خطب الجمعة

علو الهمة في رمضان

خطبة يوم الجمعة 2/9/1439 الموافق 18/5/2018

1/ التذكير بفضل رمضان وأنه شهر لا كالشهور، وما ينبغي للمسلم فيه من الجد والاجتهاد والدأب في المسابقة في الخيرات

رمضان أقبل يا أولي الألباب فاستقبلوه بعد طول غيــــــاب

عام مضى من عمرنا في غفلة فتنبهوا فالعمر ظل سحاب

وتهيئوا لتصبر ومشــــــــــــــــــــــــــــــقة فأجور من صبروا بغير حساب

الله يجزي الصائمين لأنهم من أجـــــــــله سخروا بكل صعاب

لا يدخل الريان إلا صائم أكــــــرم بباب الصـــــــــــــوم في الأبواب

2/ ما يعين على علو الهمة في رمضان جملة أمور:

أولها: تذكُّر الموت وأنه يأتي بغتةً؛ وأنه قد لا يدرك رمضان من عام آت؛ فكم من فاضلٍ شهد معنا رمضان في العام الذي مضى وحُرِم منه في هذا العام

كم كنتَ تعرفُ ممن صام في سلفٍ      من بين أهـلٍ وجيرانٍ وإخـــــــــــــــــــــــــــوان

أفناهُمُ الموتُ واستبقاك بعدهُمُ      حياً فما أقربَ القاصي من الداني

ثانيها: تذكُّر أن هذا الشهر ليس إلا أياماً معدودات؛ فما أن يدخل حتى ينقضي، فلا بد أن يوطِّن المسلم نفسه من يومه الأول على أن الشهر قد خرج؛ فلا شك أن الإنسان إذا عمل عملاً، أو زار مكاناً، أو اجتمع إلى شخص، واستشعر أثناء ذلك أنه لن يعود إليه مرة أخرى، فإن هذا الشعور يضاعف في نفسه شعوراً آخر بضرورة اغتنام تلك الفرصة التي قد لا تتكرر؛ ولهذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم لما استمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قالوا: (كأنها موعظة مودع)، ولهذا أيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع جمع لأمته فيها من النصيحة في كلمات، ما تفرق خلال دعوته في سنوات؛ ومن هنا أيضاً ندرك السر في نصيحته لأحد أصحابه عندما قال له : (إذا قمتَ في صلاتك فصلّ صلاة مودع) تعالوا نتصور… رجلاً مخلصاً يصلي ركعات يعلم أنه يودع بها الدنيا.. كيف ستكون في تمامها.. في خشوعها… في شدة إخلاصها وصدق دعائها؟! إن الرسول يعلمنا بهذا الهدي والله أعلم كيف نتخلص من آفة تحوّل العبادة إلى عادة. فلماذا لا نستحضر روح الوداع في عباداتنا كلها… خاصة وأننا إلى وداع في كل حال؟ وخاصة أن صلاتنا ليست مهددة وحدها بالتحول من عبادة إلى عادة؟

 إن رمضان يحل علينا ضيفاً مضيافاً، يكرمنا إذا أكرمناه، فتحل بحلوله البركات والخيرات، يُقدم علينا، فيقدّم إلينا أصنافاً من الإتحافات والنفحات.. ضيف لكنه مضيف، وربما يكون الواحد منا في ضيافته للمرة الأخيرة..! أو ربما ينزل هو في ضيافة غيرنا بعد أعمار قصيرة.. فهلاّ أكرمنا ضيفنا! وهلاّ تعرضنا لنفحات مضيفنا!

تعال نقف مع أنفسنا هذه الوقفات لإخراج صيامنا من إلْف العادة إلى روح العبادة:

أ- نصوم رمضان في كل عام وهمّ أكثرنا أن يبرئ الذمة ويؤدي الفريضة.. فليكن همنا لهذا العام تحقيق نعم تحقيق معنى صومه (إيماناً واحتساباً) ليغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا.. وهي كثيرة.

ب- نحرص كل عام على ختم القرآن في شهر القرآن مرات عديدة.. فلتكن إحدى ختمات هذا العام ختمة بتدبر وتأمل ونية إقامة حدوده قبل سرد حروفه.

ج- نسعى في تنقلنا بين المساجد للقيام إلى اختيار الصوت الأجمل.. فليكن سعينا العام وراء الصلاة الأكمل.

د- يتزايد حرصنا في أوائل الشهر على عدم تضييع الجماعة مع الإمام.. فليكن حرصنا هذا العام طوال الشهر على عدم تفويت تكبيرة الإحرام.

ه- نخص رمضان بمزيد من التوسعة على النفس والأهل من أطايب الدنيا، فليتسع ذلك للتوسعة عليهم بأغذية الأرواح والأنفس.

– إذا أدخلنا السرور على أسرنا بهذا وذاك فلنوسع الدائرة هذا العام فندخل السرور على أُسَرٍ أخرى.. أَسَرتها الحاجة وكبّلَتها الأعباء.

– نتصدق كل عام بقصد مساعدة المحتاجين، فلنجعل قصدنا لهذا العام مساعدة أنفسنا التي بين أضلعنا على التخلص من نار الخطيئة بجعل تلك الصدقة خالصة لتطفئ غضب الرب.

– نحرص على العمرة في رمضان لفضلها.. فلنجعلها لعمرنا كله هذا العام إذا أذن الله نغسل بها ما مضى… فقد يكون آخر العهد بالبيت ذاك الطواف.

– نحرص وإياك على اكتساب العمل النافع في رمضان، فليكن هذا النفع متعدياً للغير بكتاب يُهدى أو نصيحة تُسدى.

– لنفسك من دعائك النصيب الأوفى، فلتتخل عن هذا (البخل) في شهر الكرم، فملايين المسلمين في حاجة إلى نصيب من دعائك الذي تُؤَمّن عليه الملائكة وتقول: ولك بمثله.

– الجود محمود في رمضان وأنت أهله ببذل القليل والكثير، فليمتد جودك إلى الإحسان لمن أساء، وصلة من قطع.

– لنكف عن الاعتكاف إلى الناس، ولْنكتف بالعكوف مع النفس لمحاسبتها؛ فربما يفجؤنا الموت فنحاسَب داخل القبر قبل أن نتمكن من محاسبة أنفسنا ونحن أحياء على ما فرطنا في جنب الله.

– نحب التعبّد بتفطير الصائمين، فلنجرد هذه العبادة من حب المحمدة أو دفع المذمة، فذلك رياء لا يثيب صاحبه بل يصيب مقاتله.

– تفطير الصائمين من جوعة البطن مستحب مندوب، ولكن إشباع جياع القلوب فرض مطلوب، فليكن لنا جهد في هذا مع جهدنا في ذلك.

– تصفّ قدميك مع مصلين لا تعرفهم… فهلاّ تعرفت على ما يوحّد قلبك معهم ويضم صفك إليهم، فإن تسوية الصفوف خلف الإمام ما جُعلت إلا لتوحيد القلوب على الإيمان.

– لنا ولك أعداء، فانتصر عليهم بالدعاء إن كانوا كافرين، وانتصف منهم بالدعاء إن كانوا مسلمين، فكم من دعاء حوّل العداء إلى ولاء.

– في رمضان، يذكرك الضعفاء بأنفسهم على نواصي الطرق وأبواب المساجد، فلتذكر أنت المستضعفين من المسلمين الذين لا سبيل لهم إليك ليذكّروك بأنفسهم.

– يتوارد على سمعك في كل عام ما يعرّفك بقدر رمضان، فاجعل همّ هذا العام أن تتعامل مع رمضان بمقدار قدره.

– قدر رمضان يتضاعف في ليلة القدر، فهل قدّرت في نفسك أنها ربما فاتتك في أعوام خالية؟! اغتنمها اليوم فقد لا تأتي بها ليالٍ تالية.

– إذا ودّعت رمضان.. أو ودّعك رمضان.. فاستحفظه ربك، واستودعه ما عملت فيه.. حتى لا يضيع، فلا تدري، لعلك لا تلقاه بعد عامك هذا..

– إذا لقيته في عام قابل بّلغنا الله وإياك شهوره فعد مرة أخرى واستقبله استقبال المودعّين.

ثالثها: تذكُّر ما أعد الله من الأجر والثواب لأهل طاعته ومرضاته في هذا الشهر الكريم من جزيل الثواب وعظيم الأجر

رابعها: أن يتذكر أن الطاعة يذهب تعبها ويبقى أجرها

خامسها: الاقتداء بحال السلف رضوان الله عليهم في استثمار أيامه ولياليه في طاعة الرحمن جل جلالـه، فما كانوا يضيعون منه شيئاً في غير فائدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى