1ـ سمى الله أرض فلسطين بالأرض المباركة والأرض المقدسة في مواضع عدة في كتابه الكريم؛ لما خرج نبي الله إبراهيم عليه السلام من أرض العراق قصد أرض الشام المباركة فكانت مهاجره، ثم كان موته إبراهيم عليه السلام في مدينة الخليل )ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين (ولما أراد موسى إبراهيم عليه السلام من اليهود دخول فلسطين قال لهم )ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم( ثم دخلها بنو إسرائيل على يد نبي الله يوشع بن نون، فتحقق موعود الله لهم حين جاهدوا لإقامة دينه )وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا( ثم أكَّد القرآن بركة أرض فلسطين حين قال )ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها( واكتملت البركة حين أسري بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس فصلى إماماً بالأنبياء هناك، يقول تعالى )سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله( يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن رحلة الإسراء والمعراج {أُتيت بالبراق فركبته؛ حتى أتيت بيت المقدس؛ فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء؛ ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين؛ ثم عرج بي إلى السماء} رواه مسلم، والمسجد الأقصى أحد المساجد التي تشد لها الرحال قال صلى الله عليه وسلم {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى} رواه الشيخان، وفي حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول {لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد، لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه} فقال النبي صلى الله عليه وسلم {أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة} رواه ابن ماجه وصححه الألباني
2ـ وفلسطين قطعة من أرض الشام التي جاءت الأحاديث تشهد بمزيتها عن سائر بلاد المسلمين ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم {طوبى للشام، طوبى للشام} قلت ـ أي زيد بن ثابت راوي الحديث ـ ما بال الشام؟ قال {الملائكة باسطو أجنحتها على الشام} رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. وفي حديث ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس؟ فقال {أرض المحشر والمنشر} رواه أحمد في المسند وفي إسناده ضعف. ومما جاء في فضائل الشام وأهلها قول النبي r {إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة} رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني
3ـ تاريخ الوجود اليهودي في فلسطين، وشرعية وجودهم زمن الأنبياء وإقامة الدين؛ قال الله تعالى )ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون( وبنو إسرائيل هم نسل نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. تبدأ قصة بني إسرائيل مع الأرض المقدسة حين هاجر نبي الله إبراهيم إبراهيم عليه السلام من أرض العراق إلى الشام، وولد له فيها إسحاق ثم ابنه يعقوب؛ وفي أرض الشام أنجب يعقوب أبناءه الاثني عشر، وقد رحل بهم وبذرياتهم إلى أرض مصر بعد أن أصابتهم سنين جدباء، وكان ذهابهم إليها تلبية لنداء ابنه يوسف إبراهيم عليه السلام )ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين( وبقي بنو إسرائيل في مصر ما قارب المائتي سنة، عانوا فيها الكثير من الاضطهاد على يد الفراعنة، وفي هذه الأثناء بُعث موسى إبراهيم عليه السلام ، ودعا فرعون وملأه إلى عبادة الله فاستكبر وأبى، وخرج موسى إبراهيم عليه السلام ببني إسرائيل من مصر قاصداً الأرض المقدسة وذلك حوالي سنة (1350ق.م)، وقد أمرهم موسى إبراهيم عليه السلام بدخولها فجبنوا عن مقاتلة سكانها الوثنيين )وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين ! يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ! قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ! قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ! قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ! قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ! قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين( وهكذا تاه بنو إسرائيل في سيناء أربعين سنة، ومات موسى عليه السلام ولما يدخل بنو إسرائيل الأرض المقدسة {فسأل الله تعالى أن يدينه من الأرض المقدسة رمية بحجر} رواه الشيخان
وبعد مضي سنيِّ التيه قام يوشع بن نون وصي موسى وخليفته في بني إسرائيل وأمر بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة، فقاتلوا سكانها الوثنيين {غزا نبي من الأنبياء.. فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه..} رواه البخاري
وأمر الله بني إسرائيل حين دخولهم المدينة المقدسة أن يدخلوها سجداً مستغفرين شاكرين الله قال صلى الله عليه وسلم {قيل لبني إسرائيل: )ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة( فبدَّلوا، فدخلوا يزحفون على أستاهم وقالوا: حبة في شعرة} رواه البخاري؛ )فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون( وعاش بنو إسرائيل في الأرض المقدسة قرابة أربعمائة سنة ثم تغلَّب عليهم الفلسطينيون الوثنيون فطلبوا من أحد أنبيائهم أن يختار لهم ملكاً يقاتلون معه عدوهم )ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين( وقد تولى المملكة بعد طالوت داود ثم ابنه سليمان عليهما السلام، ثم انقسمت المملكة بعد سليمان إلى مملكتين شمالية وهي مملكة إسرائيل وعاصمتها نابلس، ومملكة يهوذا الجنوبية وعاصمتها أورشليم (القدس).
4ـ وفي عام (721 ق.م) سلط الله على بني إسرائيل سرجون الآشوري فدمر مملكة إسرائيل، وتحققت عقوبة الله في إفساد بني إسرائيل. وفي عام (587 ق.م) زحف ملك بابل بختنصر إلى فلسطين وسيطر على أرضها ودمر أورشليم وأحدث فيها القتل والدمار، وساق من بقي من أهلها إلى بابل فيما عرف بالسبي البابلي )وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً ! فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً( وفي عام (538 ق.م) سمح الملك الفارسي قورش لبني إسرائيل بالعودة إلى فلسطين، وقد وقعوا بعد ذلك في حكم اليونان (320 ق.م) واستمر حكمهم حتى احتل الرومان فلسطين سنة (63 ق.م).
5ـ وفي السنين الميلادية الأولى بعث عيسى إبراهيم عليه السلام في بني إسرائيل مصدقاً لرسالات بني إسرائيل السابقة ومبشراً بالرسالة الخاتمة )وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد( وقد جهد عيسى في دعوة قومه حتى كادوا له وأرادوا قتله، فنجاه الله من بني إسرائيل وقد كادوا أن يقتلوه كما قتلوا إخوانه من الأنبياء، وقد استحقوا بذلك عقوبة الله التي أوعدهم على لسان أنبيائه، )ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون( )وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون( )وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم(
5ـ انتقال أحقية الأرض المقدسة إلى أمة الإسلام ونشأة الصراع على فلسطين بين أهل الحق وأهل التحريف والتبديل:
– في شهر رجب 16هـ كانت القدس على موعد مع انتقال الأرض المقدسة إلى عهدة المسلمين، وقد تسلم عمر مفاتيح بيت المقدس بعد أن أعطى أهلها الأمان، وكان من شروط العهدة العمرية واشترطه نصارى بيت المقدس حينذاك على المسلمين أن لا يسمحوا لأحد من اليهود أن يدخل بيت المقدس “ولا يسكن بإيليا منهم أحد”.
– وفي شعبان (492هـ) اقتحم الصليبيون المسجد الأقصى وقتلوا نحواً من سبعين ألفاً من المسلمين كما خربوا المسجد الأقصى.
– وقد استرده المسلمون في رجب (583هـ) استمرت فلسطين مقاطعة إسلامية حتى سقوطها في يد الإنجليز عام (1923م) في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
– بيد أنه في عام (1600م) بدأ النصارى البروتستانت بكتابة معاهدات تعلن أن على جميع اليهود العودة لفلسطين تحقيقاً للوعد التوراتي واعتبره أوليفر كرومويل راعي الكومنولث البريطاني في مقدمة لعودة المسيح إلى الأرض، وأكده بعد ذلك الألماني البروتستانتي بول فلجن هوفر عام (1655م).
– وفي عام (1799م) حاول نابليون احتلال فلسطين وقال في خطاب له مخاطباً لليهود “إن فرنسا تقدم لكم في هذا الوقت إرث إسرائيل.. فهذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين للمطالبة باستعادة حقوقكم بين شعوب العالم..” واستمرت الدعوة إلى ذلك مرة بعد مرة.
– في عام (1897م) قرر مؤتمر الجمعيات الصهيونية في مدينة بال السويسرية بزعامة هرتزل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
– وفي عام (1901م) قابل هرتزل مندوب الجمعيات الصهيونية السلطان عبد الحميد وعرض عليه مساعدتهم للدولة العثمانية على أن يمكنهم من أرض فلسطين، وتكرر العرض الصهيوني في عام (1902م) فكان جواب السلطان عبد الحميد لإحدى هذه المحاولات: “انصحوا الدكتور هرتزل بأن لا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع، إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني، بل ملك شعبي، لقد قاتل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه… فليحتفظ اليهود بملايينهم، إذا مزقت إمبراطوريتي فعلّهم يستطيعون آن ذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، ولكن يجب أن يبدأ ذلك التمزيق أولاً في جثثنا، وإني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة”.
– وفي عام (1917م) أصدر وزير خارجية بريطانيا بلفور وعده لليهود بالسماح لهم بإقامة وطن لهم في فلسطين وقال بلفور “إن التضحية بنحو 700 ألف فلسطيني لا يوازي مهابة الوعود التوراتية”.
– في عام (1923م) وقعت فلسطين في قبضة الانتداب البريطاني في أعقاب هزيمة جيوش الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الثانية.
– وقد كان عدد اليهود قبل الانتداب في فلسطين لا يتجاوز 75 ألف يهودي، لكنهم بلغوا في نهاية الانتداب نتيجة للهجرات إلى فلسطين 750 ألف يهودي.
– في عام 1947م أعلن اليهود إقامة وطن لهم في فلسطين، وقد اعترفت بهم عدد من الدول، وتكلل هذا الجهد اليهودي بهزيمة العصابات الإسرائيلية للجيوش العربية السبعة، وإبرام اتفاقية رودس (1949م) ووقوف الجيوش العربية عند حدود التقسيم، ثم وقعت على اتفاقيتي الهدنة الأولى والثانية.
– في (23 يناير 1950م)، أعلنت دولة اليهود القدس الغربية عاصمة لها.
– وقد قامت ثورات عدة في ضد المعتدين أبرزها ثورة البراق عام (1929م) كما أحبطت بريطانيا واليهود ثورة بقيادة المجاهد عز الدين القسام وإخوانه عام (1935م)، وفي عام (1936-1939م) قامت الثورة الفلسطينية الكبرى.
ـ وفي عام (1967م) احتلت القوات الإسرائيلية سيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع عزة، وكان مما احتلته القدس الشرقية التي يقع فيها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.
– وفي (1979م)، أعلن مناحم بيجن رئيس الوزراء اليهودي أن القدس الموحدة (شرقية وغربية) هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، ووصل عدد اليهود في القدس الشرقية إلى 19 ألف يهودي.
– وفي 8/12/1987م تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في وجه العدوان والطغيان الإسرائيلي، وبلغ عدد الشهداء فيها ألفي شهيد فيما بلغ عدد الجرحى ثلاثة عشر ألفاً.
6ـ مستقبل الصراع مع اليهود:
ولا ريب أن الصراع مع اليهود لم يبلغ نهايته وإن بلغ بداية النهاية له، فقد اجتمع اليهود من جديد في أرض فلسطين ليتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم {لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود} رواه الشيخان واللفظ لمسلم. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً {لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة} رواه أبو يعلى، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات. وفي حديث أبي أمامة t {لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس} رواه أحمد في المسند، ورواه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات
كما جاءت النصوص القرآنية َتعِد المؤمنين بنصر الله إن هم نصروه وتخلوا عن ولاءات الجاهلية وأفعالها، ومنها )إنهم لهم المنصورون ! وإن جندنا لهم الغالبون ! فتول عنهم حتى حين ! وأبصرهم فسوف يبصرون( )ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ! الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور( )إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد( )إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده( )ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ! سيهديهم ويصلح بالهم ! ويدخلهم الجنة عرفها لهم ! يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم(
6ـ إسرائيل والغرب في معركة فلسطين:
ـ فلسطين أرض الميعاد اليهودي كما يؤمن النصارى واليهود: قد يتساءل المرء عن سر العلاقة الوطيدة بين الغرب وإسرائيل والتي يبرز بعضاً من صورها قول إسرائيل شاحاك “دافع الضرائب الأمريكي أرسل إلى إسرائيل خمسة مليارات دولار في عام 85.. فإن أمريكا تقدم لنا أكثر من 14 مليون دولار يومياً على مدار السنة من دون قيد أو شرط”، ومن صورها ما نراه من دفاع أمريكا عن إسرائيل في المجامع الدولية حتى الإدانة والتنديد. ولا ريب أن للأمر علاقة وطيدة بسياسة الغرب وأمريكا في المنطقة العربية، ولكن ذلك لن ينسينا الدافع الديني لهذا الموقف؛ فالنصارى على اختلاف مللهم يؤمنون بنصوص التوراة المحرفة التي يتداولها اليهود – أسفار العهد القديم، ويؤمنون أيضاً بأحقية ما جاء فيها من وعود لشعب إسرائيل، وإيمانهم بها لا يختلف كثيراً عن إيمان اليهود بها. يقول المبشر جيرير فولويل رئيس منظمة الأغلبية الأخلاقية، وهي منظمة مسيحية: إن الوقوف ضد إسرائيل هو وقوف ضد الله”!! ويقول دوغلاس كريكر “إن الأصوليين الإنجليزيين مثل اليهود والأرثوذكس مغرمون بالأرض التي وعد الله بها إبراهيم وذريته”!! تقول مؤلفة كتاب عن حياة وزير خارجية بريطانيا بلفور، صاحب الوعد المشهور “إنه كان يؤمن إيماناً عميقاً بالتوراة، ويقرؤها ويصدق بها حرفياً، وإنه نتيجة لإيمانه بالتوراة أصدر هذا الوعد”. ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر “لقد آمن سبعة رؤساء أمريكيين، وجسدوا هذا الإيمان بأن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل هي أكثر من علاقة خاصة، بل هي علاقة مزيدة، إنها متجذرة في ضمير وأخلاق ودين ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه، لقد شكَّل إسرائيلَ والولايات المتحدةَ الأمريكيةَ مهاجرون طليعيون، ونحن نتقاسم تراث التوراة”.
ـ النصوص التوراتية التي يؤمن بها النصارى واليهود ويعملون سوياً في تحقيقها:
وأما النصوص التي اتفق النصارى واليهود على تحقيقها فهي نصوص التوراة المحرفة (أسفار العهد القديم) التي تعطي اليهود حقاً فيما بين الفرات والنيل كما تجعل من شعب فلسطين عبيداً لأمة بني إسرائيل. وقد تكررت هذه النصوص من مواطن شتى في التوراة المحرفة منها:
- أن نوحاً قال لسام (يعتبره اليهود أباهم): “ملعون كنعان (جد قبائل فلسطين الكنعانية) عبد العبيد يكون لأخويه، فقال: مبارك الرب إله سام، وقال: ليكن كنعان عبداً لهم” (سفر التكوين/الإصحاح 9).
- ويرى اليهود والنصارى أحقية بني إسرائيل المطلقة بأرض كنعان لأن الله قال لإبراهيم “أقيم عهدي بيني وبينك وبين نفسك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً، لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك، أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً” (سفر التكوين/الإصحاح 12).
- ويرون أن هذا الوعد خاص بأبناء إسحاق دون أبناء إسماعيل؛ فقد جاء في التوراة قولها: “ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت من السنة الآتية” (سفر التكوين/الإصحاح17).
- وفي نص آخر تقول التوراة: “يدعو اسمه إسحاق وأقيم معه عهداً وأبدياً لنسله من بعده” (سفر التكوين/الإصحاح17).
- وتوضح التوراة حدود الأرض التي منحت لنبي إسرائيل “لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات” (سفر التكوين/الإصحاح 15).
- ولا يستطيع مؤمن بالتوراة – سواء كان يهودياً أو نصرانياً – إلا أن يعمل لتحقيق هذا الأمر المزعوم، وإلا فلسوف يكون ملعوناً من الله كما زعمت التوراة “كن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومبارِكوك مباركين” (سفر التكوين/الإصحاح 27).
- يقول القس جيمي سويجارت: “إن الرب يقول: إنني أبارك من يبارك إسرائيل، وألعن من يلعنها، وبفضل الرب ما زالت الولايات المتحدة متفوقة، وأعتقد أنها لم تبلغ ما بلغت إلا بمساندتها لإسرائيل، وأدعو الله أن يدوم دعمنا لإسرائيل”.
- ولذلك يؤيد النصارى استيطان اليهود في فلسطين، ويرون ذلك حقاً دينياً كيف لا والتوراة تقول عن أرض فلسطين “الشعب الساكن فيها مغفور الإثم” (سفر أشعيا/ الإصحاح 33) لذا تقول جولد مائير رئيسة وزراء إسرائيل: “من يعش داخل أرض إسرائيل يمكن اعتباره مؤمناً، وأما المقيم خارجها فهو إنسان لا إله له”.
ـ اليهود والنصارى ينتظرون قدوم مسيحهم الظافر في فلسطين: وكما يؤمن النصارى بحق اليهود في فلسطين فإنهم يؤمنون بظهور المسيح ثانية في فلسطين ليقودهم إلى النصر المبين، ويرون أن قيام دولة إسرائيل شرط في رجوع المسيح الذي سيحكم أرض إسرائيل في رجوعه الثاني، فيما يعتبر اليهود أن القادم ليس هو مسيح النصارى بل آخر يأتي لأول مرة.
- وفي التبشير بهذا القادم تقول التوراة “يُولد لنا ولد، ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام، لا نهاية على كرسي داود (عرش فلسطين) وعلى مملكته ليثبتها ولا يعضدها، بالحق والبر، من الآن إلى الأبد، وغيرة رب الجنود تصنع هذا” (سفر إشعيا/ الإصحاح التاسع).
- يقول لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا النصراني عن نفسه: إنه صهيوني وإنه يؤمن بما جاء في التوراة في ضرورة عودة اليهود، وأن عودة اليهود مقدمة لعود المسيح”.
- ويقول حاخام إسرائيلي موجهاً خطابه للنصارى: “إنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية، ونحن ننتظر مجيئه للمرة الأولى (لأنهم لا يؤمنون بالمسيح عليه السلام)، فلنبدأ أولاً ببناء الهيكل، وبعد مجيء المسيح ورؤيته نسعى لحل القضايا المتبقية سوياً”.
- وفي المجمع العالمي الثاني للكنائس المسيحية في أفانستون عام 1954م قدم للمجمع تقرير جاء فيه “إن الرجاء المسيحي بالمجيء الثاني للمسيح لا يمكن بحثه عبر فصله عن رجاء شعب إسرائيل الذي لا نراه بوضوح فقط في كتب العهد القديم (التوراة) بل فيما نراه من عون إلهي دائم لهذا الشعب.. إننا نؤمن أن الله اختار شعب إسرائيل لكي يتابع خلاصه للبشرية.. ولذلك فإن شعب العهد الجديد (الإنجيل) لا يمكن أن ينفصل عن شعب العهد القديم (التوراة). إن انتظارنا لمجيء المسيح الثاني يعني أملنا القريب في اعتناق الشعب اليهودي للمسيحية، وفي محبتنا الكاملة لهذا الشعب المختار”.
- ويقول المبشر المسيحي أوين “إن إرهابيين يهوداً سينسفون المكان الإسلامي المقدس وسيستفزون العالم الإسلامي للدخول في حرب مقدسة مدمرة مع إسرائيل، ترغم المسيح المنتظر على التدخل”.
- ويقول رونالد ريجان رئيس أمريكا الأسبق “أجد في التوراة أن الله سيلمُّ شمل بني إسرائيل في أرض الميعاد، وقد حدث هذا بعد قرابة ألفي سنة، ولأول مرة فإن كل شيء مهيأ لمعركة مجدد والمجيء الثاني للمسيح”.
ومعركة مجدو هي (المعركة النهائية الفاصلة التي يتوقع النصارى أن ينتصروا فيها واليهود على عدوهم).
4- القول الحق في الوعد المزعوم لليهود:
يؤمن المسلمون بأن الله وعد إبراهيم عليه السلام ببركة واستخلاف في ذريته حين طلب ذلك من الله )وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (وهكذا كان الوعد الإلهي لإبراهيم في ذريته مشروطاً بالصلاح، وقد تكرر ذلك الشرط عندما طلب من الله أن يرزق أهل بلده الحرام من كل الثمرات )وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير( وأكدت الآيات تميز أبناء إبراهيم باعتبار الصلاح والفساد، فتقول عن إسماعيل )وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين( وعليه نقول: إن الصالحين من ذرية إبراهيم إبراهيم عليه السلام هم الذين يستحقون البركة والاستخلاف، خلافاً لما زعمه اليهود حين زعموا أن لهم امتيازاً على العالمين استحقوه من جهة نسبهم الشريف، وهذه الخصوصية كما يرون تجعل من الأرض المقدسة حقاً مشروعاً لهم إلى قيام الساعة، فهم أبناء الله وأحباؤه – زعموا – والله تعالى أكذبهم حين قال )ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون( فقد كان استخلاف بني إسرائيل في الأرض المقدسة مشروطاً بإقامة منهج الله )ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين( ثم تمضي الآيات لتقرر عصيان اليهود وعدم استحقاقهم لاختيار الله واصطفائه، وتقرر انتقال ذلك إلى أمة الإسلام )وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ! ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون( وانتقلت خيرية الله المخولة بالخلافة عنه في أرضه إلى الأمة التي تعبد الله وتقيم دينه وشرائعه )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون( وتمضي الآيات توضح حال بني إسرائيل، والسبب الذي نزع لأجله الاصطفاء منهم فتقول )ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون(
وإنا لنعجب لليهود والنصارى وهم يستدلون بنصوص التوراة المحرفة عن الوعد الإلهي لليهود في أرض فلسطين كيف يتغافلون عن نصوص أخرى جاء فيها ما يشير إلى أن الله سيذلهم وسينتقم منهم جزاء انتهاكهم حرمات الله، ولسوف يستبدلهم بأمة أخرى جاهلة فقالت التوراة عن بني إسرائيل “هم أغاروني بغير إله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضاً أغيرهم بغير شعب، وبشعب جاهل أغضبهم” (سفر التثنية/ الإصحاح 32). فأغضبهم الله بأمة العرب وبأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصفهم الله فقال )ليغيظ بهم الكفار(