خطب الجمعة

وباء كورونا

خطبة يوم الجمعة 18/7/1441 الموافق 13/3/2020 في مسجد الإيمان بإستانبول

1/ إن من تأمل في دنياه بعين العبرة والبصيرة، يعلم أنها دار الأكدار والأحزان، لا تستقر على حال ولا تدوم على شان؛ فليست هي محل السرور الدائم ولا السعة، وإنما هي ابتلاء وامتحان، وفرج وشدة، وكل إنسان في هذه الدنيا تمرُّ به محنٌ وبلايا، ومصائب ورزايا، بينما هو في رخاء إذ نزلت به شدة، وبينما هو في عافية وسعة إذ فَجَأهُ مرض وسقم. أو لعله كان في سعة زرق ورخاء ثم يبتلي بفقر مدقع أو غرم مفظع، آلام تضيق بها النفوس، ومزعجات تورث الخوف والجوع. كم ترى من مبتلى يشكو مرضه، وأب يلوم عقوق ولده، وأم ثكلى تبكي فقيدها، كم ترى ممن بارت تجارته وكسدت صناعته، وآخر قد ضاع جهده ولم يدرك مرامه، تلك هي الدنيا تضحك وتبكي، وتسر وتحزن، وتعطي وتمنع، وتشتّتٍ وتجمع.. إنها دار غرور لمن اغتر بها، وهي عبرة لمن اعتبر بها، وهي دار صدق لمن صدقها

يا خاطِبَ الدّنيا الدّنِيّةِ إنّها … شرَكُ الرّدى وقَرارَةُ الأكدارِ

دارٌ متى ما أضْحكتْ في يومِها … أبْكَتْ غداً بُعْداً لها منْ دارِ

غاراتُها ما تنْقَضي وأسيرُها … لا يُفتَدى بجلائِلِ الأخْطارِ

كمْ مُزْدَهًى بغُرورِها حتى بَدا … متمَرّداً مُتجاوِزَ المِقْدارِ

قلَبَتْ لهُ ظهْرَ المِجَنّ وأولَغَتْ … فيهِ المُدى ونزَتْ لأخْذِ الثّارِ

فارْبأ بعُمرِكَ أن يمُرّ مُضَيَّعاً … فيها سُدًى من غيرِ ما استِظهارِ

{لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}

2/ حال الأنبياء نوح وأيوب ويونس وزكريا عليهم السلام، وكيف كانوا في حال البلاء؟

إذا اشتملت على اليأس القلوب……وضاق لما به الصدر الرحيب

وأوطأت المكاره واطمأنت……….وأرست في أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضر وجها…..ولا أغني بحيلته الأريب

أتاك على قنوط منك غوث…….. يجيء به القريب المستجيب

وكل الحادثات إذا تناهت……… فموصول بها الفرج القريب

3/ ‏وباء يسببه كائن مجهري دقيق، يقيم الله به برهان قدرته وضعف عباده في عصر افتتن الخلق فيه بقوتهم، وظنوا أنهم قادرون على هذه الحياة الدنيا! ‏فيسلط الله هذا الذي لا يرى وإنما تعرف آثاره الفتاكة، فيذل رقاب الجبابرة، ولا تدفعه عن نفسها الأباطرة!

حقيقة هذا الوباء العام:

‏قال صلى الله عليه وسلم: “إن هذا الوجع رجز أو عذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم” ‏وفي رواية: “رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل” ‏”ثم بقي بعد بالأرض، فيذهب المرة ويأتي الأخرى” ‏والأحاديث متفق عليها، الرجز: العقوبة والعذاب، وذلك بسبب الذنوب والفواحش الموبقات.

قد يكون عقوبة على ترك إنكار الموبقات التي ترتكب جهارًا نهارًا في كل مكان وزمان، لا سيما في الأماكن المباركة والأزمنة الفاضلة!

‏في سنة ٤٧٨هـ كثرت الأوبئة وماتت خلائق فأمر الخليفة بتجديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكسر آلات اللهو فارتفع البلاء! ‏البداية والنهاية، لابن كثير

‏لا يؤثر في الأبدان بالمرض بنفسه، إنما يؤثر بإذن الله، فقد يتعرض الإنسان له فلا يمرض، وقد يمرض فيشفى منه وهذا هو الكثير الغالب حتى الآن.

‏فلا مجال للهلع والجزع المنافي للتوكل على الله، وأخذ أسباب الوقاية مشروعة.

‏في الحديث: “لا عدوى…وفر من المجذوم فرارك من الأسد”

4/ في يومنا هذا تعلن الولايات المتحدة أن ولاية أوهايو تتوقع أن يصل عدد المصابين بالمرض إلى مائة ألف، وترصد بريطانيا اثني عشر مليار جنيه لمكافحة هذا المرض، وأما إيطاليا فتعلن حالة طوارئ الحرب، وتمنع المستشفيات من استقبال كبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة كالفشل الكلوي والسرطان؛ بل تقتصر على الفئات العمرية الصغيرة فقط، وصدق ربنا جل جلاله حين قال {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى