– إن أحداثاً ساخنة تشغل المسلمين في هذه الأيام؛ حين يرون بأم أعينهم إخوانهم المسلمين في فلسطين تسفك دماؤهم وتزهق أرواحهم وتهدم بيوتهم وتنتهك حرماتهم؛ حيث وصل عدد الشهداء إلى ما يقارب الستمائة أغلبهم من المستضعفين من الشيوخ والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا؛ والجرحى بلغ عددهم نحواً من أربعة آلاف، أما المشردون من ديارهم فقد أربوا على مئات الألوف
– يتألم كل ذي قلب حي لهذا الذي يراه ويسمعه، ويتمنى لو كان مع إخوانه ليشد أزرهم ويقوي عضدهم ويشاركهم مصابهم، هذا الشعور هو الذي عمَّ المسلمين في المشارق والمغارب ـ رجالاً ونساء كباراً وصغارا ـ فلهجت ألسنتهم بالدعاء لإخوانهم، وجعلوا جزءً من أوقاتهم لمتابعة أخبارهم والفرح لما يكون من انتصارهم والأسى لما يصيبهم
– سوى فئة قليلة جعلت من هذه الأحداث مطية لإظهار حقدها الدفين على الإسلام وأهله ـ رغم كونهم ينتسبون لهذه الأمة بالشارات والعناوين ـ فئة تمثلت في الحكام الظلمة الذين لا يرجون لله وقارا؛ الذين كانوا فيما مضى تخرج عنهم بيانات الشجب والاستنكار ذراً للرماد في العيون، أما في هذه المرة فقد صار بعضهم حبالاً لمد اليهود بالمال، وآخرون برعوا في إطلاق المبادرات التي تبحث عن مخرج لليهود من الورطة التي صاروا فيها وتتبنى مطالبهم في تجريد المقاومة من سلاحها وإيقاف صواريخهاـ ولا تلتفت إلى مطالب المسلمين من أهل فلسطين، بل تتعمد إذلالهم والإملاء عليهم؛ وفريق ثالث جعل من نفسه وسيطا محايداً حتى إنه ليطالب في غير حياء بوقف العنف المتبادل، هؤلاء الحكام الظلمة جعلوا من هذه الأحداث سبيلاً لتصفية الحسابات فيما بينهم ونيل المكاسب الدنيوية الوضيعة والتآمر على المسلمين؛ وإسداء الخدمات لأهل الكفر والعهر؛ وإظهار المودة لهم؛ وذلك رغبةً منهم في القضاء على كل حركة إسلامية جهادية تقود الأمة في الاتجاه الصحيح، حيث عمد هؤلاء إلى إظهار الشماتة بما نزل بإخوانهم
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيد الدرهم
– أيها المسلمون: إن من نعمة الله عز وجل أن هذه الحرب ليست كسابقتها؛ بل صار للمجاهدين سلاح أحدث نوعاً من توازن الرعب وأحال حياة اليهود الجبناء إلى جحيم؛ بعدما كانوا في معارك سابقة يضربون ولا يُضربون، ويقتلون ولا يقتلون، بل يمارسون إرهابهم وهم آمنون، صار الحال مختلفاً في هذه المعركة حيث الرعب يقابله رعب، والضرب يكافئه ضرب، وقد أوقع المجاهدون قتلى في صفوف اليهود وأسروا جندياً صهيونيا، وصدق الله العظيم حين قال {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} وقال: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون}
– وفئة أخرى ـ من حملة الأقلام وأصحاب القنوات ـ عملت على ممالأة العدو وتزويِر الحقائق وتثبيط الهمم وقتل العزائم مشتغلة بسفاسف الأمور، نجم نفاقهم وفاح نتن رائحتهم
– حتى حُقَّ لنا أن نتحدث عن النفاق والمنافقين؛ لأن وقت الأزمات والشدائد هو أنسب الأوقات لتجلية حقيقتهم وهتك أستارهم، )أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم + ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم( وكما قيل: جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي؛ فالمنافقون هم إخوان اليهود، المنسقون معهم الحريصون على نصرتهم؛ فصلة المنافقين بهم صلة قوية، صلة الحميم بحميمه والأخ بأخيه، صلة الدفاع والحماية والمشاركة في السراء والضراء )أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ( مع أنهم ليسوا من اليهود في ديانتهم ولا منهم في أصولهم، وإنما يجمعهم الهدف المشترك وهو الكيد للإسلام فيتوالون عليه )أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( ولأنهم أعظم خطراً على الدين وأهله من الكفار المعروفين؛ )هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون(
ومما يوجب مزيد الخوف من النفاق والحذر من المنافقين أنهم كثيرون، منتشرون في بقاع الأرض، كما قال الحسن البصري رحمه الله (لولا المنافقون لاستوحشتم في الطرقات) وقال ابن القيم (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم، لكثرتهم على ظهر الأرض، وفي أجواف القبور، فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسبابُ المعايش، وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات، سمع حذيفة رضي الله عنه رجلاً يقول: اللهم أهلك المنافقين!! فقال: يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك)
حذّر القرآن الكريم من النفاق وصفات المنافقين في آيات كثيرة، فكان الحديث عن النفاق والمنافقين في القرآن في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية، حتى قال ابن القيم رحمه الله: (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم)
وما أشبه الليلة بالبارحة؛ إن المنافقين على أيام رسول الله صلى الله عليه وسـلم كان نفاقهم يظهر في وقت الشدة؛ حين تدلهم الخطوب وتعظم الأخطار ويحيط الكرب بالمسلمين من كل ناحية؛ يقول الله عز وجل في وصف حال المنافقين يوم الأحزاب {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أَيْ بُخَلَاءَ عَلَيْكُمْ، أَيْ بِالْحَفْرِ فِي الْخَنْدَقِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: بِالْقِتَالِ مَعَكُمْ وقيل: بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم. وَقِيلَ: أَشِحَّةً بِالْغَنَائِمِ إِذَا أَصَابُوهَا، قَالَهُ السُّدِّيُّ.
(فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) وَصَفَهُمْ بِالْجُبْنِ، وَكَذَا سَبِيلُ الْجَبَانِ يَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا مُحَدِّدًا بَصَرَهُ، وَرُبَّمَا غُشِيَ عَلَيْهِ. وَفِي “الْخَوْفُ” وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ قِتَالِ الْعَدُوِّ إِذَا أَقْبَلَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. الثَّانِي: الْخَوْفُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَلَبَ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. “رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ” خَوْفًا مِنَ الْقِتَالِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَمِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الثَّانِي. “تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ” لِذَهَابِ عُقُولِهِمْ حَتَّى لَا يَصِحَّ مِنْهُمُ النَّظَرُ إِلَى جِهَةٍ. وَقِيلَ: لِشِدَّةِ خَوْفِهِمْ حَذَرًا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْقَتْلُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
(فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير) قَالَ قَتَادَةُ: وَمَعْنَاهُ بَسَطُوا أَلْسِنَتَهُمْ فِيكُمْ فِي وَقْتِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، يَقُولُونَ: أَعْطِنَا أَعْطِنَا، فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ. فَعِنْدَ الْغَنِيمَةِ أَشَحُّ قَوْمٍ وَأَبْسَطُهُمْ لِسَانًا، وَوَقْتَ الْبَأْسِ أَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَخْوَفُهُمْ
(أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) يَعْنِي بِقُلُوبِهِمْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُمُ الْإِيمَانَ، وَالْمُنَافِقُ كَافِرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِوَصْفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِالْكُفْرِ. (فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ) أَيْ لَمْ يُثِبْهُمْ عَلَيْهَا، إِذَا لَمْ يَقْصِدُوا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- وَكَانَ نِفَاقُهُمْ عَلَى اللَّهِ هَيِّنًا. الثَّانِي- وَكَانَ إِحْبَاطُ عَمَلِهِمْ على الله هينا.
من صور النفاق في أحداث غزة
- من صور النفاق مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين، وهذه من أخص صفات المنافقين، فهم في الظاهر مع المؤمنين، لكنهم في الحقيقة مع الكفار عيوناً وأعواناً لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر؛ قال تعالى )يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين + فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين( قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية بعدما ذكر الخلاف في المعني بهذه الآية: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان.ا.هـــ ومن الآيات الصريحة دلالتها في اتصاف المنافقين بهذه الصفة قوله تعالى )بشر المنافقين بأن لهم عذاباْ أليماْ + الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاْ( قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: فمن صفة المنافقين، يقول الله لنبيه: يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي، والإلحاد في ديني أولياء يعني أنصاراً وأخلاء من دون المؤمنين، يعني من غير المؤمنين أيبتغون عندهم العزة أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهـل الإيمان بي؟ فإن العزة لله جميعاً يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم، هم الأذلاء الأقلاء.ا.هـــ
- من أقوال المنافقين من خلال هذه الأحداث: إنما حدث ذلك كله بسبب ضيق أفق حماس وقلة فهمهم للواقع وضعف خبرتهم بالسياسة الدولية؛ كما قال المنافقون الأولون ـ وعلى رأسهم ابن سلول ـ أيعصيني محمد ويطيع الأحداث، علام يقتل أحدنا نفسه؟ وهكذا المنافقون المعاصرون يعتقدون أن المسلمين لا يستطيعون فعل شيء ولا مواجهة شيء ولا مقاومة عدو، وأنهم ليس لهم من الأمر شيء؛ كما حكى ربنا عن أسلافهم حين قال )وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون لو كان من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور(
- من أقوالهم: لولا أن حماس أطلقت صواريخها وأفشلت التهدئة لما كان قتال ولا دماء؛ وهذه هي أقوال المنافقين التي حذَّرنا منها ربنا جل جلالـه حين قال )يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير(
- من أقوالهم: إن حماس قد جرَّت على نفسها شراً بهذه الحرب وأغرقت المنطقة في بحر من الدماء؛ وهي الخاسرة ـ دماء وأموالاً ـ والجواب من القرآن )ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين + إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله( )ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون(
- من أقوالهم: يجب محاكمة حماس على هذه الحرب التي جرَّت الناس إليها، وما ذنب المساكين الذين قتلوا!! والجواب: ما كان من حمزة بن عبد المطلب وعبد الله بن جحش ومصعب بن عمير وأصحاب الرجيع وأصحاب بئر معونة، والجواب على هؤلاء من القرآن )وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين + وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر يؤمئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون + الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين(
- من أقوالهم: إن الصواريخ التي تطلقها حماس عبثية لا تحدث في العدو النكاية المطلوبة، وهذا عين ما كانوا يقولونه حين بدأ المجاهدون مسيرتهم باستعمال الحجارة، كانوا يقولون: وما عسى يصنع الحجر أمام ترسانة ضخمة من السلاح؟ وحين بدأ الأفغان جهادهم ضد الروس سخروا منهم وقالوا: أصحاب السراويل هؤلاء يريدون مقاومة الروس؟ والجواب: أين السلاح المخزون الذي كُدِّس حتى علاه الصدأ؟ هل استخدم يوماً في حرب اليهود؟ وهل أطلقت منه رصاصة تجاه دولة الصهاينة؟ أما كان الأولى بحكام العرب أن يمكِّنوا المجاهدين من ذلك السلاح أو يمدوهم ببعضه ثم بعد ذلك يوجهون اللوم لهم؟ ثم إن القول بأن هذه الصواريخ عبثية إنما هو كلام الظلمة الذين يريدون تبرير قعودهم عن الجهاد، وهل غزا المسلمون بلاد فارس والروم وهم يملكون مثل أسلحتهم وعتادهم؟
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم … من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا … وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
- يقولون: كان الواجب على المجاهدين أن يصبروا حتى يستكملوا قوتهم ويكافئوا قوة الصهاينة ومن بعد يشرعون في الجهاد!! والجواب: هل كانت قوة المسلمين يوم بدر مكافئة لقوة المشركين؟ أما نقرأ في السيرة أنه ما كان لهم سوى فرسين وأن كل ثلاثة كانوا يعتقبون بعيرا؟ هل كانت القوتان متكافئتين يوم مؤتة؟ )ما لكم كيف تحكمون(
في وداع رمضان
في نهاية رمضان الناس فريقان: فائزون رابحون، وهم الذين نالوا الرضوان من ربهم الرحمن: من قاموا بواجباتهم واستغلوا أوقاتهم، ورعوا الحرمات، وجاهدوا في اكتساب الطاعات، هم الفائزون الحائزون على الجوائز، فعن أبي جعفر محمد بن علي مرفوعا {من أدرك رمضان صحيحاً مسلماً، فصام نهاره وصلى ورداً من ليله، وغضَّ بصره، وحفظ فرجه، ولسانه ويده، وحافظ على صلاته في الجماعة، وبكَّر إلى الجمعة، فقد صام الشهر، واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرب} رواه ابن أبي الدنيا. وفريق من الناس خاسرون ضائعون وهم الذين ما عرفوا لرمضان قدره وشرفه فلم يعظِّموا نهاره، ولم يقوموا ليله، ولم يتعرضوا لنفحات ربهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم {رغم أنف امرئ دخل عليه رمضان ثم خرج ولم يغفر له}.
في آخر الشهر ليت شعري من المقبول فنقدم له التهاني، ومن المحروم فنقدم له التعازي؟ أيها المقبول هنيئاً لك.. أيها المحروم جبر الله كسرك وأحسن عزاءك وعوَّضك خيراً، يا رمضان إن العين تدمع وإن القلب يحزن وإنا لفراقك يا رمضان لمحزونون ((إنا لله وإنا إليه راجعون)).
فيا شهر الصيام فدتك نفسي تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدرى إذا ما الحول ولى وعدت بقابل في خير حال
فهذه سنة الدنيا دواماً فراق بعد جمع واكتمال
وتلك طبيعة الأيام فينا تبدد نورها بعد الكمال
أيها المسلمون: حري بنا أن نفرح الله تعالى بتوبة في ختام الشهر بعدما نادانا ربنا جل جلالـه {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} وبعدما نادانا {يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وقد نادى كلاً منا وحده فقال: {يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}
بادر أيها المسلم بتوبة تختم بها شهرك، وترضي بها ربك، وأبشر بالقبول من الله {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} أبشر بتبديل السيئات حسنات {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما}