1/ الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون
أما بعد: فإن الله تعالى نهانا عن الفساد في الأرض بقوله جل جلاله {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وبيَّن جل جلاله مصير قوم أفسدوا في الأرض فطغوا وبغوا وتجبروا وعتوا {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} وجعل ربنا جل جلاله النهي عن الفساد أساس دعوة الأنبياء عليهم السلام؛ فهذا نبي الله شعيب عليه السلام يقول الله عنه {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} وهكذا نبي الله صالح عليه السلام قال لقومه {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} وهذا نبي الله موسى عليه السلام يقول لأخيه هارون {اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}
هؤلاء المفسدون موعودون بمزيد عذاب؛ {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ} وهم بغيضون إلى الله تعالى؛ {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
2/ إن القرآن الكريم – وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – وهو الصالح لكل زمان ومكان، وهو الذي يعالج واقعنا ويرسم مستقبلنا، فيه خبر ما قبلنا ونبأ ما بعدنا وحكم ما بيننا، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هذا الكتاب الكريم يعطينا معالم الفساد وأهله:
- صفة للكفار {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ. وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ} قيل: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك
- صفة للمنافقين، هؤلاء الملاحدة المشاؤون بالنميمة الباغون للبرآء العيب، منهم من لا يؤمن بالله ولا بالبوم الآخر، ومنهم دعاة العلمنة ممن يريد تنحية الدين عن الحياة، وفي الوقت نفسه يقدِّمون أنفسهم للناس على أنهم مصلحون طيبون مدافعون عن حقوق المساكين معظِّمون لحرمة الدين؛ يقول الله عنهم {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ} عن نوف البكالي رحمه الله تعالى وكان ممن يقرأ الكتب، قال: إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزَّل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين، ألسنتُهم أحلى من العسل، وقلوبُهم أمرّ من الصبر، يلبسون للناس مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله تعالى: فعليّ يجترئون وبي يغترون، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران، قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}
- من صفات اليهود الماكرين العابثين {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً}
- صفة للسحرة الدجالين {فَلَمَّا جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فلما أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}
- صفة للجبابرة المستكبرين؛ {وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}
3/ هذا الفساد أركانه خمسة: الحاكم الطاغية الجبار الظالم، الذي يحكم الناس بهواه، لا يستمع لنصح ناصح ولا يتدبر عاقبة أمره، والوزير الموالي المسارع في رضاه سيده الحاكم، ورجل الأعمال الفاسد الذي غاية همه أن يتضخم رصيده ويكثر ماله ويمتد نفوذه، ورجل الدين المخاتل الذي يسعى للتبرير والتزوير، ويلتمس لكل حادثة حديثاً ولكل حالة لبوسا، ورجل الإعلام الكذاب الذي يقلب الحقائق ويزور الوقائع ولا يبالي بالكذب والخداع
4/ من أنواع الفساد التي عمت بها البلوى وكثرت منها الشكوى مما له تعلق بحياة الناس، وكان له أكبر الأثر في حالة السخط العام الذي عمَّ العباد، مما لا يكاد يخفى على أحد:
- الفساد العقدي؛ وذلك بانتشار العقائد الباطلة، والعادات الفاسدة التي تناقض ما شرع الله لعباده وكذلك الخرافات والأباطيل وأنواع الدجل والشعوذة، مما هو شائع معروف في مجتمعنا المعاصر، كالقول بعدم حجية السنة والاستغناء عنها بالقرآن، وادعاء علم الغيب، وبدعة التشيع والرفض والطعن على الصحابة في الجرائد السيارة واستكتاب القساوسة فيها لنشر باطلهم بين عوامِّ المسلمين، وانتشار الطرق المنحرفة المنتسبة إلى الصوفية زوراً وكذباً وشيوع العادات الضارة في الأفراح والأتراح واعتبارها ديناً وإنكار أهل الباطل على من ينكرها، فيجب على الدولة المسلمة الحيلولة دون ذلك كله، حتى لا يفسد على الناس دينهم.
إن واحداً من المسئولين الكبار صرح قبل أيام بأن الشباب قد كفر بالدولة لأنها ضيقت عليه فغلقت محال الشيشة وشارع النيل!! وهذا – والله – كلام لا ينقضي منه العجب، أمن أجل هذا خرج الناس؟ أم من أجل هذا تظاهروا؟ اللهم لا هذا ولا ذاك، بل الناس أحد رجلين إما ذو دين ما أرضاه سلوك الدولة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به؛ بل رأى الربا يتعاطى جهارا نهارا، والغش والكذب والتدليس يمارس على رؤوس الأشهاد، والدين في كل يوم ينقص ولا يزيد، وإما طالب دنيا ساءه أن يجد الأفق أمامه مسدوداً والمستقبل مظلماً والحق مضيعاً، فخرج يعبر عن ظلامته
- الفساد الاجتماعي، وذلك بشيوع الظلم وغياب العدل، فلا بد أن يكون الناس أمام القانون سواء فلا شريف ولا ضعيف، (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) لا بد أن يأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وأن تصل إليهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، ولنا أن نسأل من واقعنا الذي نعيش أين حقوق الأئمة والمؤذنين والمعلمين والأطباء والجنود؟ هل يعيشون العيشة الكريمة التي تليق بهم والتي تحول بينهم وبين الفساد والإفساد؟
- الفساد الأخلاقي؛ وذلك بشيوع الأخلاق الرديئة من الكذب والغش والتدليس والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وتزيين الباطل والصد عن سبيل الله، وخيانة الأمانات وخلف الوعد والفجور في الخصومة وشيوع العنصرية والغضب للعصبية والحمية الجاهلية، وشيوع مفاهيم خاطئة عن الحرية وحقوق الإنسان بما يعني عندهم التفسخ من دين الله والتفصي من أحكام الله عز وجل
- الفساد الإداري؛ حيث لا يجد صاحب الحق حقَّه، ولا يصل إليه ما يجب له، بل لا يكاد يطرق مكتباً أو يغشى إدارة إلا والأبواب مسدودة والمسؤولون عنه مجوبون، والتسويف شعارهم والتأجيل دثارهم، والرشوة سبيلهم، لا ينجزون لك معاملة ولا يلبون لك طلباً إلا إذا قدمت بين يديك رسولاً من رشوة أو هدية
- الفساد المالي؛ ومن أبرز صوره أن يعمد بعض المتنفذين وأصحابهم وأصهارهم وأقرباؤهم إلى مباشرة التجارة أو غيرها من أسباب التكسب!! والعجب كل العجب أنهم يصنعون ذلك دونما أدنى حرج ظانين أنه يحل لهم!! وقد علمنا يقيناً أن ذلك مظنة فساد لما يترتب عليه من تضييع مصالح المسلمين بالتشاغل الذي يكون من ذلك المسئول في تنمية ماله وزيادة كسبه، ولما في ذلك من مظنة استغلال النفوذ ومحاباة الناس له رغبةً أو رهبة
- يدلُّ على ذلك ما رواه ابن سعد بإسناد مرسل رجاله ثقات قال (لما استخلف أبو بكر، أصبح غادياً إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها؛ فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح؛ فقالا: كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالوا: نفرض لك؛ ففرضوا له كل يوم شطر شاة. وفي رواية أنهم قالوا: برداه إن أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف. فقال أبو بكر: رضيت…
- وهكذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت مخصصاته معلومة لسائر الناس يقف على الملأ معلناً: ألا أخبركم بما أستحل من مال الله؟ حلتين، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش، ليس بأغناهم ولا أفقرهم، ثم أنا رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم
- وقد كان بعيد النظر حين منع ولاته من مثل ذلك، وكان ينكر على أحدهم بقوله: إنما بعثناك والياً ولم نبعثك تاجرا…
- وكان رضي الله عنه إذا احتاج لنفقة أو طرأ له طارئ لا يغمس يده في بيت المال غمسا،.. وحين احتاج رضي الله عنه أرسل إلى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستقرضه أربعمائة درهم، فقال عبد الرحمن: أتستسلفني وعندك بيت المال؟ ألا تأخذ منه ثم ترده؟ فقال عمر: إني أتخوف أن يصيبني قدري؛ فتقول أنت وأصحابك: اتركوا هذا لأمير المؤمنين!! حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكني أتسلفها منك لما أعلم من شحك؛ فإذا مت جئت فاستوفيتها من ميراثي.
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: شهدت جلولاء، فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قدمت على عمر قال لي: أرأيت لو عرضتُ على النار، فقيل لك: افتده. أكنت مفتديَّ؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه. فقال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا، فقالوا: عبدالله بن عمر صاحب رسول الله r، وابن أمير المؤمنين، وأحب الناس إليه، وأنت كذلك، فكان أن يرخصوا عليك بمائة درهم أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وأني قاسم مسئول، وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهماً، قال: ثم دعا التجار، فابتاعوا منه بأربعمائة ألف فدفع إليَّ ثمانين ألفاً، وبعت بالبقية إلى سعد بن أبي وقاص، فقال: اقسمه في الذين شهدوا الوقعة ومن كان مات منهم فادفعه إلى ورثته.
5/ لا بد من الإصلاح، وهؤلاء المصلحون ينالهم من العنت والحجر والتشويه ما ينالهم، لكن لا بد أن يتصدى للإصلاح ناس شعارهم {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} لما أراد الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز أن يصلح هذا الفساد، ويقوم هذا الاعوجاج، ويرد الحق إلى أهله عسر ذلك على بني أمية الذين اعتادوا أكل أموال الناس بالباطل، والتميز عليهم بغير حق ولا سابقة ولا جهاد، وكتب أحدهم إلى عمر بن عبد العزيز مهدداً متوعداً: أما بعد فقد أزريت بمن كان قبلك من الخلفاء، وسرت بغير سيرتهم، فقطعت ما أمر الله به أن يوصل، وعملت بغير الحق في قرابتك، وعمدت إلى أموال قريش ومواريثهم وحقوقهم فأدخلتها بيت مالك ظلماً وجوراً وعدواناً. فاتق الله يا ابن عبد العزيز، فإنك توشك ألا تطمئن على منبرك.. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز يقول: “من عمر أمير المؤمنين، إلى ابن الوليد.. سلام على من اتبع الهدى.. أما بعد، فعهدي بك كنت جباراً شقياً، والآن تكتب تتهمني بالظلم، لأنني حرمتك وأهل بيتك من مال المسلمين ما هو حق للضعيف والمسكين وابن السبيل! ألا إن شئت أخبرتك بمن هو أظلم مني وأترك لعهد الله إنه أبوك الوليد، فويل لك، وويل لأبيك، ما أكثر طلابكما وخصماءكما يوم القيامة.. وأظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام، وأظلم مني وأترك لعهد ا لله، من استعمل يزيد بن أبي مسلم على جميع المغرب، يجبي المال الحرام ويسفك الدم الحرام. ألا رويدك يا ابن الوليد، فلو طالت بي حياة لأتفرغن لك ولأهل بيتك حتى أقيمكم على المحجة البيضاء”