خطب الجمعة

الإيثار

خطبة يوم الجمعة 20/12/1426 الموافق 20/1/2006

1ـ الإيثار هو تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، وهو على درجات:

  • أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يخرم عليك ديناً، ولا يقطع عليك طريقاً، ولا يفسد عليك وقتاً، يعني أن تقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدين
  • إيثار رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطَّوْل والبدن، وهي درجة الأنبياء عليهم السلام، وأعلاها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه احتمل عداوة القريب والبعيد، وتجرد للدعوة إلى الله، ولم تأخذه في الله لومة لائم
  • أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت؛ إذ هو المعطي حقيقة جل جلاله

2ـ من الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في الإيثار قولاً وفعلاً:

  • أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله جل جلاله فأيكم ما ترك ديناً أو ضيعة فادعوني فأنا وليه، وأيكم ما ترك مالاً فليؤثر بماله عصبة من كان. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من يضم أو يضيف هذا؟} فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته؛ فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء؛ فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها؛ فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان؛ فباتا طاويين؛ فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال {ضحك الله الليلة ـ أو عجب ـ من فعالكما} فأنزل الله )ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون( رواه الشيخان
  • عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها؛ فاستطعمتها ابنتاها؛ فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها؛ فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال {إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار} رواه مسلم
  • عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه ، وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فأتى السوق فربح شيئاً من أقط وشيئاً من سمن؛ فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة فقال {مهيم يا عبد الرحمن؟} فقال: تزوجت أنصارية. قال: فما سقت؟ قال: وزن نواة من ذهب. قال {أولم ولو بشاة} رواه الشيخان
  • عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها فيشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية )لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون( قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول )لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون( وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين} فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. رواه الشيخان

3ـ من هدي السلف رحمهم الله في تحقيق هذا الخلق الإسلامي الرفيع:

  • خبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين حضره الموت فاستأذن أم المؤمنين عائشة في أن يدفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه فآثرته بالمكان الذي ادخرته لنفسها
  • خبر قيس بن عبادة حين قال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده
  • خبر حذيفة العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت:أسقيك؟ فأشار إليَّ أن نعم. فإذا رجل يقول: آه. فأشار ابن عمي إليَّ أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى