خطب الجمعة

صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان

خطبة يوم الجمعة 23/5/1431 الموافق 7/5/2010

1ـ فما زالت آمال المسلمين عامة في المشارق والمغارب وفي هذه البلاد خاصة؛ أن يروا شريعة الإسلام حاكمة، وقوانينها مطبقة، وآدابها سارية؛ ليقينهم بأنها قد حوت الكمال كله، والخير كله، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، وأن المسلمين ما يحتاجون معها إلى غيرها؛ قال تعالى )ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(  وقال )أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون( وقد علم الناس أن في شريعة الإسلام أنظمة اجتماعية وأخرى اقتصادية وثالثة جنائية ورابعة للسياسة الشرعية، مع ما فيها من تنظيم لعلاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان، وهي شريعة مرنة سهلة رفع الله عنا فيها الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا، وفيها قدرة على مواجهة النوازل والتكيف مع الحوادث

2ـ نقصد بالشريعة مجموعة الأحكام التي تؤخذ من الكتاب والسنة والاجتهاد؛ كما في حديث معاذ t الذي رواه الإمام أحمد أبو داود والترمذي وابن ماجه

3ـ تختلف الشريعة الإسلامية عن الشرائع السابقة والقوانين الوضعية، لأن تلك كانت محلية مقيَّدة بزمان ومكان؛ أما شريعة الإسلام فهي باقية خالدة صالحة للتطبيق في كل حين وعلى كل مصر

4ـ ومن أحكام الشريعة ما هو قطعي لا يختلف باختلاف الزمان والمكان والأقوام؛ كأحكام العبادات وأحكام الزواج والطلاق والمواريث، وحل البيع وحرمة الربا، وكتابة الدين المؤجل والرهن، ومشروعية المضاربة والشفعة وشرعية الحدود والقصاص

5ـ ومنها أحكام وضعت لها مبادئ وقواعد كلية تصلح لكل زمان ومكان، ثم ترك استنباط الأحكام الجزئية لمجتهدي الأمة، وهذه القواعد الكلية مشتملة على أسرار التشريع، وبها تضبط الفروع وتعرف أحكامها، مثل: الضرورات تبيح المحظورات ـ الضرورة تقدر بقدرها ـ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ـ المشقة تجلب التيسير ـ العادة محكمة ـ الضرر يزال ـ الضرر لا يزال بالضرر

6ـ ما كان في عهد الصديق أبي بكر رضي الله عنه من تجييش الجيوش للدفاع عن حقوق الفقراء، فيما عرف بحروب مانعي الزكاة حين أطلق تلك الكلمة المدوية {والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه} إنفاذاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين قال {فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا جل جلاله لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيء} رواه أبو داود، وإرساء المبادئ الدستورية في تقييد سلطة الحاكم ورقابة الشعب عليه، حين خطب أول خطبة بعد توليه الخلافة صلى الله عليه وسلم؛ وإرساء المبادئ الأخلاقية في الحروب، حين بعث يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى الشام فمشى معه يشيعه؛ قال يزيد بن أبي سفيان: إني أكره أن تكون ماشياً وأنا راكب. قال: فقال: إنك خرجت غازياً في سبيل الله، وإني أحتسب في مشيي هذا معك، ثم أوصاه فقال {لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نخلاً ولا تحرقوه} مع ما كان في عهده من حرب المرتدين وإرساء دعائم الإسلام

7ـ ما كان في عهد عثمان من الغزو في البحر والبر، فهو أول خليفة يركب المسلمون في عهده البحر غزاة في سبيل الله جل جلاله، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما فأطعمته، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ يضحك. قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله فقال”ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة». – أو قال”مثل الملوك على الأسرة». شك إسحاق – قلت ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال «ناس من أمتي عرضوا على، غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة». أو”مثل الملوك على الأسرة». فقلت ادع الله أن يجعلني منهم. قال «أنت من الأولين». فركبت البحر زمان معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. رواه البخاري ومسلم.

وقد كان في عهده رفاهية ورخاء، وثروة فقهية تمثلت في إحياء فقه السياسة الشرعية من عدم إيقاع طلاق الفار، وإجازة التقاط الإبل الضالة ووضعها في بيت المال

8ـ ما كان في عهد علي  رضي الله عنه من إرساء المبادئ الإسلامية في قتال البغاة ومعاملة الخوارج وقوله {لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلوا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: {يا ابن مسعود أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟} قال ابن مسعود: الله و رسوله أعلم. قال {فإن حكم الله فيهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم}

9ـ تكررت سيرة الراشدين في عهد عمر بن عبد العزيز الذي جدد ما وهى من معالم الحكم الراشد؛ فرد المظالم وأقام العدل وأدى الحقوق، وبلغ من زهده أنه لم يكن له إلا قميص واحد لاحظ الناس اتساخه فكلموا زوجته في غسله؛ فقالت: والله ما له غيره!! ومن بعده جاء يزيد بن الوليد، ونور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى