1- لما أراد الله سبحانه إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز وعده له؛ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موسم الحج؛ فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة ساق الله نفراً من الخزرج أراد الله بهم خيرا؛ فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى الله إلا أن يكون من المدينة. فقال لهم: «من أنتم»؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمن موالي اليهود»! قالوا: نعم. قال: «أفلا تجلسون إليّ أكلمكم»! قالوا: بلى، فجلسوا إليه، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القران، وكان من أسباب مسارعتهم إلى قبول دعوة الإسلام أن يهود كانوا يساكنونهم في المدينة، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك، وأصحاب أوثان. وكانت تقع بين اليهود وبين الأوس والخزرج وقائع وحروب، وكانت الغلبة تكون للعرب، فكان إذا وقع شيء منها قالوا لهم: «إن نبياً مبعوثاً الآن قد أظلّ زمانه سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم» فلما كلَّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله تهامسوا وقال بعضهم لبعض: تعلمون – واللهِ – أنه النبي الذي توعّدكم به يهود، فلا يسبقنّكم إليه. فلا عجب أن أسرعوا إلى إجابته، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، وسنقدم عليهم، وندعوهم إلى الإسلام ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك. ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعد أن آمنوا وأسلموا، وكانوا ستة نفر فيما ذكر ابن إسحاق
2- فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، ولم تبقَ دار من دور الأنصار حتى كان فيها ذكر لرسول الله والإسلام. وقد ذكر ابن إسحاق في سيرته بسنده عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلاً فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب: على ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفّيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله، إن شاء عذَّب وإن شاء غفر» والخلاصة: أن المبايعة في العقبة الأولى كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر، وفي المنشط والمكره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول الحق، وألا يخافوا في الله لومة لائم، وعلى الولاء والنصرة لرسول الله إذا قدم عليهم يثرب، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم، وأولادهم، وأما المبايعة على مثل بيعة النساء فقد كانت بعد ذلك.
3- لما انصرف القوم من الأوس والخزرج إلى المدينة كتبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث إلينا من يقرئنا القران، وقد صادف هذا هوى من نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليهم الصحابي الجليل مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وأمره أن يقرئهم القران، ويعلِّمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، وأن يؤمَّهم في الصلاة، وذلك أن الأوس والخزرج كره كل منهم أن يؤمَّه الآخر، وكان يسمى بالمدينة «المقرىء» و«القارىء»، وكان نزوله بالمدينة على السيد الصحابي الجليل السابق إلى الخير سيد الخزرج، ونقيب بني النجار أسعد بن زرارة بن عدس بن أبي أمامة.
4- وقد نجح داعية الإسلام بالمدينة في إسلام الكثيرين من أهلها، ومن أجلّهم سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وبإسلامهما أسلم الكثيرون من بني عبد الأشهل وغيرهم، وإليك قصة مصعب معهما، فإن فيها أسوة حسنة لكل داع إلى الله، وإلى الإسلام بإخلاص وعقيدة، وتفان في سبيل الدعوة. ذلك أن مصعب بن عمير نزل على أسعد بن زرارة سابق الأنصار إلى الإسلام، فخرج أسعد بمصعب يريد دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، فدخل به أسعد حائطاً من حيطان بني ظفر على بئر يقال لها: بئر مرق، فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم، وكان سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير سيّدي قومهما من بني عبد الأشهل، وكانا مشركين على دين قومهما، فلما سمعا بمصعب بن عمير ونشاطه في الدعوة إلى الإسلام قال سعد لأسيد: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين أتيا دارينا ليسفّها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما. فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل عليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال: هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشتماً فقال: ما جاء بكما تسفّهان ضعفاءنا؟! اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب بلسان المؤمن الهادئ الواثق من سماحة دعوته: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره؟! قال أسيد: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القران، فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي، فقام فاغتسل وطهّر ثوبيه وتشهّد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلّف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكم الآن: سعد بن معاذ. ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم!! فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدِّثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك. فقام سعد مغضباً مبادراً مخوفاً للذي ذكر له من أمر بني حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج إليهما سعد فوجدهما مطمئنين، فعرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف متشتماً، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره وكان أسعد قد قال لمصعب: لقد جاءك – والله – سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلّف منهم اثنان، فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، فقال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ القران، وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول سورة الزخرف، قالا: فعرفنا – والله – في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله. ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم، ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل، فتطّهر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين، فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عائداً إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً وأيماننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة. ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال مسلمون ونساء مسلمات.
5- وقد ظهرت النتائج مبهرة في وقت يسير، وذلك بعد توفيق الله -جل وعلا- يعود إلى أمور تميّز بها مصعب – رضي الله عنه – منها:
- العلم الغزير الذي كان يحمله مصعب رضي الله عنه
- قوة الحجة وبلاغة العرض
- السكينة والوقار وعدم التسرع والطيش.
- معرفة الفوارق الفردية بين المدعوين ومخاطبة كل واحد بما يليق به
- الاستدلال بالآيات القرآنية وأثره الكبير في نفوس الناس.
6- مصعب بن عمير ابن هَاشم بن عَبْدِ مَنَاف بنِ عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، السَّيِّدُ، الشَّهِيْدُ، السَّابِقُ، البَدْرِيُّ، القُرَشِيُّ، العَبْدَرِيُّ. قَالَ البَرَاءُ بنُ عَازِبٍ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ المُهَاجِرِيْنَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ هُوَ مَكَانَهُ وأصحابه على أثري ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُ عَمْرُو بنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ أَخُو بَنِي فِهْرٍ، الأَعْمَى….. وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
كان رضي الله عنه رقيق البَشَرة حسن اللِّمَّة ليس بالقصير ولا بالطويل، وكان يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: «ما رأيت بمكة أحداً أحسن لِمّةً ولا أرق حُلةً ولا أنعم نعمةً من مصعب بن عمير» رواه الحاكم وابن سعد في الطبقات. فلقد كان رضي الله عنه منعماً مدللاً من قبل أبويه، فيأكل أفضل الطعام، ويلبس أحسن الثياب، وكانت أمه شديدة الكَلَفِ به، فلا يبيت إلا وتضع قَعْب الحَيْس عند رأسه فإذا استيقظ أكل منه. عن عمر رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه مقبلاً، عليه إهاب كبش قد تنطَّق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى هذا الذي نوَّر الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حُلّة شراها أو شُريت بمائتي درهم، فدعاه حبُّ الله وحب رسوله إلى ما ترون» رواه أبو نعيم وحسَّن إسناده العراقي في تخريج الإحياء
أسلم رضي الله عنه سراً وصار يتردد على دار الأرقم بن أبي الأرقم يقرأ القرآن ويتعلم العلم حتى صار من أعلم الصحابة، بصر عثمان بن طلحة بمصعب بن عمير رضي الله عنه وهو يصلي، فأخبر أمه وقومه لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب والنكال، فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى. وقد خرجت أمه حين علمت بإسلامه ناشرةً شعرها، وقالت: لا ألبس خِماراً، ولا أستظلُّ، ولا أدَّهنُ ولا آكلُ طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى تدع ما أنت عليه، فقال أخوه أبو عزيز بن عمير: يا أمه دعيني وإياه فإنه غلام عاف ولو أصابه بعض الجوع لترك ما هو عليه، ثم أخذه وحبسه.
ولقد مر بمصعب رضي الله عنه ألوانٌ من العذاب كغيره من الصحابة رضي الله عنهم بل أشد؛ وذلك لفارق ما كان عليه في الجاهلية وما وقع عليه بعد إسلامه، فالأم التي كان لا يشغل بالها إلا ابنها من فرط حبها له، أصبحت معولاً هداماً لذلك الجسم المنعم، فلا تتردد في تعذيبه، وحرمانه مما كان عليه سابقاً، بل كانت تعين قومه عليه
الأَعْمَشُ:، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ هَاجَرْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لِسَبِيْلِهِ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً مِنْهُم مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “غَطُّوا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ” وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يُهْدِبُهَا.
7- عَنْ سَعْدِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا قَبْلَ الهِجْرَةِ يُصِيْبُنَا ظَلفُ العَيْشِ وَشِدَّتُهُ، فَلاَ نَصْبِرُ عَلَيْهِ، فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ هَاجَرْنَا، فَأَصَابَنَا الجُوْعُ وَالشِّدَّةُ، فَاسْتَضْلَعْنَا بِهِمَا، وَقَوِيْنَا عَلَيْهِمَا. فَأَمَّا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَتْرَفَ غُلاَمٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ فِيْمَا بَيْنَنَا، فَلَمَّا أَصَابَهُ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّ جِلْدَهُ لَيَتَطَايَرُ عَنْهُ تَطَايُرَ جِلْدِ الحَيَّةِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْقَطِعُ بِهِ، فَمَا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَمْشِي، فَنَعْرِضُ لَهُ القِسِيَّ ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى عَوَاتِقِنَا. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَرَّةً، قُمْتُ أَبُوْلُ مِنَ اللَّيْلِ، فَسَمِعْتُ تَحْتَ بَوْلِي شَيْئاً يُجَافِيْهِ، فَلَمَسْتُ بِيَدِي، فَإِذَا قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدِ بَعِيْرٍ، فَأَخَذْتُهَا، فَغَسَلْتُهَا حَتَّى أَنْعَمْتُهَا، ثُمَّ أَحْرَقْتُهَا بِالنَّارِ، ثُمَّ رَضَضْتُهَا، فَشَقَقْتُ مِنْهَا ثَلاَثَ شقَّاتٍ، فَاقْتَوَيْتُ بِهَا ثَلاَثا، ومنه يتبين مدى الابتلاء الذي تعرض له مصعب بن عمير رضي الله عنه بعد إسلامه ويتمثل فيما يأتي:
1 – الأذى المادي: إذ قُطعت عنه جميع الموارد المالية التي كان يحصل عليها لا سيما من قبل أمه، حتى أصبح لا يجد ما يلبس إلا فروة لا تكاد تواريه.
2 – الأذى الجسدي: فقد ذبل جسمه وتغيّر لونه وأصابه من الجوع ما لا يستطيع الوقوف معه.
3 – الأذى النفسي: إذ كان يرى أمه وهي تنشر شعرها وتخرج ويراها وهي تقف في الشمس نكاية به حتى يرجع عن دينه.
مما يبين بجلاء نجاح التربية النبوية في غرس المبادئ والثبات عليها في نفوس الصحابة رضي الله عنهم وهو ما نحتاجه اليوم في تربيتنا للأجيال على مبادئ الكتاب والسنة والصبر على ما يواجهونه من مصاعب في سبيل ذلك.
8- في غزوة بدر الكبرى لما وصل المسلمون إلى أرض المعركة صفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل أن تنزل قريش، ودفع رايته صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه، فتقدم بها إلى موضعها الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يضعها فيه، وقد كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الأعظم مع ثلاثة: فلواء المهاجرين مع مصعب بن عمير رضي الله عنه، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر رضي الله عنه، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ رضي الله عنه.
ثم لما انتهت المعركة، وقد قتل المسلمون من الكفار سبعين، وأسروا سبعين، كان من بين الأسرى النضر بن الحارث، وقد أسره المقداد رضي الله عنه يومئذٍ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدرٍ- وكان بالأثيل – عرض عليه الأسرى فنظر إلى النضر بن الحارث فأبَدّهُ البصر، فقال لرجلٍ إلى جنبه: محمد والله قاتلي، لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت! فقال لرجل إلى جنبه: والله ما هذا منك إلا رعبٌ. فقال النضر لمصعب بن عمير رضي الله عنه: يا مصعب، أنت أقرب مَنْ هاهنا بي رحماً، كلّم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي، هو والله قاتلي إن لم تفعل. قال مصعب رضي الله عنه: إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا، وتقول في نبيه كذا وكذا. قال: يا مصعب فليجعلني كأحد أصحابي، إن قُتِلُوا قُتِلت، وإن مَنّ عليهم مَنّ عليّ. قال مصعب رضي الله عنه: إنك كنت تعذب أصحابه. قال: أَمَا والله، لو أسَرَتْك قريش ما قُتِلْتَ أبدًا وأنا حَيّ. قال مصعب رضي الله عنه: والله إني لأراك صادقاً، ولكن لست مثلك قطع الإسلام العهود!
وكان من بين الأسرى كذلك أبو عزيز بن عمير، أسره أبو اليسر رضي الله عنه ثم اُقْتُرِعَ عليه فصار لمُحرِزِ بن نضلة رضي الله عنه، وأبو عزيز أخوه مصعب بن عمير رضي الله عنه لأمه وأبيه. فقال مصعب لمُحْرِزٍ رضي الله عنهما: اُشدُدْ يديك به، فإن له أُمّاً بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتُك بي يا أخي؟ فقال مصعب رضي الله عنه: إنه أخي دونك! فبَعَثَتْ أُمّهُ فيه بأربعةِ آلافٍ، وذلك بعد أن سألت أغلى ما تُفَادِي به قريش، فقيل لها أربعةُ آلافٍ”.
التحذير من أعياد الكفرة الفجرة
أولاً: قال تعالى {لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر}
ثانياً: قال تعالى {وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض، ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذن لمن الظالمين}
ثالثاً: قال تعالى {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما}
رابعاً: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما؛ فقال: (إن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى)