1ـ قطيعة الرّحم: هي أن يعقّ الإنسان أولى رحمه وذوي قرابته فلا يصلهم ببرّه ولا يمدّهم بإحسانه.ويختلف ذلك بحسب حال القاطع والمقطوع، فتارة يكون ذلك بمنع المال، وتارة بحجب الخدمة والزّيارة والسّلام، وغير ذلك.
2ـ قال القاضي عياض رحمه اللّه تعالى:سمّي العقوق قطعا. والعقّ الشّقّ كأنّه قطع ذلك السّبب المتّصل.ثمّ قال رحمه اللّه: ولا خلاف في أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبرى والأحاديث تشهد بذلك، ولكنّ الصّلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسّلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحبّ، ولو وصل بعض الشّيء ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعا، ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمّى واصلا.
3ـ بم تكون القطيعة؟ قال الصّنعانيّ رحمه اللّه تعالى: اختلف العلماء بأيّ شيء تحصل القطيعة للرّحم.فقال الزّين العراقيّ: تكون بالإساءة إلى الرّحم. وقال غيره: تكون بترك الإحسان لأنّ الأحاديث آمرة بالصّلة ناهية عن القطيعة فلا واسطة بينهما، والصّلة: نوع من الإحسان. كما فسّرها بذلك غير واحد، والقطيعة ضدّها وهي ترك الإحسان. وقال الحافظ ابن حجر: القاطع الّذي لا يتفضّل عليه ولا يتفضّل.
4ـ الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير من قطيعة الرحم كثيرة، ومن ذلك:
- عن رجل من خثعم أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو فى نفر من أصحابه، فقلت: أنت الّذى تزعم أنّك رسول اللّه؟ قال: «نعم». قال: قلت: يا رسول اللّه، أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه؟ قال: «الإيمان باللّه» قال: قلت يا رسول اللّه! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ صلة الرّحم». قال: قلت: يا رسول اللّه، ثمّ مه؟.قال: «ثمّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر». قال:قلت: يا رسول اللّه، أيّ الأعمال أبغض إلى اللّه؟ قال:«الإشراك باللّه». قال: قلت: يا رسول اللّه، ثمّ مه؟.قال «ثمّ قطيعة الرّحم». قال: قلت: يا رسول اللّه! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف» ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه إلى أبي يعلى وقال: إسناده جيد.
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم». وفي رواية الأدب المفرد، أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه جاء عشيّة الخميس ليلة الجمعة فقال: أحرّج على كلّ قاطع رحم لما قام من عندنا. فلم يقم أحد. حتّى قال ثلاثا. فأتى فتى عمّة له قد صرمها (يعني تركها) منذ سنتين. فدخل عليها. فقالت له: يا ابن أخي، ما جاء بك؟ قال سمعت أبا هريرة يقول كذا وكذا. قالت: ارجع إليه فسله لم قال ذلك؟. قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: وذكر الحديث …». رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد في المسند
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: إنّ رجلاً قال: يا رسول اللّه، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني. وأحسن إليهم ويسيئون إليّ. وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ. ولا يزال معك من اللّه ظهير عليهم، مادمت على ذلك».
- عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الرّحم شجنة متمسّكة بالعرش تكلّم بلسان ذلق اللّهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول اللّه تبارك وتعالى: أنا الرّحمن الرّحيم، وإنّي شققت للرّحم من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن نكثها نكثته».
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربّ. قال:فذاك لك». ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقرؤوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ».
- عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظّلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم، فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش فإنّ اللّه لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش»، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».فقام هو أو آخر فقال: يا رسول اللّه، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» قال أبي: وقال يزيد بن هارون في حديثه: ثمّ ناداه هذا أو غيره فقال: يا رسول اللّه، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان، هجرة للبادي وهجرة للحاضر. فأمّا هجرة البادي، فيطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا».
- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّ لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني وأعفو ويظلموني وأحسن ويسيئون. أفأكافئهم؟ قال: «إذا تشتركون جميعا، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنّه لن يزال معك ملك ظهير من اللّه عزّ وجلّ ما كنت على ذلك».
- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنّه لا بعد بالرّحم إذا قربت، وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعدت، وإن كانت قريبة، وكلّ رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها، تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها».
- عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الرّحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله اللّه. ومن قطعني قطعه اللّه».
- عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها».
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ليس شيء أطيع اللّه فيه أعجل ثواباً من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع. رواه البيهقي في السنن الكبرى
- عن أبي بكرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل اللّه لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم». رواه الحاكم وأصحاب السنن خلا النسائي
- عن جبير بن مطعم بن عديّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة قاطع. قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم».
- عن عبادة بن الصّامت رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما على الأرض مسلم يدعو اللّه بدعوة إلّا آتاه اللّه إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «اللّه أكثر»
- قال عمرو بن ميمون رحمه اللّه تعالى: «لمّا تعجّل موسى عليه السّلام ربّه عزّ وجلّ رأى في ظلّ العرش رجلاً فغبطه بمكانه فقال: إنّ هذا لكريم على ربّه عزّ وجلّ. فسأل ربّه أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال: أحدّثك من عمله بثلاث، كان لا يحسد النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله، وكان لا يعقّ والديه، ولا يمشي بالنّميمة