خطبة عيد الأضحى لعام 1440
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً؛ الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له كان بعباده خبيراً بصيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا
أيها المسلمون: فإنكم في يوم من أيام الله، يوم النحر، يوم الحج الأكبر، يوم عيد الفداء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين. الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون. لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين} صدق الله العظيم
أنا لست في الحجاج يا رب الــــــــــورى لكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن قلبي بالمحبة كبرا
لبيك ما نبض الفؤاد وما دعا داع وما دمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع بعين جرى
لبيك أعلنها بكل تذلل لبيك ما امتلأت بها أم القــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرى
لبيك يا ذا الجود ما قلب هفا شوقاً للعفو منك وبالخضوع تدثـرا
أيها المسلمون: في يوم عرفة أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم تلك الآية العظيمة {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} قال ابن جريج: يوم عرفة، في يوم جمعة، لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير إلا موحِّداً، ولم ير مشركا، حمد الله، فنزل عليه جبريل عليه السلام {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم}، أن يعودوا كما كانوا، {فلا تخشوهم} قال أبو جعفر: يعني بذلك: فلا تخشوا، أيها المؤمنون، هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفار، ولا تخافوهم أن يظهروا عليكم، فيقهروكم ويردُّوكم عن دينكم {واخشون}، يقول: ولكن خافونِ، إن أنتم خالفتم أمري واجترأتم على معصيتي، وتعدَّيتم حدودي، أن أُحِلَّ بكم عقابي، وأنزل بكم عذابي، {اليوم أكملت لكم دينكم} اليوم أكملت لكم، أيها المؤمنون، فرائضي عليكم وحدودي، وأمري إياكم ونهيي، وحلالي وحرامي، وتنزيلي من ذلك ما أنزلت منه في كتابي، وتبياني ما بيَّنت لكم منه بوحيي على لسان رسولي، والأدلة التي نصبتُها لكم على جميع ما بكم الحاجة إليه من أمر دينكم، فأتممت لكم جميع ذلك، فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم. قالوا: لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من الفرائض، ولا تحليل شيء ولا تحريمه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانين ليلة. {وأتممت عليكم نعمتي} وأتممت نعمتي، أيها المؤمنون، بإظهاركم على عدوِّي وعدوكم من المشركين، ونفيِي إياهم عن بلادكم، وقطعي طمعهم من رجوعكم وعودكم إلى ما كنتم عليه من الشرك. {ورضيت لكم الإسلام دينا} فإن قال قائل: أوَ ما كان الله راضياً الإسلامَ لعباده إلا يوم أنزل هذه الآية؟ قيل: لم يزل الله راضياً لخلقه الإسلام دينا، ولكنه جل ثناؤه لم يزل يصرِّف نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في درجات الإسلام ومراتبه درجة بعد درجة، ومرتبة بعد مرتبة، وحالاً بعد حال، حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه، وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه، ثم قال حين أنزل عليهم هذه الآية {ورضيت لكم الإسلام} بالصفة التي هو بها اليوم والحال التي أنتم عليها اليوم منه {دينا} فالزموه ولا تفارقوه. هذا كلام ابن جرير رحمه الله، وقال الفخر الرازي: وقال القفال ـ وهو المختار ـ إن الدين ما كان ناقصاً، بل كان أبداً كاملاً، يعني كانت الشرائع النازلة من عند الله في كل وقت كافية في ذلك الوقت، إلا أنه تعالى كان عالماً في أول وقت المبعث بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ولا صلاح فيه، فلا جرم كان ينسخ بعد الثبوت وكان يزيد بعد العدم، وأما في آخر زمان المبعث فأنزل الله شريعة كاملة وحكم ببقائها إلى يوم القيامة، فالشرع أبداً كان كاملاً، إلا أن الأول كمال إلى زمان مخصوص، والثاني كمال إلى يوم القيامة فلأجل هذا المعنى قال {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}
عباد الله: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى، وهو يوم النحر، هو يوم الحج الأكبر؛ لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج يرمون الجمرة الكبرى، ويذبحون الهدايا، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة، وهو عيد الأضحى ويوم النحر لأن الناس يضحون فيه وينحرون هداياهم، (وما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم وإن للمضحي بكل شعرة حسنة) وهذه الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم ونبيكم محمد عليهما السلام، وإنها لسنة مؤكدة يكره لمن قدر عليها أن يتركها وإن ذبحها لأفضل من الصدقة بثمنها لما فيها من إحياء السنة والأجر العظيم ومحبة الله لها؛ فضحوا أيها المسلمون عن أنفسكم وأهليكم؛ متقربين بذلك إلى ربكم متبعين لسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم حيث ضحى عنه وعن أهل بيته، ومن كان منكم لا يجد الأضحية فقد ضحى عنه النبي صلى الله عليه وسلم جزاه الله عن أمته خيراً، وإذا كان منكم أحد يريد أن يتبرع بالأضحية عن والديه فلا يحرم نفسه وذريته وأهله منها، وفضل الله واسع.
أيها المسلمون: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، أخلصوا لله النية، كلوا منها وتصدقوا وادخروا، وسِّعوا على أهلكم وعيالكم، واعلموا أن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر، أيام صلة وإحسان وبر، اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبِّحوه بكرة وأصيلا، عظموا شعائر الله، وقفوا عند حدوده، ولا تنتهكوا حرمات الله، اجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور، أكثروا من فعل الخيرات {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى}
أيها المسلمون عباد الله: ديننا دين النظافة، دين الطهارة، وقد علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ربنا جل جلاله جميل يحب الجمال، نظيف يحب النظافة، طيب يحب الطيب، {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وقد شرع لنا الوضوء والغسل وخصال الفطرة من قلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وقص الشارب والختان وغسل أثر البول والغائط بالماء وغيرها من سنن الفطرة، وإن واجباً علينا أن نحرص على نظافة بيئتنا واجتناب الأمراض ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وقد ابتلانا الله فيما مضى من الأيام بتلك الأمطار الغزيرة التي لا تزال آثارها في الشوارع والطرقات باقية، فلنحرص – عافانا الله وإياكم – أن نقلل من مخاطر هذه الحالة، وليعمد كل منا إلى التخلص من بقايا ذبيحته بالطرق السليمة التي تضمن ألا يتضرر منها الناس؛ وألا تفسد علينا حياتنا فإنه لا ضرر ولا ضرار. فمن ضار ضاره الله، ومن شق شَقَّ الله عليه