1ـ ذكر ربنا جل جلاله صفات المتقين ومن بينها }وفي أموالهم حق للسائل والمحروم{ ووعد من أنفق بالخلف }وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه{ وأجزل العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا }من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً{
2ـ إنفاق المال نوع من أنواع الجهاد، بل إنه مقدم على الجهاد بالنفس في كتاب الله الكريم في المواضع كلها سوى موضع واحد
3ـ قال أهل العلم: الصدقة أفضل من الجهاد في حال الحاجة والفاقة والمسغبة، وأفضل من الحج؛ لأنها متعدية والحج قاصر؛ ففي الصدقة تفريج كربة، وإغناء عن سؤال، وإشباع لجائع، وفرحة لصغير، وإعفاف لأسرة، وسرور يدخل على قلب شيخ كبير
4ـ الأحاديث في فضل الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم {اتقوا النار ولو بشق تمرة} وقوله {الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} وقوله {ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه} وكان عليه الصلاة والسلام لا يرد سائلاً، وبشَّر المنفق بالزيادة {ما نقص مال من صدقة}
5ـ ما كان من حال الصحابة رضي الله عنهم في التسابق إلى النفقة في أبواب الخير وصنوف البر:
- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه {اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً}
- ما كان من أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه وتصدقه ببيرحاء
6ـ في الصدقة عشر خصال محمودة، خمسة منها في الدنيا وهي: تطهير المال، وتطهير البدن، ودفع البلاء والأمراض، وإدخال السرور على المساكين، وفيها بركة المال، وأما التي في الآخرة: فالصدقة تكون ظلاً لصاحبها من حر يوم القيامة، وفيها خفة الحساب، وتثقيل الميزان، وجواز على الصراط، وزيادة الدرجات في الجنة
7ـ يا مسلم: إن المال الذي تمسكه وتبخل به مصيره كما قال عليه الصلاة والسلام {يقول ابن آدم: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس} فأطلق يدك، وثق بالخلف من الله }الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا{ أبشر أيها المنفق ببشارة الله من فوق سبع سموات }الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون{ ولا تكن ممن قال الله فيهم }الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله{ وقال سبحانه }ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء{ سارع إلى النفقة }من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة{
أحكام تتعلق بزكاة الفطر
أ ـ الذي عليه أكثر أهل العلم على أن دفع زكاة المال يشترط في إجزائه النية، فلا بد من أن يتولاه المرء بنفسه أو يوكِّل في ذلك غيره؛ إما إن تطوع الغير في ذلك بنفسه فلا تجزئ، قالَ النووي رحمه الله تعالى في المجموع: قال أصحابنا: لو أخرج إنسان الفطرة عن أجنبي بغير إذنه، لا يجزئه بلا خلاف؛ لأنها عبادة فلا تسقط عن المكلف بها بغير إذنه، وإن أذن فأخرج عنه أجزأه، كما لو قال لغيره: اقض ديني وكما لو وكله في دفع زكاة ماله وفي ذبح أضحيته.أ.هـ
وفي مواهب الجليل شرح مختصر خليل: قال ابن فرحون: هل يجزئ إخراج الأب زكاة الفطر عن ولده الغني أم لا؟ الجواب: إن كان الولد صغيراً جاز، وإن كان كبيراً لم يجز على القول باشتراط النية في الزكاة، والمذهب اشتراطها. ومثل ذلك من تطوع عنه بزكاة الفطر غيره وهو موسر.أ.هـ
2ـ وقد ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أن زكاة الفطر إنما تخرج من الطعام الغالب عند أهل البلد؛ استدلالاً بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: {فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة} رواه البخاري. ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّن الأصناف التي تخرج منها الزكاة ولو كان النقد مجزئاً لذكره عليه الصلاة والسلام. وذهب أبو حنيفة إلى جواز إخراج القيمة بدل الطعام، استدلالاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم {أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم} أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وقد قال بذلك من أئمة الفقه الأولين عمر بن عبد العزيز حيث عمَّم ذلك في كتاب من غير نكير من علماء عصره، فروى ابن أبي شيبة في المصنف في كتاب الزكاة/ باب في إعطاء الدراهم في زكاة الفطر قال: حدثنا وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز {في صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم} وممن قال بذلك الحسن البصري رحمه الله حيث روى عنه ابن أبي شيبة {لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر} وممن ذهب إلى جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر للمصلحة الراجحة الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله حيث قال في مجموع الفتاوى 25/79: وأما إذا أعطاه القيمة ففيه نزاع: هل يجوز مطلقاً؟ أو لا يجوز مطلقاً؟ أو يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، وهذا القول هو أعدل الأقوال، يعني القول الأخير. وقال في موضع آخر: وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة الراجحة أو العدل فلا بأس به. 25/82
ومن تأمل في تلك النصوص المنقولة ونظر في المسألة بعين الإنصاف علم أن القول بإخراج القيمة في زكاة الفطر هو الأنفع للفقير والأرجح في تحقيق كفايته وقضاء مصالحه؛ إذ الفقير في زماننا بحاجة إلى دفع فاتورة المياه والكهرباء وغيرها مما يطالب به في ضرورات حياته، ولعل القول بذلك يغنيه عن الحيلة التي يلجأ إليها بعضهم حين يضيِّقون الأمر ويوجبون إخراج الزكاة عيناً؛ فيضطر الفقير إلى بيعها ثانية لحاجته إلى الدنانير، وخلاصة القول أن الأمر واسع وما ينبغي النكير على من قال بجواز أخذ القيمة في الزكاة، بل لعل قوله إلى الصواب أقرب، والله تعالى أعلم.