خطب الجمعة
خطبة عيد الفطر 1431 هـ
- هذا يوم التكبير والتهليل، يوم الذكر والشكر، يوم الأكل والفطر؛ فإن رسول الله r قدم المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما؛ فأبدلهم الله بهما يومي الفطر والأضحى؛ يخرج المسلمون مكبرين مهللين ذاكرين شاكرين؛ فالله أكبر من كل كبير؛ الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر شعارنا ـ معشر أمة الإسلام، الله أكبر حين ننادي للصلاة، والله أكبر حين نقيمها، والله أكبر حين نشرع في صلاتنا، والله أكبر حين نركع، والله أكبر حين نسجد، والله أكبر حين نرفع، والله أكبر حين يولد لنا مولود، والله أكبر حين نصلي على ميتنا، والله أكبر حين نجاهد، والله أكبر حين نزحف إلى عدونا، والله أكبر حين نذبح، والله أكبر حين نفرح، الله أكبر من طغيان الطاغين، والله أكبر من استكبار المستكبرين، والله أكبر من كيد المعتدين، والله أكبر من عدوان الظالمين، هذا يوم القبول، هذا يوم الفرح والسرور {للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بلقائه} عيدنا عيد التكبير والتهليل، عيد الدعاء والرجاء، لا عيد المبتدعة والمشركين، ولا عيد اللاهين اللاعبين، ولا عيد العابثين الفارغين، بل الفرحون بهذا العيد هم )التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله، وبشر المؤمنين (
- تذكروا بخروجكم هذا خروجكم من الدنيا بانقضاء آجالكم وفناء أعماركم وختم أعمالكم؛ )وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد # ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد # وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد # لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد(
- خرجتم إلى صلاتكم هذه وقد أخذتم زينتكم ولبستم من جديد ثيابكم، تذكروا رحمكم الله خروجكم يوم البعث من قبوركم، حافية أقدامكم عارية أجسادكم، )يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج( تذكروا يوم النشور )إذا بعثر ما في القبور # وحصل ما في الصدور( تذكروا )يوم لا ينفع مال ولا بنون # إلا من أتى الله بقلب سليم( )لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم( تحشرون إلى أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي لا معلم فيها لأحد، تعرض عليكم أعمالكم وتأخذون كتبكم وصحائف أعمالكم )يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد( )يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد( )يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( يوم تنشر الدواوين وتوضع الموازين. فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا ما ترون في هذا اليوم من مظاهر الزينة، فإن الزينة الحقيقية هي زينة التقوى، قال تعالى) يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير( نظر بعض الصالحين إلى لباس الناس يوم العيد فقال: هل ترون إلا خرقاً تبلى، ولحماً يأكله الدود غداً، ورأى آخر أناساً يضحكون في يوم عيد الفطر فقال: إن كان هؤلاء تُقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يتقبل منهم فما هذا فعل الخائفين.
- اتقوا الله واشكروه على نعمة الإسلام حيث هداكم إليه وجعلكم به خير أمة أخرجت للناس، فقوموا بواجباته، واعلموا أن الإسلام ليس بالتسمي والانتساب من غير التزام لأحكامه وقيام بواجباته وابتعاد عن نواقضه ومنقصاته، إن للإسلام أركاناً وشرائع وسنناً، تعظيماً للخالق وإحساناً للمخلوق، فالمسلم من أدى الواجبات واجتنب المحرمات، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وصام رمضان وحج بيت الله الحرام وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فاحذروا أذية المسلمين بأي نوع من أنواع الأذى قال تعالى )والذين يؤذون المسلمين والمسلمات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً( أيها المسلمون: غضوا من أبصاركم؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، يزرع الشهوة في القلب، ويجر إلى الفواحش، أيها المسلمون )أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين _ وزنوا بالقسطاس المستقيم _ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين( احذروا الغش في بيعكم وشرائكم وسائر أعمالكم، فإن الغش ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفجور في الخصومات والتساهل بالأيمان والشهادات، قال تعالى )إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم( واحذروا أخذ الرشوة وأكل الربا وأكل مال اليتيم فإنها من كبائر الذنوب، وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام فإنها سبب لسعة الرزق وبركة الأعمار، تواصلوا رحمكم الله بالتحف والهدايا وأنواع الإكرام وبالعطف واللطف ولين الكلام، فمن وصل رحمه أوصل له الخيرات وبسط له البركات، وليس الواصل بالمكافئ، أيها المسلمون اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم؛ إن الله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وإن الله يعطي الدنيا من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب، اعلموا أن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل يحق الحق ويبطل الباطل؛ فكونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا فإن كل أم يتبعها ولدها
- صوموا ستة أيام من شوال وواظبوا على الطاعات بعد رمضان؛ حافظوا على الصلاة مع الجماعة، وأدوا زكاة أموالكم، وبروا آباءكم وأمهاتكم، وبادروا إلى حج البيت الحرام وأروا الله من أنفسكم خيراً، اتقوا الله ما استطعتم تفوزوا برضا الله ورحمته وجنته، وتعيشوا عيشة السعداء )من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون( إن التمسك بالدين يكفل لكم الحياة السعيدة حياة العز والكرامة والنصر والرخاء والرحمة )ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز( عباد الله )إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي( )إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل( إن الله يأمركم بالإخلاص وبر الوالدين واتباع الرسول وصلة الأرحام والصدق والوفاء والنصيحة وبذل الخير لخلقه والشفقة عليهم، وينهاكم عن الرياء والعقوق وقطيعة الأرحام، ينهاكم عن الكذب والغدر والغش والخيانة والطغيان، يأمركم بكل صلاح وخير وينهاكم عن كل فساد وشر.
- أيها المسلمون: إن بلادنا يتربص بها أعداء الله من الكفرة الفجار، والمنافقين الأشرار، )يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون( يريدون لنا أن نرتد لعهود الظلام حين كان حكم الجاهلية سائداً؛ حين حرم الحلال وأحل الحرام، حين كان الناس يصبحون ويمسون وهم في سكرتهم يعمهون؛ حين كان يولد الوليد ثم يشيب وهو لا يعرف للمسجد طريقاً ولا في المصحف نظرا؛ حين كان الدين قاصراً على الهرم الفاني؛ أما الشاب ففي غيه سادر، حين كانت النساء كاسيات عاريات، ولا تعرف الحجاب إلا العجوز الشمطاء التي أكل الدهر عليها وشرب؛ إن في أيامنا هذه من يبشر بعودة تلك الأيام ويتوق إليها، ويمكر المكر الكبار بالليل والنهار ليرجع الناس القهقرى )ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم( )ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم أسرارهم # فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم # ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم( في ظهيرة يوم السبت الذي مضى دعي نفر من أهل العلم إلى لقاء نائب رئيس الجمهورية، ودار حديث حول ما تداولته الصحف حول تغيير بعض القوانين ذات الصبغة الدينية في ولاية الخرطوم، وقد أعلن النائب أمام جمع من أهل العلم يمثلون كافة الطوائف والتيارات أن الشريعة لا مساومة عليها، وأنه لا يملك هو ولا غيره أن يعطل لله حكماً أو يلغي له أمراً، وقال بالحرف الواحد لتكن وحدة أو انفصال لكن الشريعة لا تنازل عنها. هذا كلام يثلج صدور المؤمنين ويطمئن قلوب الوجلين المشفقين؛ لكن في اليوم الذي بعده يصرح رئيس مفوضية حقوق غير المسلمين ـ وهو رجل جنوبي نصراني كان سكرتيراً لمجلس الكنائس فيما مضى ـ يصرح بأنهم قدموا مشروعات لتعديل القوانين ليشعر المواطنون غير المسلمين بأنهم شركاء في الوطن!!! ويفوه هذا الإنسان بما لا يليق حين يقول: إن هيئة العلماء فهمونا غلط!! هذا كلام يراد منه تخدير المسلمين؛ حتى يتسنى للكافر أن يلغي ما شاء من أحكام الدين؛ فهؤلاء الشركاء من الذي ضارهم في دينهم؟ من الذي أكرههم على مخالفة معتقدهم؟ إنهم لا يريدون الشراكة بل يريدون أن يكونوا سادة يتحكمون في الأغلبية ويلغون دينها ويدوسون على شريعتها، يريدون أن تكون كلمة الذين كفروا هي العليا، وهيهات هيهات، إن دماء الشهداء لن تذهب هدراً إن شاء الله، وإن أعواماً من الجوع والمسغبة قد عانى منها أبناء بلدنا، عانوا البأساء والضراء وزلزلوا؛ وقد قيل لهم: إن هذا كله ابتلاء من الله كما ابتلي الأنبياء والصالحون جزاء تمسكهم بدين الله؛ أفنرضى بعد هذا كله أيها المسلمون أن تبدل شريعتنا ويحرف ديننا ويذهب جهادنا هدراً؟ اللهم لا. إننا نقول: إذا أراد غير المسلم أن يعيش معنا فإن شريعة الله تسعنا، ومن أراد غير ذلك فليذهب غير مأسوف ولا مبكي عليه؛ فالدين أولاً والدين آخرا، وما سواه تبع له
- أيها المسلمون: ليكن أملكم في الله عظيماً؛ فدينكم خير الأديان، وشريعتكم أكمل الشرائع، ونبيكم سيد النبيين، وإمام المرسلين، دينكم هو أعظم الأديان انتشاراً، وكتابكم هو كلمة الله الأخيرة للبشر، لا تيأسوا من روح الله، ولا يهولنكم ما عليه أعداء الله من الاستئساد على المسلمين وفض بيضتهم فعما قليل ليصبحن نادمين، والله من ورائهم محيط، إن الغرب الكافر الذي تشدق بالحرية وحقوق الإنسان يكشف في كل يوم عن وجهه الكالح ومبادئه الزائفة، في ولاية فلوريدا بأمريكا القس تيري جونز أعلن عزمه على أن يحرق القرآن الكريم غداً السبت في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأعلن أنه تلقى العديد من التشجيع لرفضه الانصياع للضغوط، وأن مؤيديه يرسلون نسخاً من نصوص القرآن إلى كنيسته لحرقها، وفي ألمانيا تستقبل المستشارة انجيلا ميركل الرسام الدانماركي الذي أساء إلى نبي الإسلام r قبل خمس سنوات، وفي إسبانيا يعلن عن افتتاح ملهي ليلي على شكل مسجد، وباسم مكة، وقبل ذلك في سويسرا تمنع المآذن وفي فرنسا يحظر الحجاب
- أيها المسلمون قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، وقد أصبتم خيراً؛ فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون؛ من شاء ممن صلى العيد صلى ظهراً، ومن أراد الحسنيين وأعلى المقامين فليسع إلى الجمعة؛ فإن من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير.