الحمد لله الذي له مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الغفور الشكور الصبور، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه.
1/ إن واجباً على أهل العلم بذل النصيحة للمسلمين كافة كما أمرهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة) قلنا: لمن؟ قال (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم، وفي مسند أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الله عز وجل: أحب ما تعبَّدني به عبدي النصح لي) وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حق المؤمن على المؤمن ست) فذكر منها (وإذا استنصحك فانصح له) وفي المسند عن حكيم بن أبي يزيد، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استنصح أحدكم أخاه، فلينصح له) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) وفي المسند وغيره عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بالخيف من منى (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين) وقد روى هذه الخطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من عبد يسترعيه الله رعية ثم لم يحطها بنصيحة إلا لم يدخل الجنة)
2/ وقد حدث بالأمس في هذا البلاد تغيير؛ حيث استبدل رأس الدولة بغيره، وهذا التغيير قد سُرَّ به ناس وتشاءم به آخرون، ولا بد في هذا المقام من تذكير الناس بأمور:
أولها: أن التغيير سنة الله في كونه، وقد قال سبحانه {وتلك الأيام نداولها بين الناس} فلا حزن يدوم ولا سرور؛ {ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم} ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك
ثانيها: أن واجباً على الناس التسليم لله تعالى في حكمه والرضا بقضائه وقدره والعمل بما أوجب الشرع في كل حالة {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}
ثالثها: السكينة السكينة يا عباد الله؛ فإن أقواماً يريدون للفتنة أن تستيقظ وأن تشتعل نيرانها ويمتد أوارها، يريدون للشباب أن يدخلوا في مواجهة مع الجيش فيقتتل أبناء البلد الواحد، وتسيل الدماء وتزهق الأرواح وتزداد الإحن، وذلك ما لا يريده الله لنا، وقد قال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)
رابعها: لا بد من تغليب مصلحة البلاد والعباد على حظوظ النفس وشهواتها؛ فالدين والوطن قبل الأشخاص والذوات، ومصلحة الجماعة فوق مصلحة الأفراد، والجميع مقدم على المجموع
خامسها: نعمة الأمن والاستقرار من أعظم النعم التي ما ينبغي التفريط فيها ولا السعي في تقويضها؛ فحينها كلنا خاسرون وبعد الفوات نادمون، وقد قرن ربنا جل جلاله بين نعمة الأمن ونعمة الطعام فقدم هذه مرة وهذه مرة، ودليل ذلك أن الناس لما تنازعوا وحارت بهم الحيل وضاقت بهم السبل لجأوا إلى الجيش، وهذا تصرف عقلي وفطري وواقعي، لكن بعضهم لما لم يأت التغيير على هواه سارع إلى سبِّ الجيش ولعنه، ولا تنسوا معاشر الشباب أن بنية البلاد التحتية ضعيفة لا تحتمل أي نوع من العنف، وقد قال أهل العلم: إن الفتن إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت، فأما إذا أقبلت فإنها تزين ويظن أن فيها خيرا؛ فإذا ذاق الناس ما فيها من الشر والمرارة والبلاء صار ذلك مبينا لهم مضرتها وواعظاً لهم أن يعودوا في مثلها.ا.هــــ
سادسها: يا معشر المسلمين: تفاءلوا بفرج الله عز وجل وأملوا في ربكم خيرا؛ فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل إذا سمع شيئاً أو رأى شيئاً، وليس للمسلم أن يقنط من رحمة الله أو ييأس من روح الله، وليس للمسلم أن يتطير أبدا
سابعها: لا تغفلوا عن الدعاء والقنوت في الصلوات؛ فإن اللجوء إلى الله تعالى مما يفرج به الهم ويزيل به الكرب ويحدث به بعد العسر يسرا
3/ وإن نصيحة هامة أتوجه إلى المجلس العسكري ومن يتولى قيادته أقول له فيها:
أولاً: اعلم عافاك الله أنها لو دامت لغيرك ما وصلت إليك، وأن الملك لله يضعه حيث شاء؛ فمطلوب منك الوفاء بالعهد فإن الله تعالى قال {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون} وقال {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} فالمدة التي حددتموها واجب عليكم الوفاء بها وعدم الزيادة عليها، ولكم أسوة حسنة في رجل توفاه الله لكن ما زالت الألسنة تلهج بالدعاء له والترحم عليه
ثانياً: إياكم وشهوة الجاه والرغبة في الحكم؛ فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من ذلك بقوله (ما ذئبان ضاريان أرسلا في غنم بأفسد لدين المرء من حرصه على الشرف والجاه) وقد علم المنصفون أنني كتبت في 2014 أيام الترشح للانتخابات الرئاسية نصيحة لرئيس الجمهورية أذكره بالوفاء بالعهود، مستشهداً بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك سعياً لمصلحة الوطن ومصلحته هو، لكن ناساً أغروه بالتمديد حتى كان من أمر الله ما كان، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ حيث أفضى ذلك إلى ملال الناس وخراب الحال وتمكن المفسدين في الأرض، كما أفضى إلى خروج الشباب المطالبين بالتغيير المنادين بسقوط كل ما له علاقة بالنظام ومؤسسات الدولة
ثالثاً: المطلوب من أجل أن تطمئن القلوب سرعة محاسبة الفاسدين والمجرمين – تجاراً أو موظفين مدنيين أو عسكريين – فيحاسب كل من سفك دماً أو نهب مالاً أو استحل ما لا يحل له
رابعاً: دفع ديات قتلى الأحداث الأخيرة من المواطنين والقوات النظامية؛ فإن دم المسلم عزيز، وإنه لا يهدر دم في الإسلام، والسعي في رفع المظالم عن الناس من المكوس والجبايات التي أرهقت كاهلم وعطلت إنتاجهم وشرعنت للفساد
خامساً: أنا لكم ناصح أمين يا من وليتم الحكم: لا يحل لكم بحال العمل في التجارة ولا ممارسة أي نشاط تتربحون منه؛ فليس لكم من بيت مال المسلمين إلا طعامكم ولباسكم وضرورات حياتكم كما كان حالكم قبل أن تلوا الأمر، وإياكم والتبسط في مال الله عز وجل؛ فإن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق أولئك لهم النار يوم القيامة.
سادساً: عليكم بالإسراع بتكوين حكومة من ذوي الكفاءات تطمئن لها قلوب الناس؛ دون نظر إلى محاصصة حزبية أو طائفية أو عرقية؛ بل يولى من كان للمنصب أهلا وقد شهدت له سيرته بنظافة اليد واللسان فمن ولى رجلاً على عصابة من المسلمين وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، والواجب أن يقتصر وجود العسكريين على المؤسسات ذات الطبيعة الأمنية، وأن يكون عملهم قاصراً على تأمين الناس من أي ظلم داخلي أو اعتداء خارجي؛ هذا ولن يقبل الناس أن تتكرر وجوه سبق ثبوت فشلها أو سوء إدارتها للأمور
سابعاً: السعي في تنظيم انتخابات عامة يختار فيها الناس من يثقون بهم ممن يرونهم أهلاً لتمثيلهم في المجلس النيابي الذي تختار منه الحكومة التي تسير دفة الأمور، وأن يكون الجيش ضامناً لذلك كله