الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. أما بعد.
فإن في سورة البقرة سرداً طويلاً لأخبار بني إسرائيل قصها الله علينا عظة وعبرة؛ {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى} إن ربنا تبارك وتعالى حين يخاطب بني إسرائيل ناهياً إياهم عن قول أو فعل، أو آمراً بقول أو فعل؛ فإنما يريد لنا معشر أهل الإسلام أن نعتبر بذلك ونتعظ لا أن نحكيها قصصاً، غافلين عن العبرة التي من أجلها سيقت، وقد مضى معنا الكلام في أن الله تعالى أمر بني إسرائيل بثلاثة أوامر :
أولها: بأن يذكروا نعمته ولا يكفروها؛ وثانيها: أن يوفوا بعهده جل جلاله ولا ينقضوه، وثالثها: أن يرهبوه ويخافوه ويخشوه، وقد كان دأب بني إسرائيل كان دأبهم دائماً نقض تلك العهود وكفر نعمة الله عليهم، والتحايل على الحرام بأدنى الحيل.
وقد تبع ذلك أن يأمرهم جل جلاله بثلاثة أخرى فقال سبحانه {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ، وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ، وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} أمرهم بالأمر الخاص، الذي لا يتم إيمانهم، ولا يصح إلا به فقال: {وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ} وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان به، واتباعه، ويستلزم ذلك، الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} أي: موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب، غير مخالف لها; فلا مانع لكم من الإيمان به، لأنه جاء بما جاءت به المرسلون، فأنتم أولى من آمن به وصدق به، لكونكم أهل الكتب والعلم. وأيضا فإن في قوله: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به، عاد ذلك عليكم، بتكذيب ما معكم، لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم.
وأيضا، فإن في الكتب التي بأيدكم، صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به، كذبتم ببعض ما أنزل إليكم، ومن كذب ببعض ما أنزل إليه، فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول، فقد كذب الرسل جميعهم.
والقرآن الكريم مصدِّق لما قبله؛ لأن أصول الأنبياء – عليهم السلام – واحدة في العقائد والعبادات والأخلاق
أما العقائد فكل الأنبياء دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال سبحانه {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}
وأما في العبادات فكل الأنبياء كان مقيماً للصلاة مؤدياً للزكاة؛ وقد أمروا أقوامهم بذلك؛ فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} ويدعو ربه فيقول: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} وهذا ولده نبي الله إسماعيل عليه السلام {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} وهؤلاء ذريته وأتباعه يقول الله عنهم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} وهذا روح الله عيسى عليه السلام يقول عن نفسه: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} وهذا الحكيم لقمان عليه السلام يقول لولده: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أما بنو إسرائيل الذين يتوجه الخطاب إليهم؛ فإن الله تعالى بين أن العبادة هي أساس الدين عندهم مع حسن الخلق وأداء الحقوق؛ كما قال سبحانه {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقال سبحانه {وإذ أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتهم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم} وقال سبحانه {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
وأما الأخلاق فكل الأنبياء جاء آمراً بالأخوة والإحسان والإصلاح بين الناس والألفة والأمانة وبر الوالدين والتعاون على البر والتقوى وتفريج الكربات وتعظيم الحرمات والتواضع والتوسط والتيسير وحسن السمت وحسن المعاشرة وحسن المعاملة والحلم والحياء والرحمة والرأفة والرضا والستر والسماحة والشجاعة والشفقة والشكر والصدق والصفح وصلة الرحم والعزة والعطف والعفو والكرم وكظم الغيظ والمحبة والمروءة والمسارعة إلى الخيرات والورع والوفاء والوقار واليقين
فلما أمرهم بالإيمان به، نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أي: بالرسول والقرآن.
وفي قوله: {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أبلغ من قوله: {ولا تكفروا به} لأنهم إذا كانوا أول كافر به، كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به، عكس ما ينبغي منهم، وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم.
ثم ذكر المانع لهم من الإيمان، وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا} وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل، التي يتوهمون انقطاعها، إن آمنوا بالله ورسوله، فاشتروها بآيات الله واستحبوها، وآثروها.
{وَإِيَّايَ} أي: لا غيري {فَاتَّقُونِ} فإنكم إذا اتقيتم الله وحده، أوجبت لكم تقواه، تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل، فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم.
إن نبينا صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا أروع المثل في القيام بهذا الدين والجهر به في وجوه المكذبين؛ فحين عرض عليهم عمه أن يربع على نفسه وأن يرفق بها وبه؛ صدع صلى الله عليه وسلم بكلمة الحق “والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري عن أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه” وكذلك أبو بكر رضي الله عنه “والله لو منعوني عناقاً أو عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، أينقص الدين وأنا حي؟” ومن بعده أئمة صالحون وعلماء مهتدون يقولون بالحق وبه يعدلون. وهذه بعض الأمثلة:
- حج سليمان بن عبد الملك فوافى طاووس بمكة. فقيل لطاووس: “حدِّث أمير المؤمنين”. فقال طاووس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه) قال الفضل بن سليمان: فرأيت سليمان بن عبد الملك قد تغير وجهه.
- مر سليمان بن عبد الملك بالمدينة – وهو يريد مكة – فأقام بها أياما، فقال: هل بالمدينة أحد أدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل له: أبو حازم، فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا عرفتك قال: فالتفت إلى محمد بن شهاب الزهري وقال: أصاب الشيخ وأخطأت. قال سليمان: يا أبا حازم، مالنا نكره الموت؟ قال لأنكم أخربتم الآخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب. قال: أصبت يا أبا حازم. فكيف القدوم غداً على الله تعالى؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه فبكي سليمان وقال: ليت شعري مالنا عند الله؟ قال: أعرض عملك على كتاب الله. قال: وأي مكان أجده؟ قال: (إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم) ، قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ قال: قريب من المحسنين. قال له سليمان: يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم؟ قال: أولو المروءة والنهي. قال سليمان: فأي الأعمال أفضل. قال أبو حازم: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم. قال سليمان: فأي الدعاء أسمع؟ قال: دعاة المحسن إليه للمحسن. قال: فأي القول أعدل؟ قال: قول الحق عند من تخافه أو ترجوه. قال: فأي المؤمنين أحمق؟ قال: رجل انحط في هوى أخيه وهم ظالم فباع آخرته بدنيا غيره. قال له سليمان: أصبت، فما تقول فيما نحن فيه؟ قال: يا أمير المؤمنين أو تعفيني؟ قال سليمان: لا. ولكن نصيحة تلقيها إلى. قال: يا أمير المؤمنين، إن آباءك قهروا الناس بالسيف، وأخذوا هذا الملك عنوةً على غير مشورة من المسلمين ولا رضاهم، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، فقد ارتحلوا عنها، فلو شعرت ما قالوا وما قيل لهم فقال رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم. قل: كذبت. إن الله أخذ العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه. قال له سليمان: اصحبنا يا أبا حازم. قال: أعوذ بالله من ذلك. قال: ولم ذاك؟ قال: أخشى أن أركن إليكم شيئاً قليلاً فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات. قال له سليمان: ارفع إلينا حاجتك؟ قال: أن تدخلني الجنة وتجيرني من النار. قال: ليس ذاك إلي. قال له أبو حازم: فما لي إليك حاجة غيرها. قال: فادع لي. قال أبو حازم: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة، وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى
- عمل أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الناصر الأموي في بعض سطوح الزهراء قبة بالذهب والفضة وجلس فيها، ودخل الأعيان فجاء منذر بن سعيد البلوطي، فقال له الخليفة كما قال لمن قبله: هل رأيت أو سمعت أن أحداً من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا؟ فأقبلت دموع القاضي تتحدر. ثم قال: والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ أن أنزلك منازل الكفار. قال لم؟ فقال: قال الله عز وجل: (ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبواباً وسروراً عليها يتكئون وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين). فنكس الناصر رأسه طويلا، ثم قال: جزاك الله عنا خيراً وعن المسلمين، الذي قلت هو الحق، وأمر بنقض سقف القبة.
- دخل هارون الرشيد على العبد الصالح الفضيل بن عياض –رحمه الله- فلما لامست كفه كفه قال الفضيل: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غداً من عذاب الله. ثم قال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا عليَّ، فعدَّ الخلافة بلاءً، وعددتها أنت وأصحابك نعمةً. فقال له سالم: إن أردت النجاة، فصم عن الدنيا وليكن إفطارك منها الموت، وقال له ابن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أباً، وأوسطهم أخاً، وأصغرهم ولداً، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك. وقال له رجاء: إن أردت النجاة من عذاب الله، فأحب للناس ما تحب لنفسك، وأكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت، وإني أقول لك هذا وإني أخاف عليك أشد الخوف يوماً تزل فيه الأقدام، فهل معك –رحمك الله- من يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى هارون بكاءً شديداً حتى غشي عليه. فقال له الفضل بن الربيع: أرفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا؟ ثم أفاق هارون فقال له: زدني يرحمك الله. قال: بلغي أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكي إليه، فكتب إليه عمر: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم عليه. فقال: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لن أعود إلى ولاية حتى ألقى الله. فبكى هارون بكاءً شديداً. فقال: يا أمير المؤمنين. إن العباس عم النبي e جاء إليه فقال: أمرني. فقال له: إن الأمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت ألا تكون أميراً فافعل، فبكى هارون وقال: زدني: فقال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح لهم غاشاً لم يرح رائحة الجنة). فبكى هارون وقال له: عليك دين؟ قال: نعم. دين لربي، لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قال: إنما أعنى من دين العباد. قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أصدق وعده، وأطيع أمره. قال عز وجل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فقال: هذه ألف دينار خذها. فأنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادة ربك. فقال: سبحانك الله أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا. سلمك الله وفقك، ثم صمت.