1ـ الأمن في الإسلام يعني السلامة الحسية والمعنوية، والطمأنينة الداخلية والخارجية، كفالة الحياة السعيدة للفرد والمجتمع والدولة، كما في قول ربنا جل جلاله {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} ويشمل ذلك الأمن العقدي والفكري والدعوي والعقلي والعلمي والاقتصادي والبيئي والزراعي والعسكري والسياسي وغيرها؛ فهناك ما يسمى بالأمن الغذائي، وما يسمى بالأمن الصحي الوقائي، وهناك ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي، وتهيئة فرص العمل والإنتاج، والقضاء على البطالة المثمرة للخلل والفوضى، إضافة إلى النواحي الأمنية المنبثقة من دراسة الظواهر الأسرية وما يعتريها من ثقوب واهتزاز في بُنيتها التحتية، لأن الأمن بين الجنسين وبالأخص بين الزوجين هو سبب ولا شك من أسباب أمن العشيرة، وأمن العشيرة أمن للأمة، المؤلَّفة من العشائر، المؤلَّفة من الأزواج. فهذا الأمن المترابط هو الذي يتكون منه مزاج الأمة الأمني. كما يجب علينا ألا نغفل عما لا يقل أهمية عما مضى، بل إنه في هذه العصور يعد هاجساً أمنياً لكل مجتمع، ألا وهو الأمن الفكري. الأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها من الوقوع في الفوضى، والعَبِّ من الشهوات بنهم، أو الولوغ في أتون الانسلاخ الأخلاقي الممزق للحياء الفطري والشرعي. الأمن الفكري ينبغي أن يتوَّج بحفظ عنصرين عظيمين؛ ألا وهما: عنصر الفكر التعليمي، وعنصر الأمن الإعلامي، إذ يجب على الأمة من خلال هذين العنصرين ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب، والتي هي بدورها تطمس هوية المسلم، وتُفقده توازنه الأمني والاعتزاز بتمسكه بدينه، إذ أن الأمن على العقول، لا يقل أهميته عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للبيوت لصوصاً ومختلسين، وللأموال كذلك؛ فإن للعقول لصوصاً ومختلسين. بل إن لصوص العقول أشد خطراً، وأنكى جرحاً من سائر اللصوص
2ـ في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، وقد كان الأمن وما يزال هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمِنت، وإذا أمِنت نمت؛ فانبثق عنها أمن وإيمان ونماء، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية. ثم إن الأمن هبة الله لعباده كما دلت على ذلك النصوص القرآنية الواردة في بيان نعمة الأمن:
- امتنان الله على أهل مكة بنعمة الأمن {فليعبدوا رب هذا البيت $ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وقال عز وجل {وقالوا إن نتبع الهدى معك نُتخطَّفْ من أرضنا أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين}
- جعل الله هذه النعمة جزاء على الإيمان والعمل الصالح {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا}
- وقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه بأن يهبه وذريته هذه النعمة في بلده الحرام {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر} وقال {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} فاستجاب الله دعاءه {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً} ووصف مكة بالبلد الأمين {وهذا البلد الأمين} {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين $ فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا}
- سلب الله سبحانه وتعالى هذه النعمة من أناس كفروا به وعصوا رسله {وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} وقال نبي الله صالح عليه السلام لقومه {أتتركون فيما ها هنا آمنين $ في جنات وعيون $ وزروع ونخل طلعها هضيم} وكذلك من كانوا يعيشون في بلاد سبأ آمنين مطمئنين فلم يشكروا نعمة الله فأبدلهم الله بها نقمة وعذابا {لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور $ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل $ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور}
3ـ ومن النصوص الواردة في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم
- (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا) رواه الترمذي
- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً)
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزغ في يديه؛ فيقع في حفرة من النار)
- عن السائب بن يزيد (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً)
- كان من دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي)
4ـ من العوامل التي تكفل الأمن في المجتمع المسلم العقيدة الصحيحة ودفع ما يؤذي المجتمع من الأقوال والأفعال، وردع المجرمين، ومنع المعصية والمنكر من التفشي بين الناس، وحث أفراد المجتمع على التحلي بالأخلاق الإيمانية الكريمة، وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو الراعي والرعية، من أجل استتباب الأمن في المجتمعات جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص.
بل إن من المسلّم في الشريعة، قطع أبواب التهاون في تطبيقها أياً كان هذا التهاون، سواء كان في تنشيط الوسطاء في إلغائها، أو في الاستحياء من الوقوع في وصمة نقد المجتمعات المتحضرة.
- حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً
- تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب