خطب الجمعة

سنة الختان

خطبة يوم الجمعة 19/6/1430 الموافق 12/6/2009

  1. فإن الإسلام جاء للرجال والنساء جميعاً، وقد جعل ميزان التفاضل عند الله لا بالذكورة ولا بالأنوثة، وإنما بالعمل الصالح {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} وقد أمر ربنا عز وجل الرجال والنساء جميعاً بالمسارعة إلى الخيرات والمسابقة في الطاعات {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} وإن ناساً يريدون أن يصوروا الحياة صراعاً أبدياً بين الرجل والمرأة، أو بين الذكر والأنثى، بينما العلاقة في ديننا علاقة تكامل وتعاون وتعاضد (إنما النساء شقائق الرجال)
  2. إن المشكلات التي تعاني منها المرأة المسلمة كثيرة، ومن ذلك:
  • المرأة في كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية شرقاً وغرباً تعاني من انتهاك صارخ لكثير من حقوقها، وورثت بعض بيئاتنا ممارسات جاهلية منحرفة تئدُ قيمة المرأة، وتعتدي على حرماتها؛ ولهذا انتشر الشغار وعضل المرأة، وانتشر الظلم بصوره المختلفة في كثير من الأُسر، وظهر الاعتداء على المرأة بالضرب، وأسرف بعضهم في الاستيلاء على مالها، والتسلط على حقوقها المادية والمعنوية.. هذا فضلاً عن سلسلة طويلة من الممارسات الاجتماعية والثقافية غير المحمودة التي لا يرتضيها العقلاء، فضلاً عن أصحاب الدين والغيرة..!
  • ألم ينتشر الطلاق والعنوسة ونحوهما من الأدواء الأسرية التي انعكست سلباً على نفسية المرأة، وأحدثت شرخاً غائراً ظهر أثره في اختلال الاستقرار الاجتماعي لكثير من المجتمعات..؟!
  • أوَ لسنا نرى الأُمّية بصُوَرها المختلفة تمتد برواقها القاسي لتطغى على عقول كثير من نساء العالم العربي والإسلامي حتى وصلت إلى معدلات قياسية بلغت أكثر من (70%) من النساء في بعض البلدان..؟!
  • ما أجمل الحياء والستر الذي تتدثر به المرأة المسلمة! لكن أيصح أن يكون ذلك الحياء مانعاً لها من التصدّر للدعوة والتربية والذبِّ عن عقيدتها وهويتها..؟! أيسرُّها أن تتصدر النساء المسترجلات المتغربات لتشويه قيمنا وثقافتنا، وهي تتفرج ولا تملك سوى التوجع والحوقلة..؟
  1. المطالبة بحقوق المرأة من الشعارات المستهلكة التي تتشدق بها جميع الاتجاهات العلمانية في بلادنا العربية والإسلامية، وقد ارتفع ضجيجهم بهذا الشعار في السنوات الأخيرة خصوصاً، مع موجة التغريب والعلمنة الجديدة التي اجتاحت العالم الإسلامي، ونستطيع أن نوجز معالم الخطاب النسوي التغريبي البائس فيما يلي:
  • اختزال قضايا المرأة وحقوقها في تغريبها وتحلّلها الأخلاقي؛ فقضية السفور، ونزع الحجاب، والاختلاط، وقوامة الرجل، والتخلص من المحرم.. ونحوها، هي الحقوق التي يعنونها ويدورون حولها ويعملون جاهدين لتقريرها بكل السبل المتاحة
  • مجاراة المجتمعات الغربية في كل صغير ووضيع، والدعوة المحمومة لتغيير الأنظمة والقوانين الاجتماعية والأسرية المحلية لتتوافق مع مقررات هيئة الأمم المتحدة، والمنظمات النسوية العالمية التي أجمع علماء الإسلام على خطورتها ومخالفتها لمسلَّماتنا الشرعية
  • التحلل من القيم، والتمرد على المبادئ والأخلاق؛ فالقيم بزعمهم ما هي إلا قيود مصطنعة تحدّ من الحريات، وتكبت الطاقات المبدعة كما قال قائلهم؛ قال الله تعالى {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}
  • أما القضايا والحقوق الكبرى التي تتطلع لها المرأة فهي غائبة تماماً أو مُغيَّبة وإلا بماذا نفسِّر تغافلهم عن حقوق المرأة في العيش الكريم الذي ينتشلها من مستنقع القهر، ويرفع رأسها عزيزة بعيدة عن مواطن المهانة والمذلّة..؟! أوَ ليس غريباً أن يتشنج بعض المستغربين ويلهثوا في دعوتهم للتعليم المختلط في الوقت الذي تُحرم فيه كثير من النسوة من حق التعليم ابتداء فضلاً عن التعليم العالي..؟! أوَ ليس غريباً أن تُخاطَب المرأة بالتفاهات الإعلامية الوضيعة، ويُحشى عقلها وقلبها بالكلمات الغنائية الساقطة، وبالمسلسلات السينمائية والتلفزيونية الهابطة، ويُراد لها أن تدور اهتماماتهما النسائية في دور الأزياء وموائد الطبخ، في الوقت الذي تعاني منه مجتمعاتنا من تخلف حضاري وفكري يضرب بأطنابه في أعماق أمتنا..؟! أوَ ليس غريباً أن تخصص موازنات مالية كبيرة لمكافحة الختان في السودان ومصر وغيرهما من الدول الإسلامية، في الوقت الذي تفتقد كثير من النساء حقوق العلاج والدواء من أبسط الأمراض، فضلاً عن الأمراض الوبائية التي تفتك بالنساء والأطفال خصوصاً.. ؟! أوَليس غريباً أن تجتهد بعض المنظمات النسوية الغربية والعالمية في الترويج لوسائل منع الحمل في الوقت الذي تتغافل فيه عن دراسة أسباب انتشار الأمراض الجنسية الفتاكة التي عبثت بالنساء والمراهقات منهن خصوصاً..؟!  والأغرب من ذلك أن تقرّ هيئة الأمم المتحدة في مؤتمراتها ومواثيقها الدولية الزنا والإجهاض، بل والشذوذ الجنسي، وتعدّ ذلك من الحريات التي يجب المطالبة بها والدفاع عنها، في الوقت الذي يحاربون فيه الزواج المبكر ..! لماذا لا نتصدر نحن المطالبة بالحقوق المشروعة للمرأة ونرفع بها رأساً، ونقدم البديل الذي يُشرِّف المرأة ولا يهينها، ويحفظها ولا يبتذلها؟
  1. إن ناساً يريدون أن يصرفوا المسلمين عن سنة الختان زاعمين أنه لم يذكر في القرآن، وقد روى البخاري ومسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلِّجات للحسن المغيِّرات خلق الله). فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ـ وكانت تقرأ القرآن ـ فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟! فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟! وهو في كتاب الله. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته!! فقال: لئن كنت قرأته لقد وجدته! قال الله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} هذا إذن هو المنهج الذي كان الصحابة خاصة والسلف الصالح عامة يسلكونه مع منكري الأحكام الشرعية غير المذكورة لفظاً في القرآن الكريم، وهو المنهج نفسه الذي سنسلكه مع كل من أنكر تنصيص القرآن على عملية الختان، فنقول له: لو قرأت فعلاً القرآن قراءة تأمل وتدبر وإمعان وإنصاف لوجدت فيه ذكراً صريحاً للختان وما في معناه من مظاهر الفطرة التي فطر الناس عليها وكانت في المرسلين أوْكد، والدعوة إلى الاقتداء بهم دعوة صريحة إلى الأخذ بها، وبيان ذلك في الآتي:
  • القرآن يدعو إلى اتباع ملة إبراهيم عليه السلام ومن ملته الاختتان، والنصوص الداعية إلى ذلك كثيرة منها قوله تعالى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} وقوله عز وجل {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} ومن مظاهر ملة إبراهيم الاختتان؛ إذ ورد في نصوص شرعية عدة أن إبراهيم هو أول من اختتن من البشرية، ومن ملته التي يجب اتباعه فيها الاختتان، وقد ثبت في الصحيحين وعند الإمام أحمد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم}

القرآن يحث على ضرورة الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سنته الختان، والنصوص المرشدة إلى ذلك كثيرة جداً؛ باعتبار أن سنة محمد صلى الله عليه وسلم تمثل جزءاً من الوحي مكملاً للقرآن وخادماً له، ومن ذلك قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} وقوله عز وجل {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ + قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ} وقوله جل شأنه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى