خطب الجمعة

انفلونزا الخنازير

خطبة يوم الجمعة 5/5/1430 الموافق 1/5/2009

  1. من أسماء ربنا جل جلاله الطيب؛ حيث ورد ذلك في الحديث الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ومعناه في اللغة الطاهر والنظيف والحسن والعفيف والسهل واللين، وهو خلاف الخبيث، قال القاضي عياض: وهو في صفة الله تعالى بمعنى المنزَّه عن النقائص وهو بمعنى القدوس
  2. في التشهد يقول المصلي: التحيات لله والصلوات والطيبات؛ أي الطيبات من الكلمات والأفعال والصفات والأسماء لله وحده، فهو طيب وأفعاله طيبة، وصفاته أطيب شيء، وأسماؤه أطيب الأسماء، ولا يصدر عنه إلا الطيب، وإليه يصعد الكلم الطيب، ولا يقرب منه إلا طيب
  3. ومن رحمته سبحانه وتعالى أن أباح لعباده الطيبات؛ فقال سبحانه )يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم( وقال )يا أيها الرسل كلوا من الطيبات( وقال )لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم( وقال )قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق( وكان نبيه صلى الله عليه وسلم يحب الطيبات من طعام أو شراب أو لباس أو طيب أو نساء أو كلام، وما كان يعجبه من الدنيا إلا طيب تقي
  4. وقد حرَّم الله علينا كل خبيث من قول أو فعل أو طعام أو شراب، فإن الدين الإسلامي لم يأتِ لإصلاح الروح فقط بل لإصلاح الروح والجسم معًا فأتى بما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا وأنفسنا وأبداننا ولم يترك ضارًّا لأحدهما إلا ونبه عليه تصريحًا أو إجمالاً على حسب شيوعه وعدمه بين الناس، فلو ترك التكلم في المأكولات ونحوها لما كان مرشدًا للأنام في جميع أحوالهم الضرورية، فلو لم يحرم لحم الخنزير مثلاً لمضى زمن طويل حتى يهتدي الناس إلى ضرره، ولتحريمه أسباب والعلم عند الله تعالى منها:
  • أنه مسبب للديدان الشريطية؛ والتي يحصل للمصاب بها مغص أو قيء وربما صار نَفَسه كريه الرائحة ويصاب بالإقهاء (فقد شهوة الطعام) أو النهم الشديد وقد يصاب بآلام في رأسه أو دوار أو إغماء ويشعر بضعف عام في جسمه وتضطرب أفكاره وأحيانًا تنتابه نوبات صرعية وتشنجات عصبية قوية
  • أنه كثيرًا ما يأكل الخنزير الفئران الميتة التي كثيرًا ما تكون عضلاتها محلاًّ لأجنة دودة الشعرة الحلزوينة؛ لأنها دقيقة جدًّا وملتوية على شكل حلزوني فإذا وصل هذا اللحم إلى معدة الخنزير هضم وخرجت الأجنة من أغشية الأمعاء المخاطية وتصل إلى عضلات الخنزير فإذا أكلها إنسان ولم يكن قد عرضها بالطبخ لحرارة كافية لإماتتها نمت في أمعائه إلى أن تلد أجنة كثيرة تنفذ إلى عضلات الإنسان وخصوصًا عضلات التنفس وكذلك القلب، وحينئذ يصاب بمرض شديد فترتفع حرارته ويعتريه إسهال وقيء وتلتهب جميع عضلاته فلا يقدر على تحريكها ويصير لمسها مؤلمًا فلا يمكنه أن يمضغ أكله فيمتنع عنه ويصعب عليه أن يتنفس لالتهاب عضلاته، ولا يقوى على تحريك عينيه وبعد ذلك يحصل له ارتشاح في جميع جسمه فيرم وتسرع حركات نبضه وحركات تنفسه بطيئة جدًا حتى يموت! وهذه الأعراض لا يمكن علاجها مطلقًا؛ إذ لا يمكن إزالة هذه الديدان من عضلاته بعد تحصنها فيها
  • لحم الخنزير هو أعسر اللحوم هضمًا باتفاق، وذلك لأن أليافه العضلية محاطة بخلايا شحمية عديدة أكثر من الحيوانات الأخرى المباح أكلها وهذه الأنسجة الدهنية تحول دون العصير المعدي فلا تسهل عليه هضم المواد الزلالية للعضلات فتتعب المعدة ويعسر الهضم ويحس الإنسان بثقل في بطنه ويضطرب القلب؛ فإن ذرع الآكل القيء وإلا تهيجت الأمعاء وانطلق البطن بالإسهال فمن لم يتعود أكله تعب منه كثيرًا ومن تعوده وكان قوي المعدة كان الأولى له صرف قوتها في الأغذية الجيدة النافعة وإن لم يكن قوي المعدة ناله من شر هذا اللحم ما يستحق.
  • إن آيات التحريم في القرآن قد وردت بتحريم الخنزير بإطلاق ففي سورة المائدة قول الله تعالى )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ + يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ + الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ( وورد في سورة البقرة قوله عز شأنه )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ + إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( وورد في سورة الأنعام قوله جل جلاله )قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( وقد أجمع الفقهاء رحمهم الله على أن الخنزير كله حرام، قال ابن حزم الظاهري رحمه الله تعالى: لا يحل أكل شيء من الخنزير: لا لحمه. ولا شحمه. ولا جلده. ولا عصبه. ولا غضروفه. ولا حشوته. ولا مخه. ولا عظمه. ولا رأسه. ولا أطرافه. ولا لبنه. ولا شعره: الذكر والأنثى والصغير والكبير سواء، ولا يحل الانتفاع بشعره لا في خرز ولا في غيره[1]
  1. روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم { يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا يَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ} قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُخْتَارِ فِي مَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّا إذَا وَجَدْنَا الْخِنْزِيرَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهَا وَتَمَكَّنَّا مِنْ قَتْلِهِ قَتَلْنَاهُ، وَإِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ شَذَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَقَالُوا يُتْرَكُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَاوَةٌ.ا.هـ[2] قال ابن حزم رحمه الله تعالى: فأخبر عليه السلام أن قتل الخنزير من العدل الثابت في ملته التي يحييها عيسى أخوه عليهما السلام.[3]

[1] المحلى 7/388

[2] طرح التثريب 8/117

[3] المحلي 7/296

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى