خطب الجمعة

ظلم وظلم

خطبة يوم الجمعة 13/5/1430 الموافق 8/5/2009

1ـ إن الله تعالى حرَّم الظلم على نفسه؛ قال بعض العلماء: معناه لا ينبغي لي ولا يجوز علي؛ كما قال تعالى )وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا( فالظلم محال في حق الله تعالى. يعني أنَّه منع نفسه من الظلم لعباده، كما قال جل وجلاله )وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ( وقال )وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ( وقال )وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ( وقال )وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ( وقال )إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً( وقال )إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ( وقال )وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً( والهضمُ: أنْ يُنقَصَ من جزاء حسناته، والظُّلم: أنْ يُعاقب بذنوب غيره ومثل هذا كثير في القرآن. وهو مما يدلُّ على أنَّ الله قادرٌ على الظلم، ولكنَّه لا يفعلُه فضلاً منه وجوداً، وكرماً وإحساناً إلى عباده. قال بعضهم في هذا الحديث: لا يسوغ لأحد أن يسأل الله تعالى أن يحكم له على خصمه إلا بالحق لقوله سبحانه {إني حرمت الظلم على نفسي} فهو سبحانه لا يظلم عباده فكيف يظن ظان أنه يظلم عباده لغيره؟

2ـ وقد حرَّم الظلم على العباد فيما بينهم فقال {فلا تظالموا} المعنى المظلوم يقتص له من الظالم وحذفت إحدى التاءين تخفيفاً، أصله: فلا تتظالموا. يعني أنَّه تعالى حَرَّم الظلم على عباده، ونهاهم أنْ يتظالموا فيما بينهم، فحرامٌ على كلِّ عبدٍ أنْ يظلِمَ غيره، مع أنَّ الظُّلم في نفسه محرَّم مطلقاً، وهو نوعان: أحدهما: ظلمُ النفسِ، وأعظمه الشِّرْكُ، كما قال تعالى )إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( فإنَّ المشركَ جعل المخلوقَ في منزلةِ الخالق، فعبده وتألَّهه، فوضع الأشياءَ في غيرِ موضعها، وأكثر ما ذُكِرَ في القرآن مِنْ وعيد الظالمين إنَّما أُريد به المشركون، كما قال الله جل وجلاله )وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ( وقال سبحانه )ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين( وقال سبحانه )ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين( ثمَّ يليه المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائرَ وصغائرَ. قال تعالى ]فمنهم ظالم لنفسه( وقال سبحانه ]قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي( الثاني: ظلمُ العبدِ لغيره، قال تعالى )إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق( وهو المذكورُ في هذا الحديث، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع {إنَّ دماءكم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكُم حرامٌ، كحرمةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا} وفي الصحيحين عن ابنِ عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال {الظلمُ ظُلُماتٌ يوم القيامة} وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال {إنَّ اللهَ لَيُملي للظَّالم حتَّى إذا أخَذَه لم يُفْلِته} ثم قرأ )وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ( وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال {من كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلَّلْهُ منها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ مِنْ قبل أنْ يُؤخَذ لأخيه من حسناته، فإنْ لم يكن له حسناتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئات أخيه فطُرِحت عليه}

3ـ وقد وصف الله جل جلاله الإنسان الضعيف المسكين بهذه الصفة فقال )وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار( وقال )وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا( وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم

4ـ من صور الظلم التي تخفى على كثير من الناس:

  • الصد عن بيوت الله تعالى وتعطيل رسالتها بالهيمنة عليها )ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ^ لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم(
  • الحكم بغير شريعة الله جل جلاله ومحاولة تعطيلها وصد الناس عنها )ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون(
  • كتم الشهادة عند طلبها )ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون(
  • أكل مال اليتيم )إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا(
  • المماطلة بحق على الإنسان مع القدرة على الوفاء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم {مطل الغني ظلم} وقال {لي الغني الواجد يحل عرضه وعقوبته}
  • ومن الظلم أن يزوج الوالدان البنت بمن لا ترضاه زوجاً لها ولا تحب أن تكون معه تحت سقف واحد
  • وظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة، وكذلك ظلمها حين يسكنها بين أهله ـ وفي البيت شبان ورجال ـ وهو قادر على أن يجعل لها مسكناً خاصاً؛ فتجلس المسكينة متحفظة متحجبة لا تهنأ بعيشها ولا تنفرد بزوجها ولا تستطيع أن تدبر أمر عيالها
  • ظلم الأجير بعدم إعطاء الأجرة {ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه، ورجل باع حراً فأكل ثمنه}
  • إن ناساً يحسبون أنهم إذا خدعوا القاضي والحاكم فقد حل لهم أن يأخذوا ما ليس لهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام {من قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار}
  • الظلم حرام كذلك إذا كان من الحاكم تجاه الرعية، بل هو أبغض الخلق إلى الله تعالى
  • ومن الظلم الحيف في الوصية {إن العبد ليعمل بطاعة الله سبعين سنة فيحيف في الوصية فيدخله الله النار}
  • ومن الظلم التفرقة بين الأولاد بغير سبب موجب {اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم}
  • ومن الظلم أن يقضي القاضي بين الناس بغير علم أو يقضي بينهم بغير حق
  • ومن الظلم الميل إلى إحدى الزوجات وتضييع حقوق الأخريات
  • ومن الظلم تعذيب الناس في الدنيا، والتعدي على حرماتهم

أما والله إن الظلم شؤم     وما زال المسيء هو الظلوم

إلى ديان يوم الدين نمضي     وعند الله تجتمع الخصوم

ستعلم في الحساب إذا التقينا   غداً عند الإله من الملوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى