وإن كتاب الله أوثق شافع … وأغنى غناء واهباً مـــــــتفضّلا
وخير جليس لا يملّ حديثه … وترداده يزداد فيه تجمّلا
وحيث الفتى يرتاع في ظلماته … من القبر يلقاه سناً متهلّلا
هنالك يهنيه مقيلاً وروضة … ومن أجله في ذروة العزّ يجتلى
فيا أيّها القارى به متمسّكا … مجلّا له في كلّ حال مبجّلا
هنيئاً مريئاً والداك عليهما … ملابس أنوار من التّاج والحلى
فما ظنّكم بالنّجل عند جزائه … أولئك أهل الله والصّفوة الملا
أولو البرّ والإحسان والصّبر والتّقى … حلاهم بها جاء القرآن مفصّلا
عليك بها ما عشت فيها منافساً … وبع نفسك الدّنيا بأنفاسها العلا
يقول تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها} ويقول سبحانه {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} وقال {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} قال الآلوسي رحمه الله تعالى: قوله ((مُبَارَكٌ)) أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة».
بركة القرآن لا تنتهي، فهو مبارك من كل وجه، وعلى أي حال، ومن ذلك:
أن مجرد قراءته متعبدٌ بها، التي لا تكلف شيئاً، وبكل حرف عشر حسنات، إذا قرئ القرآن يحصل للقارئ على كل حرف في مقابل كل حرف عشر حسنات، هذا أقل تقدير، والله يضاعف لمن يشاء، فأقل ما يحصل للقارئ في الختمة الواحدة قراءة القرآن مرة واحدة على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، هذا إذا قلنا إن المراد بالحرف حرف المبنى، وإلا فالخلاف موجود: هل المراد بالحرف حرف المعنى أو المبنى؟ لكن المرجح أنه حرف المبنى.
من بركاته أنه شفاء لأمراض القلوب، ولأمراض الأبدان، فمن قرئت عليه الفاتحة برئ من اللدغة كأنما نشط من عقال، كأنه ما أصيب؛ فالبركة فيه من كل وجه، من تدبره ورتله، وقرأه على الوجه المأمور به، هداه الله، من يريد ويروم الهدى فإنه هنا في قراءة القرآن على الوجه المأمور به
من يريد زيادة الإيمان والطمأنينة وانشراح الصدر فعليه بقراءة القرآن، من يريد النور التام في الدنيا والآخرة فعليه أن يتمسك بالقرآن.
من بركته أن فيه الهداية والبشارة ((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) هدى لا شك أن فيه الهداية؛ لأنه هو الصراط المستقيم، كما جاء في تفسير السلف أنه القرآن هو الذي يهديهم وهو الذي يدلهم، ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) فالقرآن هدى، في مطلع سورة البقرة ((ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ))
وكلام الله تعالى القرآن الكريم لا شك أنه مبارك؛ لأنه كلام ربنا، وكلامه صفة من صفاته تعالى، ولذلك كان هذا القرآن مباركاً، وفيه شفاء للناس، وبسبب قراءته يحصل الخير العظيم للعبد، ألَمْ ترَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن البقرة وآل عمران: {إنهما تأتيان يوم القيامة تحاجان عن صاحبهما}؟! وقال عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا سورة البقرة، -اقرؤوها واحفظوها- فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة} والبطلة هم: السحرة، وهذا حديث صحيح. فهي بركة ومضادة للسحر. وروى مسلم في صحيحه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه. اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهم غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافٍّ تحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة».
1/ أعداء الله يحاربون دين الله من أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال؛ حين أظهر دينه وأعلى كلمته ونصر أولياءه، لكن هل كف أعداء الله عن مرادهم؟ اللهم لا؛ فجاءت الحملات الصليبية واحدة تلو الأخرى لتحتل بلاد المسلمين وتسفك دماءهم، وبعد سبع حملات صليبية فاشلة في مائتي سنة، يؤسَر قائد الحملة الصليبية السابعة ملك فرنسا لويس التاسع في مصر على يد المماليك، ثم يطلق سراحه من سجن المنصورة بفدية مالية كبيرة، فيقسم الأيمان المغلظة ألا يعود لحرب المسلمين، ثم يطلب من الصليبيين في وصيته قبل وفاته، أن يغيِّروا خططهم في غزو المسلمين، ويتحولوا من القتال العسكري إلى الغزو الفكري فكانت بداية الحركة الاستشراقية.
2/ والتاريخ يعيد نفسه. نقل المؤرخ الجبرتي أن نابليون بونابرت الذي احتل مصر وخرَّب الأزهر الشريف واتخذ من أروقته اسطبلاً لخيوله، عندما دخل مصر جمع العلماء والمشايخ وألقى فيهم خطابًا تاريخياً استفتحه بالبسملة استشهد فيه بالآيات القرآنية قائلاً: (بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه.. أيها المشايخ والأئمة، قولوا لأمّتكم إن الفرنساوية هم أيضًا (مسلمين)، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحث النصارى على محاربة الإسلام. علق عليه الجبرتي بقوله: “تمويهات على العقول بفاسد التخيلات التي تنادي على بطلانها بديهة العقل فضلا عن النظر”، ثم تهكم الجبرتي بقوله “إن الفرنساوية هم أيضا مسلمين” فقال: قوله مسلمين صوابه الرفع، ونكتة العدول إلى النصب إشارة إلى أن إسلامهم نصب. وأبى الشعب المصري الأبي أن يسكت عن هذا المحتل، وجاهده بكل ما يملك من قوة حتى طرده وجيشه. ويصدق عليه قول القائل:
برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينا
يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
واتركوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه ورجاه أن يلينا
فأجاب الديك مهلاً يا أضل المهتدينا
سائلو التاريخ عنا عن جدود سالفينا
من ذوي التيجان فينا ممن دخل البطن اللعينا
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا
وما أكثر الثعالبة في زماننا وفي بلادنا هذه، ومنهم ذاك الكذاب الأشر الكفار الأثيم الذي جعلوه مسئولاً عن المناهج، وهو رأس من رؤوس الضلال ورمز من رموز الخبال، لا يبالي بأن يكذب على الله تعالى، ويكذب على عباد الله، والذي خرج على الناس متوجعاً متألماً أن في مرحلة الأساس ثلاثاً وعشرين سورة، وهو في ذلك يعزف على ذات الوتر الذي عزف عليه وزيره الجهول حين أقر من قال إن في مرحلة الأساس عدداً مهولاً من السور!! وكلاهما غير مؤتمن على عقول الأجيال ولا تصورات الأبناء. أقول: مدير المناهج هذا من كذبه المفضوح زعمه أن عبارة (الإسلام صالح لكل زمان ومكان) لا تشمل الشريعة، ويفوه بالباطل وينطق بالزور حين يزعم أن القرآن المدني كانت شريعته صالحة للقرن السابع، لكنه لا يصلح لكل زمان ومكان، ويمكن أن يكون صالحاً في المستقبل إذا البشرية انحدرت!!
ينكر الجهاد وما ملكت أيمانهم والرق وقتل الإنسان وأن كل الناس يحكمهم خليفة واحد وأن الرجل قيم على المرأة، كل ما نراه في السور المدنية، ثم ينسب العمل الذي قامت به داعش إلى القرآن المدني.
هؤلاء هم عملاء المستعمر الصليبي وسماسرة الغزو الثقافي؛ فكيف وصل هؤلاء إلى تلك المناصب؟ وكيف نالوا هاتيك المراكز؟ أليس هذا سؤالاً ينبغي لشعبنا أن يطرحه؟ ولشبابنا أن يعوا جوابه
3/ إن القوم – أعني اليهود والصليبيين – في حربهم للإسلام لا يصدرون عن غضبة سريعة ولا يمارسون إجراءات منفعلة، ولا هم بالحمقى الذين تستفزهم المصائب أو تستهلكهم الأزمات، بل كل قرار بحرب أو سلم إنما يكون بعد دراسة متأنية وقراءة للواقع سليمة، وقد روى مسلم في صحيحه أن الْمُسْتَوْرِدَ الْقُرَشِىّ قال عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ.
هناك دراسات كثيرة، من أهمها دراسات مؤسسة راند.. ولماذا هذه المؤسسة بالذات؟ راند مؤسسة فكرية بحثية تابعة للقوات الجوية الأمريكية، وهي أهم مؤسسة فكرية مؤثرة على صناعة القرار في الإدارة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط.
- ومن أبرز ما أصدرته مؤسسة راند تقريران خطيران:
التقرير الأول: نشر في عام 2004م بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات) يهدف التقرير إلى تغيير الإسلام من خلال فهم طبيعة المنطقة؛ وتقسيم المسلمين إلى أربع فئات: مسلمين أصوليين أو متشددين، ومسلمين تقليديين، ومسلمين عصرانيين أو حداثيين، ومسلمين علمانيين.
أما فئة الأصوليين فتضم السلفيين السنة، و(الوهّابيين) كما يزعمون، وأتباع تنظيم القاعدة، وهؤلاء يعادون الديمقراطية والغرب، ويتمسكون بالجهاد وبالتفسير الدقيق للقرآن، ويريدون أن يعيدوا الخلافة الإسلامية، وهم متمكنون في الحجّة واستخدام العلم والوسائل الحديثة. ويوصي التقرير بمحاربتهم والقضاء عليهم، وتشويه فهمهم للإسلام، وإظهار عدم قدرتهم على الإدارة والسياسة ومواكبة الحياة، وتشجيع الصحفيين لنشر قضايا الفساد والخيانة ضدهم.
أما التقليديون وهم زوار الأضرحة وأرباب التصوف، فلهم رؤى معتدلة في العموم، وبعضهم قريب من الأصوليين، وهؤلاء يجب تأييدهم ضد الأصوليين، وإشعال الاختلاف والفتنة بين الطائفتين.
الإسلام الذي يريده الغرب هو الإسلام الذي ينسجم مع وجود المسجد والخمارة والشاطئ المتفسخ جنبًا إلى جنب دونما حرج، حيث لا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، وإنما هو إسلام فردي روحي لا أثر له في الواقع… هو الإسلام الذي لا يرى فيه المسلم أنه متميز بعقيدة أو ثقافة أو لغة أو حتى ملبس…. هو الإسلام الخامل المستهلك لنتاج الغرب الاقتصادي دونما إحساس أو شعور بخطر…. هو الإسلام الذي يتبرأ من عبارة “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله” نظرياً، ويطبقها عملياً. هذه بعض ملامح الإسلام الذي يريده الغرب ويخدمه التصوف –من حيث يشعر أو لا يشعر – في الوصول إليه.
وأما الحداثيون أو العصرانيون الذين يريدون مسخ الإسلام ليتعايش مع العصر. ومعهم العلمانيون الذين يرون فصل الدين الحياة، فهم الأقرب إلى الغرب في المبادئ والسياسات، لكنهم في موقف ضعيف، فيجب مساندتهم، ونشر أعمالهم في الإعلام والمناهج، وتوفير الدعم الشعبي لهم، وتطوير منظماتهم المدنية.
ويتحدث التقرير عن قضايا أخرى من منظور تغريبي مشوه، مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان، وتعدد الزوجات، والقوانين الجنائية في الإسلام كقطع الأيدي ورجم الزناة، والأقليات والأديان الأخرى، ولباس المرأة، وضرب الزوجات، واختتم التقرير بالتشكيك في جمع القرآن ونقله.