1/ الإنسان الصالح هو المسلم المستقيم على الدين الذي أنزله تبارك وتعالى، والأمة الصالحة هي الأمة التي تأخذ هذا الدين وتستقيم عليه، ثم إن الفرد المسلم، والأمة المسلمة كلهم يبتلى بشتى أنواع البلاء، وقد يثور البلاء من داخل الأمة بسبب الأهواء والفرقة والخصام، وقد يتمثل في عدو حاقد على هذه الأمة يجتاحها ويستذلها، وقد يصل البلاء النابع من الفرقة والخصام إلى حد أن يسل بعضها على بعض السيوف، فتزهق الأرواح، وتسيل الدماء، وتنتهك الحرمات، وتسلب الأموال.
2/ وقد أطلع الله رسوله عليه السلام على كثير من البلايا والفتن التي ستبتلى بها الأمة الإسلامية في مقبل الزمان، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أطال في تحديث الصحابة عن تلك الفتن، وبيان المخرج منها، يقول أبو زيد عمرو بن أخطب: “صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما هو كائن، فأعْلَمُنا أحفَظُنا” ولعل هذا المقام هو الذي ذكره حذيفة بن اليمان، فقد ثبت عنه أنه قال: “قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدَّث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل قد غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه”
وبعض هذه الفتن شديدة مظلمة ومنها خفيف، ففي حديث حذيفة في صحيح مسلم عن الفتن: “منهن (أي من الفتن) ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف، منها صغار، ومنها كبار”
3/ ويبلغ من شدة هذه الفتن أن تخرج المسلم عن دينه، ففي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح المرء مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أحدكم دينه بعرض قليل من الدنيا”
ويبلغ ثقل هذه الفتن وشدتها على المسلم أن يتمنى الموت ويرجوه كي يتخلص من البلاء، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني كنت مكانه” رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم: “والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه، فيقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدَّين إلا البلاء”
4/ وإن من أعظم الأسباب التي توقع في الفتن والبلاء قلة العلم، وكثرة الجهل، وترك الإسلام، وارتكاب الذنوب والمعاصي، وانتهاك الحرمات، فعن أنس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد” وفي رواية: “يقل العلم، ويظهر الجهل” متفق عليه والسبب في قلة الرجال وكثرة النساء كما جاء ذلك مبنياً في بعض الأحاديث – الحروب التي تقع في ذلك الزمان، القتل في آخر الزمان، وليس المراد به قتل المسلمين للكفار، وإنما هو قتل بعض المسلمين لبعض، وفي كثير من الأحيان لا تعرف أسباب ذلك القتل ولا أهدافه، ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن بين يدي الساعة الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس؟ يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء” وروى أبو هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: “والذي نفسي بيده، ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتَل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِل”
5/ من أعظم الفتن التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الفتنة التي أدت إلى مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان وفرقة الأمة الإسلامية، ومن ثم جعل بأسها بينها، فقد سلَّ بعضها السيوف على بعض، وسالت الدماء الطاهرة الطيبة من الفريقين المسلمين المتخاصمين، وأصدق وصف لتلك الفتنة أنها كانت تموج كموج البحر. ففي حديث حذيفة أنه كان جالساً عند عمر بن الخطاب، إذ قال: “أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال حذيفة: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجارِهِ يكفرها الصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر، فقال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيكسر أم يفتح؟ قال: بل يكسر، قال عمر: إذاً لا يغلق أبداً، قلت: أجل. قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب: قال: نعم، كما أعلم أن دون غد ليلة، وذلك أني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله عن الباب، فأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر”
وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم العام الذي تقع فيه الفتنة، ففي حديث عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تدور رحى الإسلام بعد خمس وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم – يقم لهم سبعين عاماً، قلت: (وفي رواية قال عمر: يا نبي الله): مما بقي، أو مما مضى؟ قال: مما مضى” وقد سماها رحى الإسلام تشبيهاً للحرب بالرحى، لأنها تطحن المقاتلين، كما يطحن الرحى الحب، وأشار الرسول صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث إلى مدة حكم بني أمية، فقد كانت مدته سبعين عاماً.
وقد صرح في بعض الروايات بما يكون من حال الأمة في تلك الفتنة، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وتكون بينهما مقتلة عظيمة، ودعواهما واحدة”
وقد قتل عثمان رضي الله عنه شهيداً مظلوما، وقد اتهمواه بالباطل بأنه لم يشهد بدرا، وفر يوم أحد، ولم يشهد بيعة الرضوان، وحرق المصاحف، ووقف على المنبر في الدرجة التي انحط عنها أبو بكر وعمر، وضرب عمارا حتى فتق أمعاءه، ونفى أبا ذر إلى الربذة، وآثر أقاربه بالمال، وولى الوليد بن عقبة، ورد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة بعد أن نفاه عنها رسول الله صلى الله عليه وسـلم