1/ إن لله عز وجل في هذا الكون أولياء عاملون بطاعته، مخلصون في عبادته، ساعون في مرضاته، دعاة إلى دينه بأحوالهم قبل أقوالهم، يسارعون إلى مغفرة من ربهم، إن سألوا الله أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن استهدوه هداهم، وإن استنصروه نصرهم، وهؤلاء هم من قال الله فيهم {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} هؤلاء الأولياء ليس لهم جنس يعينهم، ولا لون يخصهم، ولا ثياب تميزهم، ولا قبائل تضمهم، ولا شارة يعرفون بها من بين الناس، لكن الإيمان والتقوى شعارهم ودثارهم، والعمل بطاعة الله لحمتهم وسداهم
2/ من عادى هؤلاء الأولياء فهم محارب لله تعالى، فإن في أرض الله أعداء له ولأوليائه، ساعون بالفساد في الأرض آمرون بالمنكر ناهون عن المعروف مسارعون في المعاصي منبعثون للقبائح، منهم أكلة الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} ومنهم قطاع الطريق المظهرون للفساد {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
3/ أولياء الله تعالى يحافظون على الفرائض ويكثرون من النوافل، وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال: (قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب؛ وما تقرَّب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه}
4/ قال الحافظ رحمه الله تعالى: وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره إلخ؟ والجواب من أوجه:
- أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل، والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح.
- ثانيها أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني، ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به.
- ثالثها المعنى أحصل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره إلخ.
- رابعها كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه.
- خامسها قال الفاكهاني وسبقه إلى معناه ابن هبيرة: هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف، والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل استماعه، وحافظ بصره كذلك إلخ.
- سادسها قال الفاكهاني: يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله، وهو أن يكون معنى سمعه مسموعه، لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملى بمعنى مأمولي، والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي ورجله كذلك، وبمعناه قال ابن هبيرة أيضا. وقال الطوفي: اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته، حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها؛ ولهذا وقع في رواية {فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي} وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: فمتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى، محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق، نطق بالله، وإن سمع، سمع به، وإن نظر، نظر به، وإن بطش، بطش به.ا.هــــ
4/ من هؤلاء الأولياء المتقون الذين استجاب الله دعاءهم:
- في الصحيح أن الربيع بنت النضر كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش، فأبوا، فطلبوا منهم العفو، فأبوا، فقضى بينهم رسول الله r بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فرضي القوم، وأخذوا الأرش، فقال رسول الله r {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره}
- وفي صحيح الحاكم عن أنس t عن النبي r قال {كم من ضعيف متضعَّف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك} وأن البراء لقي زحفاً من المشركين، فقال له المسلمون: أقسم على ربك، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، فمنحهم أكتافهم، ثم التقوا مرة أخرى، فقالوا: أقسم على ربك، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقتني بنبيك r فمنحوا أكتافهم، وقتل البراء.
- وروى ابن أبي الدنيا بإسناد له أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد: اللهم إني أقسم عليك أن أقتل، فأدخل الجنة، فقتل، فقال النبي r {إن النعمان أقسم على الله فأبره}
- وروى أبو نعيم بإسناده عن سعد: أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد: يا رب، إذا لقيت العدو غدا، فلقني رجلاً شديداً بأسه، شديداً حرده أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا، قلت: يا عبد الله، من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت، قال سعد: فلقد لقيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط.
- وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة، فكذب عليه رجل، فقال: اللهم إن كان كاذبا، فاعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، فأصاب الرجل ذلك كله، فكان يتعرض للجواري في السكك ويقول: شيخ كبير، مفتون أصابتني دعوة سعد!!
- ودعا على رجل سمعه يشتم عليا t فما برح من مكانه حتى جاء بعير نادّ، فخبطه بيديه ورجليه حتى قتله!!
- ونازعت امرأة سعيد بن زيد في أرض له، فادعت أنه أخذ منها أرضها، فقال: اللهم إن كانت كاذبة، فاعم بصرها، واقتلها في أرضها، فعميت، وبينا هي ذات ليلة تمشي في أرضها إذ وقعت في بئر فيها، فماتت!!
- وكان العلاء بن الحضرمي في سرية، فعطشوا فصلى فقال: اللهم يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاسقنا غيثاً نشرب منه ونتوضأ، ولا تجعل لأحد فيه نصيباً غيرنا، فساروا قليلاً، فوجدوا نهراً من ماء السماء يتدفق فشربوا وملئوا أوعيتهم، ثم ساروا فرجع بعض أصحابه إلى موضع النهر، فلم ير شيئا، وكأنه لم يكن في موضعه ماء قط!!