أن الفقه في الدين سبب من أسباب الحصول على الخير: عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) قال ابن بطال: “فيه فضل العلماء على سائر الناس، وفيه فضل الفقه في الدين على سائر العلوم، وإنما يثبت فضله لأنه يقود إلى خشية الله والتزام طاعته وتجنّب معاصيه” وقال أبو محمد الأندلسي: “يترتب على هذا من الفقه أن من منَّ عليه بأحد هذين الوجهين فليستبشر بالخير العظيم والفضل العميم، إذ إن الشارع عليه السلام قد جعل ذلك علامة على من أراده الله للخير ويسّره إليه، وكيف لا تحقّ لهم البشارة وبهم يرسل الله الغيث، ويرحم البلاد والعباد”
أن العلم من أجلّ النعم: قال تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} قال النسفي: “وفي الآية دليل على شرف العلم، وتقدّم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النعم، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلاً على كثير من عباده”
أن العلم كالغيث: عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكبير، وكانت منها أجادب مسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) قال القرطبي: “ومقصود هذا الحديث ضرب مثل لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والدين، ولمن جاءهم بذلك، فشبّه ما جاء به بالمطر العام الذي يأتي الناس في حال إشرافهم على الهلاك فيصيبهم ويغيثهم” وقال ابن القيم: “شبه صلى الله عليه وسلم العلم والهدى الذي جاء به بالغيث؛ لما يحصل بكلّ واحد منهما من الحياة والمنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد، فإنها بالعلم والمطر… ثم قال: فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم، وعظم موقعه، وشقاء من ليس من أهله”
أن أهل العلم أحد صنفي ولاة الأمر: قال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ} قال ابن القيم: “ولما كان كل من الجهاد بالسيف والحجة يسمى سبيلَ الله فسّر الصحابة رضي الله عنهم قوله: {أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ} بالأمراء والعلماء فإنهم المجاهدون في سبيل الله؛ هؤلاء بأيديهم، وهؤلاء بألسنتهم، فطلب العلم وتعليمه من أعظم سبيل الله عز وجل” قال ابن عثيمين: “فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله، ودعوة الناس إليها، وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله، وإلزام الناس بها.
رضا الملائكة بطالب العلم: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سلك طريقاً يبتغي منه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم)) قال الخطابي: “قوله: ((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم)) يتأول على وجوه، أحدها: أن يكون وضعها الأجنحة بمعنى التواضع والخشوع تعظيماً لحقه وتوقيراً لعلمه. وقيل: وضع الجناح معناه الكف عن الطيران للنزول عنده. وقيل: معناه المعونة وتيسير السعي له في طلب العلم، والله أعلم” وقال أبو يحيى زكريا الساجي: كنا نمشي في بعض أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين، فأسرعنا المشي، وكان معنا رجل ماجن متّهم في دينه، فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها، كالمستهزئ، فمازال من موضعه حتى جفّت رجلاه وسقط
أن العلم يستثنى صاحبُه من اللعن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم)) قال الطيبي: “وكان من الظاهر أن يكتفي بقوله: ((وما والاه)) لاحتوائه على جميع الخيرات والفاضلات ومستحسنات الشرع، لكنه خصّص بعد التعميم دلالةً على فضل العالم والمتعلم، وتفخيماً لشأنهما صريحاً، وإيذاناً بأن جميع الناس سواهما همج” وقال ابن القيم: “وما كان طريقاً إليه من العلم والتعلم لحق المستثنى من اللعنة، واللعنة واقعة على ما عداه؛ إذ هو بعيد عن الله وعن محابه وعن دينه
إيواء الله سبحانه وتعالى لطالب العلم: عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟! أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله إليه…)) قال المهلب: “فيه من الفقه أن من جلس إلى حلقة فيها علم أو ذكر أنه في كنف الله وفي إيوائه، وهو ممن تضع له الملائكة أجنحتها، وكذلك يجب على العالم أن يؤوي من جلس إليه متعلماً؛ لقوله: ((فآواه الله إليه))” وقال ابن حجر: “وفي الحديث فضل ملازمة حلق العلم والذكر، وجلوس العالم والمذكّر في المسجد” قال ابن القيم: “فلو لم يكن لطالب العلم إلا أن الله يؤويه إليه ولا يعرض عنه لكفى به فضلاً
أن أهل العلم يغبَطون: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلِّط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها)) قال ابن بطال: “ترجم البخاري لهذا الباب: باب الاغتباط في العلم والحكمة؛ لأن من أوتي الحكمة مثل هذه الحال فينبغي أن يغبط وينافس فيها” وقال ابن حجر: “دلّ الحديث على أن الغبطة لا تكون إلا بأحد أمرين: العلم أو الجود، ولا يكون الجود محموداً إلا إذا كان بعلم
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العلم بالنضارة: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه)) قال المنذري: “معناه الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة والحسن، فيكون تقديره: جمّله الله وزيّنه، وقيل غير ذلك. وقال ابن القيم: “ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا وحده لكفى به شرفاً؛ فإن النبي دعا لمن سمع كلامه ووعاه وحفظه وبلغه أهله” وقال ملا علي قاري: “وقد استجاب الله دعاءه؛ فلذلك تجد أهلَ الحديث أحسنَ الناس وجهاً وأجملهم هيئة، وروي عن سفيان أنه قال: ما مِن أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة أي بهجة صورية أو معنوية”
مباهاة الملائكة بطلبة العلم: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلّ عنه حديثاً مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا، قال: ((آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة)) قال النووي: “معناه: يظهر فضلكم لهم، ويريهم حسن عملكم، ويثني عليكم عندهم
تقديم أهل العلم في الولايات الدينية: عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم إسلاماً أو سناً)) قال ابن القيم: “فقدّم في الإمامة تفضيله العلم على تقدّم الإسلام والهجرة… وهذا يدلّ على شرف العلم وفضله، وأن أهله أهل التقدّم إلى المراتب الدينية
أن العلم ميراث النبوة: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بخطّ وافر. قال ابن القيم: “هذا من أعظم المناقب لأهل العلم؛ فإن الأنبياء خير خلق الله، فورثتهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كلّ موروث ينتقل ميراثه إلى مورثه إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده، ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا أحقَّ الناس بميراثهم”
استغفار الحيتان وغيرها لطالب العلم: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ طالب العلم ليستغفر له مَن في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء)) قال الخطابي: “وقيل في قوله: ((وتستغفر له الحيتان في جوف الماء)): إن اللهَ قد قيّض للحيتان وغيرها من أنواع الحيوان بالعلم على ألسنة العلماء أنواعاً من المنافع والمصالح والإرفاق، فهم الذين بيّنوا الحكمَ فيها فيما يحلّ ويحرم منها، وأرشدوا إلى المصلحة في بابها، وأوصوا بالإحسان إليها ونفي الضرر عنها، فألهمها الله الاستغفار للعلماء مجازاة على حسن صنيعهم بها وشفقتهم عليها”
لا تنجح الدّعوة إلا بالعلم: قال تعالى: {قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} قال ابن القيم: “وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بدّ في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حدٍّ يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء”