خطبة عيد الفطر للعام 1443
الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، خلق فقدر، وشرع فيسر، الحمد لله الذي وفق عباده المؤمنين للصيام والقيام؛ اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أيها الناس: هذا يوم التكبير والتهليل، يوم الإيمان والتوحيد، وحِّدوا ربَّكم واعبدوه، واذكروه واشكروه، عظموه وأجلوه، هللوه وكبروه، وادعوه وارجوه، توبوا إليه واستغفروه، واعلموا أن ربكم جل جلاله خاطبكم بقوله {يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ؛ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ؛ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ؛ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي؛ يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا؛ يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا؛ يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ}
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد؛ عباد الله: اعلموا أن بعد الحياة موتاً، وبعد الموت حساباً، وإنه لا ينجو من فتنة القبر إلا من كان من أهل اليقين؛ حقق الإيمان وكان من أهل اليقين؛ فثبت على الإسلام، وتابع بين الطاعات، ووالى بين القربات، فثبت في الصحيحين من حديث أسماء رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله r فدخلت على عائشة وهي تصلي. فقلت: ما شأن الناس يصلون؟ فأشارت برأسها إلى السماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله r القيام جداً حتى تجلاني الغشي. فأخذت قربة من ماء إلى جنبي؛ فجعلت أصب الماء على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله r وقد تجلت الشمس. فخطب رسول الله r الناس؛ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال {أما بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيته في مقامي هذا. حتى الجنة والنار. وإنه قد أوحي إليَّ أنكم تفتنون في قبوركم قريباً أو مثل فتنة الدجال؛ فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: هو محمد. هو رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى؛ فأجبنا وأطعنا، ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنا نعلم أنك لتؤمن به. فنم صالحاً. وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت.
عباد الله: من أراد النجاة من الفتن فليلزم دين الله؛ يحل ما أحله الله، ويحرم ما حرمه الله، ويعبد الله بما شرع؛ ففي حديث حذيفة t قال: سمعت رسول الله r يقول {تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرباداً كالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أَشرب من هواه} رواه مسلم
عباد الله: إنّ اللّه أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ اللّه أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ اللّه أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك باللّه كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإنّ اللّه أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا؛ فإنّ اللّه ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا اللّه؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر اللّه. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم «وأنا آمركم بخمس اللّه أمرني بهنّ: السّمع، والطّاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة؛ فإنّه من جثى جهنّم» فقال رجل: يا رسول اللّه وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى اللّه الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد اللّه»
1/ هذا اليوم يوم شكر وذكر، وأكل وشرب وفطر، هذا يوم الخير والبر، هذا يوم الجوائز، هذا يوم القبول، هذا يوم الفرح والسرور (للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بلقائه) لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى) فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو، هذا يوم التكبير: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر من كل قوة تظهر في هذا الوجود الله أكبر من طغيان الطاغين، الله أكبر من استكبار المستكبرين، الله أكبر من بطش الجبارين، الله أكبر من المال والبنين، الله أكبر من كل من يطغيه المال أو السلطان الله أكبر من كل شيء. رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنودا، الله أكبر شعارنا معشر أهل الإسلام في الأذان والإقامة والصلاة، الله أكبر حين يولد لنا مولود، الله أكبر حين نصلي على الميت، الله أكبر حين نجاهد، الله أكبر حين نفرح، الله أكبر حين نذبح، الله أكبر نرفع بها أصواتنا؛ فلا كبير إلا الله
أيها المسلمون: عيدنا عيد التكبير والتهليل، عيد الدعاء والرجاء، لا عيد المبتدعة والمشركين، ولا عيد اللاهين اللاعبين، ولا عيد العابثين الفارغين، بل الفرحون بهذا العيد هم {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين}
2/ أيها المسلمون: تذكروا بمرور العيد وتكرره عليكم انقضاء أعماركم وانتهاء آثاركم وختم أعمالكم وحضور آجالكم، وتزودوا بالتقوى للسفر البعيد الذي قال الله فيه {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد _ ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد _ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} وتذكَّروا باجتماعكم هذا، الاجتماع الأكبر على أرض المحشر {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود _ وما نؤخره إلا لأجل معدود _ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} { يوم يقوم الناس لرب العالمين} {إذا بعثر ما في القبور @ وحصل ما في الصدور} {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} يوم تنشر الدواوين وتوضع الموازين.
3/ أيها المسلمون: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}
أيها المسلمون: (غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم) {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}
أيها المسلمون: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين} احذروا الغش في أقوالكم وأفعالكم ومعاملاتكم؛ فالمسلم من أدى الواجبات واجتنب المحرمات، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وصام رمضان وحج بيت الله الحرام، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فاحذروا أذية المسلمين بأي نوع من أنواع الأذى قال تعالى ((والذين يؤذون المسلمين والمسلمات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)) احذروا الغش في بيعكم وشرائكم وسائر أعمالكم، فإن الغش ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفجور في الخصومات والتساهل بالأيمان والشهادات، قال تعالى ((إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) واحذروا أخذ الرشوة وأكل الربا وأكل مال اليتيم فإنها من كبائر الذنوب، وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام فإنها سبب لسعة الرزق وبركة الأعمار، تواصلوا رحمكم الله بالتحف والهدايا وأنواع الإكرام وبالعطف واللطف ولين الكلام، فمن وصل رحمه أوصل له الخيرات وبسط له البركات، وليس الواصل بالمكافئ
4/ أيها المسلمون: ليكن أملكم في الله عظيماً؛ فدينكم خير الأديان، وشريعتكم أكمل الشرائع، ونبيكم سيد النبيين، وإمام المرسلين، دينكم هو أعظم الأديان انتشاراً، وكتابكم هو كلمة الله الأخيرة للبشر، لا تيأسوا من روح الله، ولا يهولنكم ما عليه أعداء الله من الاستئساد على المسلمين وفض بيضتهم فعما قليل ليصبحن نادمين، {والله من ورائهم محيط}، تذكروا كيف ارتد المرتدون، وكيف منع الزكاة المانعون، تذكروا حروب التتر والصليبيين؛ كيف قيَّض الله للإسلام رجالاً حملوا رايته وحموا رسالته؟ وما أشبه الليلة بالبارحة، والحمد لله رب العالمين
6/ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وكبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا
أيها المسلمون عباد الله: هذا يوم التسامح والتصافح والتصالح؛ حتى يكون فرحكم أفراحاً وعيدكم أعيادا؛ فيا فوز من عفا وأصلح، ويا سعادة من أراد وجه الله عز وجل بذلك؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه؛ فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: (رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي!! فقال الله تبارك وتعالى للطالب: فكيف بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري) قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: (إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم؛ فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن!! قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه!! قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك!! قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين)
عباد الله: هذا يوم المرحمة، يوم تعظم فيه الحرمة، يوم يعبد فيه الله ويذكر ويشكر، يوم الصدقة والإحسان، يوم الصلة والجوائز، يوم التوسعة على الأهل والعيال؛ يوم شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أن نلبس من أحسن ثيابنا ونغتسل ونتطيب، وشرع لنا هذه الصلاة المباركة بعد أن نأكل من طيبات ما رزقنا الله، وشرع لنا أن يهنئ بعضنا بعضاً، وشرع لنا أن نوسع على أهلينا وأن نلهو بالمباح الذي لا محظور فيه، وحرم علينا أن نصوم فيه؛ لما في ذلك من الإعراض عن ضيافة الله عز وجل.
عباد الله: إن من الدروس العظيمة التي يتعلمها المسلم من يوم العيد أنه عبد الله حقاً، سامع لربه مطيع؛ لا يتبع هواه، ولا يطيع غير سيده ومولاه؛ كان المؤمن بالأمس ممتنعاً عن الطعام والشراب لأن ربه أمره بذلك؛ واليوم يطعم ويشرب لأن ربه أمره بذلك ((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون. ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)) ((إياك نعبد وإياك نستعين)) إياك نريد بالذي تريد يا ربنا ويا سيدنا ويا غاية رغبتنا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد؛ الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، عباد الله: إن دينكم دين متين قد استعصى على الفناء؛ كم من فلسفات حكمت ثم أفلست، وكم من نظريات سادت ثم بادت، وكم من دول قامت ثم سقطت؛ ودين الإسلام والحمد لله باق. كم من أفكار تخالف دين الله صالت وجالت، وجادل العقلاء والحكماء أربابَها في بطلانها، فلم يستجيبوا أو يرجعوا، حتى كشفت حركة التاريخ عن فسادها وزيفها وهشاشة قواعدها وأصولها؟ وكم من قوىً علت في الأرض بالبغي والباطل تأذَّن الله بسقوطها وهلاكها بعد أن تجبَّر أهلها واختالـوا بقوَّتهـم وقالـوا: لن تَبِيد هـذه أبداً، لكنهم سرعان ما خرجوا من دائرة العلو، بل من ذاكرة التاريخ بعد أن ظن الناس أن لن يخرجوا ((وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)) إن انتصار الحق واندحار الباطل سُنة قدرية وحقيقة كونية وحتمية تاريخية.
((قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ))، وقال: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا))، وقال: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))
إن انتصار الإسلام – وهو دين الرسل جميعاً – سنة إلهية، وبِلُغة القوم: (حتمية تاريخية) ولا مشاحة في الاصطلاح؛ فسنن الله تحكم التاريخ، وتشكِّل حتمياتِه، مهما بدا لقصار النظر أنها تسير بخلاف ما يقوله الله وما يريده. فقد انتصر الرسل جميعاً على أعدائهم، حتى جاء خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ففتح الله له فتحاً مبيناً ونصره نصراً عظيماً على صنوف الأعداء من مشركين وكتابيين ومنافقين، وسجل القرآن الكريم هذه السنة الإلهية و (الحتمية التاريخية) فقال – سبحانه -: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ))، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حقق الله له النصر على كل من ناوأه، وخُتمَت حياته صلى الله عليه وسلم ببشارة النصر الذي اقترن بفتح القلوب بالتوبة قبل أن يقترن بفتح البلدان بالغزو، فقال – سبحانه -: ((إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا))
ومثلما وعد الله رسوله بالنصر، وعد أتباعه به ما استقاموا على دينه وسنته، فقال – سبحانه -: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)