خطب الجمعة

فقاتلوا التي تبغي

خطبة يوم الجمعة 6/7/1436 الموافق 24/4/2015

1- الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون، أما بعد.

2- فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسـلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال سبحانه {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} وقال {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} ومن صور الضلال أن أمة العرب قبل الإسلام كانوا أهل جاهلية وبأس، يغير بعضهم على بعض طمعاً في الغنائم والأسلاب، ويقتل بعضهم بعضاً على سبب تافه، إما طاعة للزعماء والكبراء، أو استجابة لدسائس بعض الأشرار، وقد تستمر الحرب أربعين عاماً – كما كانت بين بكر وتغلب فيما عرف بحرب البسوس التي دارت رحاها من أجل ناقة، أو من أجل شهوات الدنيا؛ كما قال قائلهم:

وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا

وكان شعار الواحد منهم “انصر أخاك ظالماً أو مظلوما” بالمعنى الجاهلي البغيض، يعنون انصر أخاك محقاً كان أم مبطلاً، مصيباً أم مخطئا، وبعض زعمائهم كان يسمى الأحمق المطاع إذا غضب غضب له عشرة آلاف لا يسألونه فيما غضب؛ وقد قيل على سبيل الفخر: لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا

3- إن الأصل الثابت بيقين حرمة دماء المسلمين بعضهم على بعض؛ ففي الحديث “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه” وقتال المسلم لأخيه المسلم من كبائر الذنوب التي أكد عليها النبي صلى الله عليه وسـلم في خطبة الوداع ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال يوم عرفة “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا” وقال لجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه “استنصت لي الناس” ثم قال  “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض” وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” وعن أبي بكرة رضي الله عنه “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار” بل حرَّم صلى الله عليه وسـلم مجرد الإشارة بالسلاح “لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار”

4- وجوب نصرة المسلم وإعانته في الشدائد “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله” وينبغي أن ينزل كل مسلم أخاه المسلم منزلة نفسه “المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم” “انصر أخاك ظالماً أو مظلوما”

5- الأصل في النفس البشرية العصمة وفي الدماء الحرمة {أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} وما أجاز الإسلام من إراقة الدماء إلا ما اقتضته الضرورة وأوجبته مصلحة الخلق ودفع الشر والفساد عنهم مثل القصاص ودفع الصائل وقتال المعتدي حتى يرتدع عن عدوانه ومدافعة الباغي حتى يرجع عن بغيه {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}

6- التحذير من كيد أعداء المسلمين ودسائسهم، وفي ذلك قصة شاس بن قيس اليهودي وما كان من نزول الآيات التي في سورة آل عمران

7- من العقوبات القدرية أن يجعل الله بأس الأمة بينها؛ قال سبحانه {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} وفي ذلك الحديث الصحيح في دعاء النبي صلى الله عليه وسـلم ربه بثلاث دعوات عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ زَوَى لِي الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَبْيَضَ وَالْأَحْمَرَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لَا يُهْلِكُ أُمَّتِي بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا فَيُهْلِكَهُمْ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُلْبِسَهُمْ شِيَعًا، وَلَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، وَقَالَ: “يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَلَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَيُهْلِكُوهُمْ بِعَامَّةٍ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا”

8- وقد حصل القتال في عهد الصحابة رضي الله عنهم حين قاتل طلحة والزبير وعائشة علياً رضي الله عنهم أجمعين في معركة الجمل، وحين قاتل معاوية ومعه أهل الشام علياً رضي الله عنه في معركة صفين وفي تلك المعركة قتل عمار بن ياسر الذي قال أخبره النبي صلى الله عليه وسـلم بأنه “تقتله الفئة الباغية” وحين انشق عنه الخوارج بتأويل بارد وفهم سقيم قاتلهم في النهروان بعدما أرسل إليهم ترجمان القرآن يناظرهم فأبوا إلا القتال

9- والقتال داخل الدائرة الإسلامية يأخذ صوراً منها:

أولاً: قتال بين الدول أو الأقطار أو الأقاليم الإسلامية بعضها وبعض

ثانياً: قتال أهل البغي أي اشتباك الدولة مع الخارجين عليها بالسلاح

ثالثاً: الثورة المسلحة على الدولة أو الحاكم وهو ما يحدث الآن في بعض بلاد المسلمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى