الدولية الحاكمة المتحكمة، فهناك خطوط ممنوع عليها تجاوزها، وإلا وقعت تحت طائلة أقسى العقوبات، خطوط سياسية واقتصادية وجغرافية وتقنية بل وثقافية، خطوط تتحكم في جميع مكونات حياتها، ومع هذا أعطوها حق العضوية في هيئة (الأمم المتحدة)؛ في حين أن هذه العضوية مجرد (هيئة) لأمم هي في حقيقتها أمم مستذلة وليست مستقلة لأنها غير متحدة، والتي تشكل أقطار العالم الإسلامي الغالبية العظمى منها
  • إن الدول الخمس الكبار التي تشكل العضوية الدائمة في تلك الهيئة الظالمة ليس فيها دولة مسلمة واحدة، أو دولة تريد خيراً للمسلمين، فالصين وروسيا ملحدتان، وإنجلترا وفرنسا صليبيتان استعماريتان، والولايات المتحدة قد اجتمع فيها من الشر ما تفرق في غيرها من كبر وعتو وظلم وفساد وحب للاعتداء وتعلُّق بديانة باطلة وعقيدة محرفة، وإذا كان الواقع هو أفصح الأدلة في إظهار الحقائق، فإن واقع الإجماع الأُممي بقيادة تلك الدول على إضعاف العالم الإسلامي يبدو الحقيقة الأبرز مثولاً والأكثر بروزاً في واقعنا المعاصر، وإلا فبالله كيف نفسر بقاء العالم الإسلامي المكون من أكثر من ثمانين دولة (جُلها أعضاء في الأمم المتحدة) محروماً تحت مظلتها من أي وزن أو ثقل عالمي مؤثر: سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً أو إعلامياً؟! هذا العالم الذي يضم أكثر من ربع سكان الأرض، ويتحكم في أغنى وأهم وأخطر مناطق الدنيا، والذي يشغل مساحات واسعة تزيد على أربعين مليون كيلو متر مربع، ممثلاً بذلك أكثر من ربع اليابسة، هذا العالم المؤهل للسيطرة على أهم مراكز النشاط والاتصال بين القارات الثلاث المهمة: آسيا وأوروبا وإفريقيا ؛ لإشرافه على طرق الملاحة المهمة فيها، ومع ذلك فإن هذه الدول الثمانين (من ضمن 180 دولة عضواً في الأمم المتحدة) لا تمثل مجتمعة في عالم اليوم وهي تزيد بسكانها على المليار نسمة القوة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو حتى الخامسة بل كلها في عداد ما يسمى (العالم الثالث) أو (العالم النامي) وهو اصطلاح مهذب يقصد به أصلاً: (العالم المتخلف) فإن قال قائل: هذا الواقع الذي تتحدث عنه صحيح، ولكن مسؤوليته لا تقع على دول التآمر الخارجي فحسب، بل على التخاذل والتخلف الداخلي في جلّ بلاد المسلمين كذلك، قلنا : نعم، ولكن: من الذي أنشأ وطور وحافظ على تلك الأوضاع الداخلية الشائنة والضامنة لمصالح قوى الاستعباد الكبرى؟ من الذي زرع الوهن وغرس التبعية وجند الأتباع وبث الفرقة عبر سنين من الاستعمار العسكري المباشر، وسنين أخرى من الانتداب ثم الوصاية ثم الحماية، ثم أخيراً الشرعية الدولية والأمم المتحدة؟! صحيح، ما أصدق قول الله {َإنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواً مُّبِيناً}
  • إن سجل هذه الهيئة الظالمة في إلحاق الضرر بالأمم جميعاً ـ سوى الأمم القوية ـ حافل بالإجرام، ومن ذلك:
  • بعد شهرين فقط من توقيع ميثاقها، وبالتحديد في 6، 9/ أغسطس 1945 قامت الولايات المتحدة بإلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان!!
  • شكلت بعد تلك المأساة (لجنة الطاقة النووية) فما هي حصيلة عملها؟ تمليك السلاح النووي الدول الكبرى، بل غيرها كالهند وجنوب إفريقيا وإسرائيل، أما الدول المسلمة فويل لها إن فكرت فضلاً عن أن تسعى أو تدبر!!
  • كانت عصبة الأمم ومن بعدها وريثتها هيئة الأمم هي المنشئة الحقيقية للوطن القومي لليهود في فلسطين، وذلك بإخضاعها للانتداب البريطاني، لكي يُجهّزها موطناً دائماً لعصابات الصهاينة، وكذلك تبنت عصبة الأمم وعد (بلفور)، وحولته من وعد نظري فردي إلى سياسة عملية جماعية، أسبغت عليها مقررات العصبة (شرعية دولية)، ثم كانت النقلة إلى حالة الدولة، وتحقق ذلك عندما اقترحت لجنة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في إبريل سنة 1947م تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين، إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية، مع إبقاء القدس تحت نظام دولي خاص، وهو ما وافقت عليه على الفور الوكالة اليهودية، التي كانت بمثابة دولة لليهود قبل مرحلة الدولة، أما عرب فلسطين وباقي الدول العربية فقد رفضوا الاقتراح، ولكن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرته مع ذلك في 29 نوفمبر عام 1947م، وبهذا أعطت تلك الجمعية لنفسها لأول مرة حق تقرير مستقبل شعب ومصير إقليم دون استفتاء ذلك الشعب أو الرجوع إليه
  • صدرت عن الأمم المتحدة قرارات كانت بمثابة حبر على ورق، ومنها قرار صدر عام 1975 يدين الصهيونية عن الجمعية العامة يدين (الصهيونية) ويعدها نوعاً من العنصرية، وقد وقفت خلف القرار الدول العربية والإسلامية والمتعاطفة معها، ولكن وكما هو متوقع رفضت الولايات المتحدة القرار، وهددت بقطع الأموال عن مؤسسات الأمم المتحدة إذا لم تلغه، ومن القرارات المرشحة للحاق بقرار إدانة الصهيونية: القرار (194) (خاصة الفقرات الضامنة لحق اللاجئين في العودة، والقرار (237) الخاص بعودة النازحين، والقرارات المراعية لوضع القدس الخاص، والقرارات التي تدين الاستيطان، فماذا بقي؟!! إنه لم يبق إلا الخنوع (لشريعة) الولايات المتحدة بعد طول الخضوع لـ (شرعية) الأمم المتحدة!
  • موقف الأمم المتحدة من قضية المسلمين في البوسنة والهرسك، لقد كانت الأمم المتحدة وراء قرار حظر تصدير السلاح إلى جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابق، ذلك القرار الذي لم يطبق في الواقع إلا على جمهورية البوسنة والهرسك، التي كانت تتعرض وحدها لحرب الإبادة والتدمير على مدى ثلاث سنوات، أما صربيا: فقد ورثت الترسانة العسكرية الكبيرة للجيش اليوغسلافي السابق، وأما كرواتيا فقد أظهرت أحداث سقوط (كرايينا) مؤخراً أنها لم تتأثر أبداً بالحظر الصوري عليها، فالحظر كان فعالاً ومحكماً فقط على البوسنيين المسلمين بأمر الأمم المتحدة، وظل أمينها يردد بمناسبة وغير مناسبة: أن رفع الحظر عن المسلمين لن يحل المشكلة، بل سيطيل أمد الحرب!! فعبّر بذلك عن رغبة منظمته في تصفية الوجود الإسلامي في أقصر وقت ممكن، وتعللت الأمم المتحدة في عدم تدخلها الجاد لوقف الحرب بأنها حرب أهلية، متنكرة للحقيقة الواضحة التي تتمثل في قيام دولة ظالمة بالاعتداء على دولة أخرى مجاورة ومستقلة.
  1. أيها المسلمون عباد الله: إننا نجد حروباً تشن على المسلمين في كل مكان، ولم يجد المسلمون من تلك الهيئة نصراً ولا عزماً، بل الخذلان والبهتان، نجد حربا تشن ضد المسلمين في بورما!! ويباد مسلمو الروهينجا من قبل البوذيين الوثنيين تحت سمع العالم وبصره ولا بواكي لهم!! ويتسلط على المسلمين في إريتريا حاكم فاجر ظالم صليبي ماكر يسوم المسلمين سوء العذاب ولا بواكي لهم!! وكذلك يفعل بالمسلمين الأوجور في التركستان الشرقية على يد الصينيين الملاحدة!! ومثله يفعل بالمسلمين في فلسطين على يد اليهود الذين غضب الله عليهم ولعنهم، وأما أعداء الله الرافضة فإن لهم اليد الطولى في هذا المكر الكبار في زماننا حيث يبيدون أهل السنة في إيران والعراق وسوريا تحت سمع العالم وبصره، بل ويُعقد الحلف غير المقدس بين الصليبية العالمية والرافضة، مستعيدين سيرة ابن العلقمي ونصير الكفر الطوسي وغيرهم من خونة الرافضة وغداريهم، وعدو الله حاكم روسيا لا يبالي بأن يضحك ممن صدقوه بأنه قادم إلى بلاد الشام من أجل حرب الإرهاب؛ فيصب حممه ونيرانه على المسلمين في حلب، لا ينجو منها طفل رضيع ولا شيخ كبير ولا امرأة عجوز، ولا يسلم من نيرانه مشفى ولا ملجأ ولا متجر، وحق للقائل أن يقول:

إني تذكرت والذكرى مؤرقة مجداً تليداً بأيدينا أضعناه

ويح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يحكمنا شعب ملكناه

كنا أسوداً ملوك الأرض ترهبنا والآن أصبح فأر الدار نخشاه

يا من رأى عمر تكسوه بردته والزيت ادم له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من بأسه وملوك الروم تخشاه

استرشد الغرب بالماضي فأرشده ونحن كان لنا ماض نسيناه

إنا مشينا وراء الغرب نقتبس من ضيائه فأصابتنا شظاياه

بالله سل خلف بحر الروم عن عرب بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا

وانزل دمشق وخاطب صخر مسجدها عمن بناه لعل الصخر ينعاه

وطف ببغداد وابحث في مقابرها عل امرءاً من بني العباس تلقاه

أين الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداد تحداه

هذي معالم خرس كل واحدة منهن قامت خطيباً فاغراً فاه

الله يشهد ما قلبت سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه

متى دخلت الأمم المتحدة بلداً فأصلحت شأنه أو حقنت دماء أهله؟ سلوا البوسنة والهرسك في القديم، وسلوا الصومال وإفريقيا الوسطى في الحديث، وسلوا ليبيا في أيامنا هذه، تجدوا الجواب واضحا

إن من السذاجة أن ننتظر من أعدائنا أن يحنوا علينا ويرفقوا بنا، وأن مكرهم وتحالفهم وتكالبهم لا يقلق المؤمن الواعي {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ}

أيها المسلمون عباد الله: إن حكومة يحمل أغلب أعضائها جوازات أجنبية لن يبالي رئيس وزرائها بأن يورط البلاد والعباد في أتون معارك تأكل الأخضر واليابس، وتفقد البلد استقلاله وأهله تماسكهم، وإن واجباً على كل حادب على مصلحة البلاد والعباد أن ينكر هذا المنكر، ويكف هذا الشر قبل أن يستفحل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى