1ـ الجدال هو التخاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين انه أعلم ممن تقدم. فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله. ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه {إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه، كثير خطباؤه، فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح؛ ومن كان بالعكس فهو مذموم}
2ـ ذم الله تعالى هذا النوع من الجدال فمنع منه في الحج، وهي صفة الكفار )ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وإن يروا كل آية….( وهي من سبيل الشيطان )وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم…( وأخبر جل جلاله أن هذه الصفة الذميمة دأب طائفة من أهل الضلال والهوى )ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد( )ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير( وهؤلاء المجادلون بالباطل ممقوتون عند الله بعيدون من رحمته )الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار(
3ـ المجادلون بالباطل مصيرهم المحتوم يوم القيامة )ألم تر إلى الذين يجادلون في آياتنا أنى يصرفون * الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون( وأخبر أن المجادلين بالباطل لا يغنون يوم القيامة عمن جادلوا عنهم )إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله……(
4ـ الأحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذم الجدال بالباطل وتقبيح حال أهله:
- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه {ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هو قوم خصمون( رواه أحمد والترمذي وابن ماجه
- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقاً، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خلقه} رواه أبو داود بإسناد صحيح.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية )هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات بينات هن أم الكتاب وأخر متشابهات… إلى قوله: وما يذكر إلا أولو الألباب( فقال {يا عائشة: إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم} رواه الشيخان
- عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار} رواه الترمذي وابن ماجه
5ـ وكان دأب الصالحين النهي عن الجدل والمراء لقلة بركته وعظيم ضرره على الدين:
- قال سليمان بن داود لابنه {دع المراء؛ فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة بين الإخوان} رواه الدارمي
- عن زياد بن حدير رحمه الله تعالى قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهرم الإسلام؟ قلت: لا. قال {يهرمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين} رواه الدارمي
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لإياس بن عمر رحمه الله {إنك إن بقيت سيقرأ القرآن ثلاثة أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدنيا، ومن طلب به أدرك} رواه الدارمي
- قال أبو الدرداء رضي الله عنه {لا تكون عالماً حتى تكون متعلماً، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً، وكفى بك إثماً أن لا تزال مخاصماً، وكفى بك إثماً أن لا تزال ممارياً، وكفى بك كذباً أن لا تزال محدثاً في غير ذات الله} رواه الدارمي
- قال ميمون بن مهران يوصي بعض تلامذته {إياك والخصومة والجدال في الدين، ولا تجادلن عالماً ولا جاهلاً، أما العالم فإنه يخزن علمه عنك، ولا يبالي ما صنعت، وأما الجاهل فإنه يخشِّن بصدرك، ولا يطيعك} رواه الدارمي
- وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله مخاطباً أهل المدينة {من تعبد بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ومن عدَّ كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه، ومن جعل دينه عرضة للخصومات كثر تنقله} رواه الدرامي