خطب الجمعة

نفرة لنصرة الشريعة

خطبة يوم الجمعة 19/9/1440 الموافق 24/5/2019

1/ أيها المسلمون عباد الله: فإن الله تعالى خلقنا في هذا الكون لعبادته، وعمارة الأرض بطاعته، كما قال سبحانه {ومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ^ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ^ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} وقد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة؛ وأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة قبل وفاته بإحدى وثمانين ليلة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وإن المسلم حقاً هو المستسلم لله تعالى في شأنه كله، المحكِّم له في جميع أحواله، الخاضع له في أمره ونهيه؛ كما قال سبحانه { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وكما قال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}

2/ أيها المسلمون: إن تحكيم الشريعة في حياة الناس هو مطلب الشرفاء، وهدف المؤمنين الأتقياء – حكاماً ومحكومين – إذ لا خيار لهم إلا ذلك، ولا هدف أسمى في حياتهم، يسعون لتحقيقه، ويجاهدون لتنزيله، من أن يروا شريعة الله حاكمة؛ وقوانينها مطبقة، وآدابها سارية، فتلك غاية الغايات وأنبل المقاصد وأنظف الرايات؛ ليقينهم بأنها قد حوت الكمال كله، والخير كله، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، وأن المسلمين ما يحتاجون معها إلى غيرها؛ قال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} وقال {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقد علم الناس أن في شريعة الإسلام أنظمة اجتماعية وأخرى اقتصادية وثالثة جنائية ورابعة للسياسة الشرعية، مع ما فيها من تنظيم لعلاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان، وهي شريعة مرنة سهلة رفع الله عنا فيها الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا، وفيها قدرة على مواجهة النوازل والتكيف مع الحوادث

3/ أيها المسلمون: إن إيماننا لا يكمل وديننا لا يصح إلا إذا رضينا بأن تكون شريعة الله تظللنا، وأحكام الله تعلونا؛ وقد نطقت بذلك آيات القرآن الكريم؛ فقال سبحانه {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وعليه فليتوكل المتوكلون}، وقوله سبحانه {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}، وقال سبحانه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقال سبحانه مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} وقال مخاطباً إياه {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} وقال {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وقد نعى ربنا جل جلاله على ناس يريدون تنحية أحكام الله جانباً فقال عنهم {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}

4/ أيها المسلمون: إننا نذكركم – في هذه الأيام – بصفحات من تاريخ هذه البلاد المعاصر، والذي ينبئنا أن أعداء الله عز وجل يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويمكرون المكر الكبار بالليل والنهار، ويمنُّون أنفسهم بيوم تسقط فيه راية الشريعة ويرضى المسلمون بالدنية في دينهم؛ وقد شنوا حروباً عسكرية ضروساً استمرت عقودا؛ مستعينين بحركة التمرد الصليبية وقادتها الخونة، وقد شاء ربنا أن يخزيهم ويفل كيدهم ويبطل مكرهم {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} ولما يئسوا من روح الله في أن يحققوا انتصاراً في أرض المعركة لجئوا في أيامنا هذه لامتطاء ظهر الثورة والثوار، زاعمين أنهم يريدون تحرير الدولة من الدين، أو تنحية الدين عن الدولة؛ وكأن الدين غُل في عنق الدولة {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا} لم يقدموا للناس حلولاً لمشاكلهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي من أجلها ثاروا، بل غاية همهم أمران: أولهما المزاحمة على كراسي الحكم والمنافسة على أبهته، وثانيهما محاربة شريعة الله عز وجل والدعاة إليها

5/ أيها المسلمون: إن تلك الوجوه الكالحة التي طالما ضاقت ذرعاً بالإسلام وأهله، واشمأزت من ذكر الله؛ يُمنُّون أنفسهم بردة سريعة تَرجع بالناس إلى عهود التيه والظلام حيث كان الخمر مبذولاً والزنا متاحاً وسبُّ الدين يُسمع من غير نكير، وهم في ذلك يستعينون ويلوحون – مهددين – بالمنظمات الدولية والمجتمع الدولي؛ حالهم كحال أسلافهم الذين قال الله فيهم {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} لكننا واثقون من نصر الله، مستيقنون من وعد الله، والحال كما قال ربنا {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ^ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ^ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ^ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}

6/ أيها المسلمون عباد الله: إن القلوب التي تخفق بحب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم والتي طالما تاقت إلى أن ترى حكم الله يسود وشرعه يعلو لا يمكن بحال أن ترضى بمثل هذا، وإن سؤالاً لا بد أن يوجَّه إلى أهل الحكم عندنا: أترون تلك الدماء الزكية التي نزفت وأرتال الشهداء الذين صعدت أرواحهم إلى الله تعالى، أترون ذلك كله كان من أجل دنيا أو منصب أو جاه؟ اللهم لا. أترونهم قدَّموا نفوسهم الزاكية رخيصة في سبيل الله من أجل تنحية شرع الله؟ اللهم لا. أترون أولئك الشباب والشيوخ الذين جاهدوا في الله حق جهاده يرضون بأن ترضخ القيادة لأهل النفاق تحت دعوى الإجماع الوطني فتمحو أحكام الله من الدستور والقوانين؟ اللهم لا.

ألا فليعلم الجميع أن شريعة الله ليست كلأ مباحاً ولا ملكاً لشخص ما يتنازل عنها متى ما أراد، وعليهم أن يستعيدوا التاريخ قديمه وحديثه ليروا كيف كان عاقبة من بدَّلوا وغيروا؛ ومن رقعوا دنياهم بتمزيق دينهم؛ فلا دينهم بقي ولا ما رقعوا، بل ذهبوا مشيعين بالغضب من رب العالمين واللعنات من المؤمنين.. ألا يا كل مخلص اعلم أن لك أسوة في الصديق أبي بكر رضي الله عنه الذي حفظ الدين بعد وفاة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وردد بلسان اليقين (أيُنقص الدين وأنا حي؟)

7/ إننا نذكر جماهير المسلمين – حكاماً ومحكومين – بجملة من الأمور التي ينبغي أن نعيها جيداً، وننطلق من الإيمان الراسخ بها، ومن ذلك:

أولاً: أن الدين مقدَّم على كل شيء؛ فالحفاظ عليه أولى الأولويات، وتطبيق أحكامه أعظم المهمات، ومن أجل ذلك خُلقنا ومن أجله نبقى؛ فإذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا حياة لمن لم يحي دينا، ومن أجل الدين تذهب النفوس والأموال والأعراض؛ بل إن الجهاد ما شرع إلا لحفظ الدين {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}

ثانياً: أن في تطبيق الشريعة ـ بأحكامها الكلية وآدابها المرعية ـ حفظاً لحقوق الناس كلهم ـ مسلمهم وكافرهم ـ فليس في الشريعة ضيم ولا ظلم، بل شريعتنا هي العدل المطلق والحق الأبلج؛ وإننا لنقرأ في القرآن {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} ونقرأ في القرآن {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} وها هم غير المسلمين يعيشون بيننا ـ سنين عددا ـ فما ضُيِّقَ عليهم في عيش، ولا أكرهوا على تغيير معتقد

ثالثاً: أن المسلمين في هذه البلاد يريدون أن يروا شريعة إسلامية تتمثل في إقرار الحقوق والوفاء بالعهود، شريعة يستوي فيها القوي والضعيف، والوضيع والشريف، شريعة تحفظ المال العام، وتأخذ على أيدي السفهاء، شريعة يرعى فيها حق اليتيم والمسكين ومن لا يجد ناصرا، شريعة تقوم على العدل والرحمة والقسط، ويجد كل امرئ فيها حقه غير متعتع. هذه هي الشريعة التي نريدها، ومبدؤها دستور إسلامي نصوصه واضحة في أن الحكم لله، وأن الحاكم ليس إلا حارساً للدين وسائساً للدنيا به.

رابعاً: إن دعوى الإجماع الوطني من تلك الأحزاب دعوى كاذبة خاطئة؛ فوالله ما أجمع الناس في السودان، ولن يجمعوا أبداً على ترك الشريعة، بل هي دعوة شاذة خاسرة يقودها قوم {كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} قوم {قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم} وما هم في العير ولا النفير، يعلم ذلك كل منصف، وتشهد بذلك بيوت الله الغاصّة بالركع السجود الذين لا يريدون لأحكام الله تبديلاً ولا تغييراً، إن هؤلاء الكارهين لحكم الله من الشيوعيين والمنافقين وأذناب الصليبين قليل عددهم ضعيف بأسهم، وقد يئسوا من أن تقوم لهم قائمة أو تروج لهم سلعة، فلجئوا إلى مثل تلك الحيل الباطلة والحجج الداحضة ليجدوا لأنفسهم موطئ قدم

8/ إننا نقول بملء أفواهنا: إن الشعب مع الحاكم الذي يطبق شريعة الله ويرضخ لأحكام الله، وإنكم مدعوون – يا أهل الإسلام –ويا عباد الرحمن – عقب هذه الصلاة المباركة للخروج من المساجد والتجمع في ميدان (أبي جنزير) لتؤكدوا رغبتكم في شريعة ربكم ورضوخكم لأحكام دينكم، ولتسمعوا من العلماء كلمتهم، وتوجهوا إلى القادة كلمتكم، من أجل أن تردوا على أولئك الذين يزعمون أنهم للشعب ممثلون، وعن رغباته معبرون، وهم في ذلك كاذبون، لا بد أن نعلن كلمتنا للعالم: أن أهل السودان لربهم مطيعون، ولنبيهم محبون، وعلى شريعة ربهم حريصون، ولأهل الإلحاد والنفاق كارهون، وإذا كان سوء في التطبيق قد حدث فيما مضى فليُصلح، وإن كان ثمة تقصير فليُتمم، أما أن تنحى شريعة رب الناس عن حكم الناس فهيهات هيهات!!

يا أيها المسلمون: انفروا خفافاً وثقالا، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، واجعلوها غضبة لله، لا لعصبية ولا لجاهلية، وكونوا مع الله يكن الله معكم {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}

وأخيراً نسأل الله أن يصلح من في صلاحه صلاح المسلمين، وأن يهلك من في هلاكه صلاح المسلمين، وأن يبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه خير المسئولين وخير المعطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى