1/ فإن الله تعالى خلق الناس وهم متساوون من حيث الخلقة يرجعون إلى أب واحد وأم واحدة {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بتقوى الله)
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم شرف يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه وللرجال على الأفعال أسماء
وضد كل امرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء
وهم مختلفون ألواناً وألسنة؛ حيث وردت آيات تترا تبيِّن وجود تنوع عرقي وقبلي ولُغوي، وجعل ذلك سبباً لتحقيق التواصل والتعارف الإنْسانييْن؛ وأنه لا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف الطبيعي الضروري من دواعي الصراع والتضاد، وفي هذا يقول الله تعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} فهذا النص يقرر بجلاء سُنة اجتماعية سارية ومطردة في البشر، مفادها: أن الأصل في الأمم والجماعات والأفراد التنوُع والتعدد والاختلاف، وأن العلة في خلق الناس على هذا النحو، هي تحقيق التعارف بينهم، الذي يُعدُ مدخلاً لحصول التكامل والتضامن والائتلاف البشري.
وبهذا المعنى لا يوجد في نظر الشرع جنس راقٍ ابتداءً (أي خلْقاً وإنشاءً)، وآخر وضيع (طبعاً وسجيةً)، فالجميع عند الله سواء، ولا تفاضل بين الأجناس والقوميات إلا بما يقدِّمه كل فصيل من عمل صالح وجهد نافع لذاته ولغيره {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
وإذا كان هذا التواصل والتلاقح والتثاقف مطلوباً بين الناس أجمعين، فإنه بين أهل الإسلام يكون آكد وأوجب وألزم، ويتخذ صوراً أرقى بكثير من مجرد التعارف: كالتوحُد، والتحابب، والتساند، والتعاضد، والتآزر؛ وذلك في سائر الأحوال، في السراء والضراء؛ لأن آصرة العقيدة والملة التي تؤلف بينهم، والتي تعد أوثق الروابط وأعلاها شأناً، هي التي تفرض عليهم الشعور بمعاني الوحدة والعمل بمقتضاها في الواقع العملي. ومصداق هذا نجده في القرآن ذاته؛ حيث يقول تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}
2/ وقد كان الأنبياء عليهم السلام يستثيرون في الناس تلك الرابطة القومية دعوة إلى الله تعالى وسوقاً إلى رضوانه؛ فكان كل نبي يقول يفتتح دعوته بقوله {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} {وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين} {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} وهذا لوط عليه السلام يقول {يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي} فيُستفاد من هذه النصوص أن القومية في جوهرها: صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن والجنس واللغة والمنافع، وقد تنتهي بالتضامن والتعاون إلى الوحدة.
3/ أما الكفار والمنافقون فما زال دأبهم أنهم يستثيرون الروح القومية من أجل إثارة النعرات العنصرية والعصبية القبلية والروح الشعوبية والحمية الجاهلية لدى من يسمع لهم ويطيع، يريدون بذلك التفرقة بين الناس واستغلال جنس ضد جنس وقبيل أمام قبيل، مثلما قال فرعون اللئيم لأتباعه عن موسى عليه السلام ومن معه {إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} فجعل دعوة موسى عليه السلام إلى توحيد الله عز وجل وطاعته صراعاً مع الوطن وأهله؛ كل ذلك من أجل أن يستثير حمية الرعاع الذين يتبعون كل ناعق؛ {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين} وحين آمن السحرة بموسى عليه السلام قال لهم {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون} وهكذا استخدم المنافقون حب الوطن على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن الجهاد {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا} وقال عبد الله بن أبي بن سلول: ما نحن ومحمَّدٌ إلا كما قالت العرب: سمن كلبك يأكلك!! {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}